زمن الرهبة والوحشة في أميركا

زمن الرهبة والوحشة في أميركا

12 ابريل 2020
حالة توجس وقلق عززها التخبط الإداري (Getty)
+ الخط -
أرقام كورونا أصبح لها رهبة مخيفة في أميركا، فإصاباته تجاوزت نصف مليون، ووفياته تخطت عشرين ألفًا، وسط تقديرات بأن يتضاعف هذا الرقم بين 4 إلى 10 مرات. المحصلة النهائية تتوقف على خطط المواجهة التي لم تثبت بعد على حال، فكلما استفحلت الأزمة، ازداد التضارب بين المعنيين في المقاربات والأولويات والقرار.

وحتى في عرض الوقائع الثابتة، الأمر الذي أثار، وما زال، بلبلة تركت معظم الناس فريسة للتوجس والوسواس بأن الفيروس يلاحقهم كالظل، ولو في المخبأ المنزلي المفترض أن يكون المكان الآمن.

ويزيد من الرعب أن الحالات فاضت عن قدرة المستشفيات والطواقم الطبية التي باتت هي نفسها عرضة للفيروس والموت بسبب النقص المتزايد في المعدات واللوازم الوقائية. ومع ذلك، يستولي الاقتصاد وضرورة العودة إلى دورته العادية، على اهتمام الرئيس دونالد ترامب، فيما لا تزال كورونا تتنقل بين المدن والمناطق وتهدد المتبقي منها، مثل واشنطن العاصمة والوسط الغربي، بموجات كاسرة، خلال الأسبوع القادم.

الرئيس في واد والسلطات الصحية في واد آخر، والعلاقة بينهما مناكفة يومية ولو مكتومة. هو يريد فتح البلد والعودة إلى العمل في مطلع مايو/أيار المقبل، وهي تحذر من عواقب كارثية لمثل هذا التسرع. هو يقلل من أهمية الفحص الشامل، فيما يشدد أصحاب الاختصاص على حتميته قبل الحديث عن أي استئناف للدورة الاقتصادية. أولوية الرئيس مفهومة؛ فانتخابات الرئاسة باتت بالنسبة إليه مرهونة بالوضع الاقتصادي، ويخشى من اتخاذ إجراءات تؤدي إلى استمرار العزلة وبالتالي تجميد الحركة حتى إشعار آخر، ربما شهران أو ثلاثة أو أكثر، حسب الترجيحات الطبية. وفي ذلك حكم بالإعدام على إمكانية تجديد رئاسته، إذ لا يمكن انتخابه في ظل نسبة بطالة قد تصل إلى 20% مع بداية الصيف، حسب توقعات "ج. سي. مورغن-تشاس"، أكبر المصارف الأميركية، أو في ظل حالة "كساد محتمل"، كما ترى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وهذا خيار مستحيل للرئيس.

من هنا يأتي تشديده في الأيام الأخيرة على أهمية "فتح الاقتصاد والبلد في مطلع مايو القادم". يشاركه في العزف على هذا الوتر فريق مؤثر من الإعلام المحافظ والنخب السياسية المؤيدة، ولو أن مثل هذه العودة لا تخلو من المقامرة. ففي الاعتقاد الطبي السائد، قد يتسبب فك العزلة المنزلية قبل الأوان بإطلاق موجة جديدة كاسحة من الفيروس تنتهي بكلفة بشرية هائلة يصبح معها من شبه المؤكد فوز منافسه جو بايدن، الذي يبدو أن كورونا جاءته من باب أن "ربّ ضارة نافعة".

الواضح أن الزمن يعمل ضد الرئيس. استعجاله العودة إلى ما سبق أقرب إلى التمني. كثير من الحقائق الطبية في هذه الأزمة غير معروف بعد، وبالتالي غير معروفة تداعياته، ناهيك عن معالجاته. ثم إن قرار الرجوع إلى العمل ليس بيد الرئيس بقدر ما هو بيد حكام الولايات حسب الدستور. بل هو أيضاً بيد العمال والموظفين الذين ليست متوقعة عودتهم إلى مواقعهم طالما بقيت التحذيرات الطبية قائمة. حتى الآن، فقط 50 مليون مدني وأمني (من أصل 163 مليونًا) يواصلون العمل في المواقع الحساسة الضرورية.

شبه القارة شبه فارغة. تسكنها الوحشة ويسودها القلق بسبب تشوش الرؤيا واضطراب القرار. "البلد الأغنى والأكثر تنظيماً والمتفوق طبياً بات عاجزاً عن توفير أولويات التصدي لهذا التحدي"، على حد طبيب نيويوركي. أوضاع شرائح اجتماعية تعيش على أجورها الشهرية بدأت تتردى. ألوف في ولايات غنية، مثل تكساس، تصطف أمام مراكز توزيع الوجبات المجانية، بعد أن تأخر وصول الإعانات المالية التي أقرها الكونغرس قبل أسبوعين ووافق عليها الرئيس. غياب الآليات المطلوبة عرقل التوزيع حتى الآن.


عدم أخذ كورونا على محمل الجد من البداية أدى إلى التعامل البائس معه، وأعطى المبادرة إلى الفيروس وخلق حقائق عنيدة على الأرض: "لن تكون الأمور تحت السيطرة قبل العثور على اللقاح المناسب الذي يبعد العثور عليه حوالى 18 شهراً"، حسب زيك إيمانيويل، الأستاذ في كلية الطب. وكل ما عدا هذه الحقيقة التي يعرفها جيداً المرجع الطبي الموثوق أنطوني فاوشي، رئيس مركز الأوبئة المُعدية، يبقى تفاصيل جانبية وحسابات سياسية.

المساهمون