تنافس أميركي روسي شرقي سورية: استمالة القبائل وتشكيلات جديدة

تنافس أميركي روسي شرقي سورية: استمالة القبائل وتشكيلات جديدة

25 ابريل 2020
ينشط الروس في ريف الحسكة (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال مناطق شرقي سورية واقعةً في دائرة رصد قوى دولية تسعى لفرض وجودها فيها، عبر محاولة إقامة تشكيلات عسكرية وسياسية جديدة تدعم هذا الوجود، خصوصاً المرتبط بالقوتين الرئيسيتين، الولايات المتحدة وروسيا. وفي هذا السياق، عقد ضباطٌ من الجيش الروسي، أول من أمس الخميس، اجتماعاً مع شيوخ عشائر مدينة القامشلي في ريف الحسكة، شمالي شرقي سورية، بناءً على أوامر وصلت من موسكو، بحسب مصادر محلية. وقالت المصادر إن الضباط الروس طرحوا خلال الاجتماع خططاً لتجنيد أبناء العشائر، ضمن كيانٍ عسكري غير نظامي، وليس له ارتباطات بقوات النظام السوري أو مليشيا "الدفاع الوطني"، وأنهم أبلغوا شيوخ العشائر بأنَّ التشكيل الجديد ستكون تبعيته للروس حصراً، وسيتقاضى عناصره رواتب ومساعدات غذائية من موسكو. وأوضحت المصادر أن التشكيل الجديد سيضم من 500 إلى ألف عنصر، ووعد الضباط الروس بأنه لن يشارك في أي معارك مع أي طرف خارج محافظة الحسكة، إلا في الحالات الاضطرارية.

ويرى مراقبون أن روسيا تسعى إلى قطع الطريق على الأميركيين من خلال استمالة بعض القبائل الكبيرة في القامشلي إلى صفّها، في مواجهة محاولات الأميركيين استمالة قبائل أخرى في القسم الجنوبي من المحافظة.

وتأتي الخطوة الروسية بعد يوم من افتتاح القوات الأميركية باب التسجيل في دورات عسكرية بهدف تشكيل كيان عسكري من السكان العرب في منطقة الشدادي، جنوبي الحسكة. وثمة تكهنات عدة حول مرامي واشنطن من التشكيل الجديد، إذ يرى البعض أنه قد يكون نواة قوة تسحب بساط الدعم من "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) المدعومة من التحالف الدولي، بسبب عدم الثقة بعناصر "قسد" لحماية المنشآت النفطية، فيما يعتبر آخرون أنه سيكون قوةً رديفة لـ"قسد".

وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن التشكيل الجديد سيكون رديفاً لـ"قسد"، وليس بديلاً عنها، وأغلب الحديث هو عن عودة شبّان إلى العمل مع القوات الأميركية ممن تركوها سابقاً بعد الإعلان عن نيتها الانسحاب من سورية، فيما سيحصل المجندون الجدد على مزايا أكثر، ورواتب أفضل. وستكون مهمة القوة الجديدة على الأرجح متعلقة بحراسة المنشآت الحيوية والمداهمات، إضافة إلى مواجهة تنظيم "داعش" الذي بات ينشط أكثر خلال الآونة الأخيرة، لكن تلك القوات لا تزال حتى الآن في مرحلة التدريب. ووفق المعلومات، فإن القوات الروسية في شرق الفرات، وإن كانت قد أبطأت من وتيرة محاولاتها لتطويع أبناء تلك المناطق في تشكيلاتٍ تعمل لصالحها بعد عودة الأميركيين إلى الساحة مجدداً، لكن الروس ينشطون هناك، لا سيما في ريف الحسكة، وتحديداً بعد الاتفاق مع تركيا في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذي أدى إلى توقف العملية العسكرية التركية "نبع السلام".


