فلسطين... عودٌ على بدء

فلسطين... عودٌ على بدء

22 مايو 2020
استخفاف بالقدرة الذاتية الفلسطينية (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -

ما كان لـ"اتفاق أوسلو" 1993، ورسالة "الاعتراف المتبادل"، أن يصلا بالحالة الفلسطينية إلى ما وصلت إليه اليوم، لولا تكرار ذات المقدمات، أملاً بنتائج مختلفة. ففي سياسة "التقييد الذاتي"، مقابل انفلاتٍ احتلالي، أضاعت منظمة التحرير الفلسطينية إعلان الدولة، بانتهاء المرحلة الانتقالية في عام 1999، واستنزفت الطاقات بعيداً عن التأسيس لدولة.

في النتيجة، ولعلها الأشد ألماً وكارثية، تتحول الحالة الثورية لحركة التحرر إلى "الخجل والتبرؤ منها"، لمصلحة بنية سلطوية، منقسمة منذ عام 2007. وبتغييب المؤسسات، أو استحضارها كرنفالياً، ضرَبت هوامش مفسدة السلطة بعض الفصائل لمصلحة منصب سلطوي أو موازنة، مع تراجع تدفيع الاحتلال وعربدة مستوطنيه في الضفة الغربية الثمن، للجم انتشاره كالسرطان منذ عام 1994.

أوهام كثيرة حلّت في "النداءات" للمجتمع الدولي، والتهديد المتتالي بالتحلل من تنسيق أمني واتفاقات مكبَّلة. فالواقع يتطلب بعض الشفافية، خطاباً وبرامج، بدل الارتجالية المتفاقمة منذ رحيل الزعيم ياسر عرفات، الذي دفع حياته ثمن اكتشافه مبكراً للأوهام، من تل الزعتر إلى حصار بيروت والمقاطعة برام الله، مع المسكوت عنه، اليوم، في فجور الأسرلة الرسمية العربية، وإشهار جردة حساب مالي، على قاعدة "فاذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ها هنا قاعدون".

وأمام استخفاف البعض بالقوة الذاتية، بالتركيز على النداءات غير المعطوفة على مقاومة جدّية، وإنهاء الانقسام المدمر، والطبطبة على ما جُرّ إليه الوضع منذ عقدين، يُعمل على مزيد من إلزام الفلسطينيين بـ"صفقة ترامب" معدلة، وهو ما يتوضح في مساعي الكرملين، أخيراً، لجمع الطرف الفلسطيني بالأميركي والإسرائيلي، بعد إعلان الرئيس محمود عباس التحلل من "التقييد الذاتي". 

رتابة فواصل بيانات الغضب، أمام سياسة التهويد، واستفحال غياب عربي، مناكفة لفلسطين والأردن، في قضية القدس والأغوار، بغياب الصدق مع الذات، وشفافية مراجعة المقدمات الكارثية، لن تنتج متغيرات ضاغطة.

لكن، في تجربة المؤتمر الوطني الأفريقي، "إيه أن سي"، بمواجهة الأبارتهايد (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا، دروس كثيرة، إنْ كفاحاً محلياً، أو نضالاً عالمياً، في استفحال الاحتلال والأبارتهايد. وذلك يتطلب من الكل الفلسطيني إعادة ضبط المسار وفق مفاهيم وأدوار حركة التحرر.

فأسبقية تكرار إعلانات الغضب، من دون جدية في ترتيب البيت الفلسطيني الذي لا يقتصر فقط على إنهاء الانقسام، وفي ظل تحويل قضية اللاجئين إلى "مغتربين"، و"نأي بالنفس" عن طاقات هائلة في الشتات والداخل الفلسطيني والغرق، في فصائلية البعض، ببنادقه وبوصلته دعماً لأنظمة تتاجر بفلسطين، كل ذلك سيعيدنا إلى ذات النتائج.

باختصار، من دون استعادة حركة التحرر الوطني لدورها، سيبقى الغضب الموسمي هو نفسه، وبارتجالية تأخذ بالحالة الفلسطينية نحو مزيد من تضييع الجهد والوقت.



المساهمون