ورأى مراقبون أن روسيا تعمل منذ نحو شهرين ضمن مسارين متوازيين لتحقيق أهدافها في ريف الحسكة، على الرغم من مراقبة القوات الأميركية لتحركاتها. أما المسار الأول، فيجري العمل عليه عبر التقرب من العشائر العربية والكردية الموجودة في منطقة شمال شرقي سورية، وشهد الفترة الماضية عقد ضباط روس اجتماعات مع وجهاء وشيوخ من العشائر في ريف الحسكة، آخرها استقبال شيخ عشيرة "حرب" محمود منصور العاكوب، في مضافته بمدينة القامشلي قبل أيام، ضباطاً من قوات النظام وآخرين روساً، فيما تحدثت شبكات محلية بأن هذه القبيلة كانت قد تبرّأت العام الماضي من تصرفات العاكوب، وذلك على خلفية علاقته الوثيقة مع قوات النظام والحرس الثوري الإيراني.

كما زارت القوات الروسية بلدة عامودا في ريف الحسكة للقاء المجلس المحلي فيها، بحسب ما صرحت الرئيسة المشتركة لمجلس ناحية عامودا، سلمى حسين، لمواقع محلية. وإضافة إلى عامودا، زار الوفد الروسي بلدة تل تمر، والتقى بوجهاء العشائر وأعضاء المجالس المحلية فيها، ووعدهم بالإسراع في حل مشاكلهم الخدمية.

أما المسار الثاني الذي تعمل عليه القوات الروسية، فهو التغلغل في ريف الحسكة عسكرياً، إذ استقدمت في نهاية مارس/ آذار الماضي وبداية شهر إبريل/ نيسان الحالي، عشرات الجنود، إضافة إلى عربات عسكرية. وأرسلت روسيا قبل نحو أسبوعين قافلة عسكرية ضمّت أكثر من 50 شاحنة عسكرية ودبابة وناقلة جنود، خرجت من مدينة عين عيسى بريف الرقة، لتصل إلى مدينة القامشلي.

كذلك عزّزت روسيا وجودها قرب مطار القامشلي، حيث يوجد نحو 200 جندي روسي، وعشرات العربات المدرعة والدبابات إلى جانب ست مروحيات، فيما يقيم الضباط الروس في منطقة الفيلات قرب المطار، بعدما وضعوا يدهم عليها، وفق وكالة "الأناضول" التركية. وبحسب الوكالة، فقد أحبط التحالف الدولي مخططاً روسياً لإنشاء مجموعات مسلحة من عناصر محلية تابعة لها في منطقتي عامودا وتل تمر بريف الحسكة. ووفق المخطط، فإن المرحلة الأولى كانت تتضمن تجنيد 400 شاب، يتولى مسلحو "قسد" تدريبهم على مختلف أنواع الأسلحة بإشراف روسي، لكن التحالف الدولي تدخّل لإفشال المخطط بعد إطلاقه. وقام ضباط أميركيون بزيارات متكررة إلى تل تمر، لثني سكانها عن إرسال أبنائهم للنقاط الروسية، وأكدوا لهم أن روسيا تريد تحويل الشبان لمرتزقة يقاتلون لحسابها في ليبيا.

من جهتها، عبّرت تركيا عن قلقها من محاولات إضفاء الشرعية على "قسد"، فيما اعتقلت قواتها في شرق الفرات أحد أبرز زعماء العشائر العربية في تل أبيض. وقالت وزارة الخارجية التركية إن وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو أبلغ نظيريه الروسي والإيراني سيرغي لافروف ومحمد جواد ظريف خلال الاجتماع الأخير لمسار أستانة الذي تمّ عبر الفيديو، قلق تركيا بشأن "الأنشطة الإرهابية" المستمرة جراء عدم إبعاد الوحدات الكردية عن كامل الحدود التركية مع سورية ومحاولات إضفاء الشرعية عليها. وأضافت الوزارة أنه جرى، خلال الاجتماع الذي عقد يوم الثلاثاء الماضي، التأكيد على الالتزام بسيادة سورية ووحدة أراضيها.