حوار بغداد وواشنطن المرتقب: ما الذي يريده الطرفان؟

حوار بغداد وواشنطن المرتقب: ما الذي يريده الطرفان؟

12 ابريل 2020
سيناقش الحوار مسألة الوجود الأميركي بالعراق (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

من المقرر أن تنطلق في منتصف شهر يونيو/حزيران المقبل، حوارات هي الأولى من نوعها بين بغداد والولايات المتحدة، منذ انسحاب الأخيرة من العراق بشكل نهائي عام 2011، بحسب ما أعلن عنه مسؤولون عراقيون بارزون أخيراً. وأكّد هؤلاء أنّ هذه الحوارات التي وصفوها بـ"الشاملة"، جاءت بعرض أميركي، اعتبروه مشروعاً لوضع خريطة طريق للعلاقة بين البلدين، يتم التوصل على ضوئها إلى سياسة ثابتة ومحكومة باتفاقيات عدة، من بينها ما يتعلّق بالوجود العسكري الأميركي، والدعم المقدم للعراق أمنياً واقتصادياً، وضمانات الانتقال الديمقراطي للسلطة في العراق، مرجحين كذلك أن يكون ملف إيران على رأس ما ستتم مناقشته.

وخلال الأيام الماضية، تحدّث مسؤولون عراقيون وأميركيون عن اتفاق على إطلاق حوار شامل بين البلدين، من بينهم رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، الذي أكد عقب لقاء له مع السفير الأميركي في بغداد، ماثيو تولر، أنه تم الاتفاق على فتح حوار استراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، بما يحقق المصالح المتبادلة للبلدين. قبل أن يعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أيضاً، أنّ بلاده تخطط لبدء حوار استراتيجي مع العراق منتصف يونيو/حزيران المقبل، موضحاً في حديث للصحافيين من واشنطن أخيراً، أنّ الحوار سيناقش قضايا استراتيجية تهم البلدين، من بينها مستقبل وجود القوات الأميركية على الأراضي العراقية.

في السياق، قال مسؤول عراقي بارز في حكومة عبد المهدي الحالية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحوار المرتقب أميركي عراقي، لكنه قد ينسحب في حال فشله أو تعثّر التفاهم حول أبرز ملفاته، على دول أوروبية وعربية حليفة للولايات المتحدة، أبرزها بريطانيا غربياً، والسعودية عربياً". وأضاف أنّ "ملفات عدة ستكون على طاولة الحوار الشامل الذي ينطلق من بغداد منتصف يونيو المقبل"، موضحاً أنّ "الأميركيين يرغبون ببدء الحوار مع حكومة كاملة الصلاحيات، لذلك تمّ اختيار شهر يونيو المقبل، والإعلان عن الأمر مبكراً جاء لمنح العراقيين مجالاً لترتيب أوراقهم وطرح ما يريدون". وتابع المسؤول ذاته أنّ الحوار "قد ينتقل إلى واشنطن بعد ذلك في جولة ثانية، ومن المرجح أن ينتهي بتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بشأن ما يتم التوصل إليه".

ولفت المسؤول إلى أنّ لدى العراق ملفين مهمين هما الوجود العسكري الأميركي وموضوع الأموال المودعة بالبنك الفيدرالي الأميركي، إذ تأسس بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 عام 2003، حساب للعراق في البنك المذكور لإيداع الإيرادات النفطية العراقية فيه، والذي هدف إلى مساعدة الحكومة العراقية آنذاك على إدارة موارد البلاد بطريقة شفافة ومسؤولة لحساب الشعب، وما زال العمل مستمراً به إلى الآن.

وبحسب المسؤول الحكومي نفسه، فإنّ الأميركيين "يريدون من الحوار بالدرجة الأساس أن يضعوا خريطة طريق عامة يلزمون العراق بها في تعامله مع الولايات المتحدة، ومع دول الإقليم، وتحديداً إيران والفصائل المسلحة القريبة منها، فضلاً عن ملفات الوجود العسكري الأميركي، والدعم المقدّم للعراق أمنياً واقتصادياً، وضمانات الانتقال الديمقراطي للسلطة كل أربع سنوات، ومسألة الدولة المدنية، وحرية التعبير والرأي وقضايا أخرى". واعتبر أنّ "واشنطن ليست في وارد الانسحاب من العراق، على الأقلّ في الوقت الحالي"، مضيفاً أنّ "إعلان سياسيين وفصائل مسلحة على صلة بإيران، أنّ الحوار المرتقب هو لترتيب انسحاب الأميركيين من العراق، محاولة توظيف سياسية لصالحهم لا أكثر".

وقال إنّ "الوفد الأميركي سيترأسه وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، السفير ديفيد هيل، إضافة إلى مسؤولين كبار من وزارتي الدفاع والخزانة الأميركية، ووكالة الاستخبارات المركزية وجهات أخرى، بينما فهم العراق من الجانب الأميركي أنه يرغب بوفد مماثل، يعبر عن كل المكونات العراقية، فضلاً عن ممثلين من إقليم كردستان". ولفت إلى أنه "لغاية الآن لم يسمِ العراق وفده، وكل شيء بانتظار تشكيل الحكومة، وفي حال تعثر رئيس الوزراء المكلف الحالي، مصطفى الكاظمي، في تشكيل الحكومة، فلن يتم الحوار من أساسه".

من جهته، قال السياسي العراقي، انتفاض قنبر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الولايات المتحدة تخطّط لحوارات حقيقية وجدية مع حكومة عراقية كاملة الصلاحيات تكون بعدها الأمور واضحة بين الجانبين سياسياً وأمنياً على وجه التحديد". وأوضح أنّ "الحوار يعتبر مهماً جداً لبغداد، فواشنطن تريد من خلاله رسم سياسة جديدة لها في العراق والمنطقة وفق المتغيرات الحاصلة، خصوصاً بعد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، فهذه التطورات بحاجة إلى إعادة ترتيب الأوراق العسكرية والسياسية، وحتى الاقتصادية".

وحذّر قنبر من أنّ "المزاج العام في واشنطن في ما يتعلّق بالعراق، قد يكون أكثر تشدداً، في حال كانت الحكومة الجديدة شبيهة بحكومة عبد المهدي من حيث تمكين المليشيات وتقديم الحماية لها، ومنح النفوذ الإيراني دوراً أكبر، واعتماد سياسية سلبية اتجاه الولايات المتحدة"، معتبراً أنّ "التفريط بالأخيرة والانحياز لإيران، سيكون خطأ كبيراً ليس في صالح العراقيين".

في المقابل، قال النائب في البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح"، كريم عليوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الولايات المتحدة، وكما علمنا من تفاصيل الدعوة للحوار، أنها تريده من أجل ترتيب بقاء طويل لقواتها في العراق، ضمن تفاهم لا يخلو من الابتزاز، فهي تريد إحياء الاتفاقية الاستراتيجية التي انتهت بعد خرقها من قبل واشنطن نفسها، بسبب تصرفاتها التي انتهكت سيادة البلاد".

وأوضح عليوي أنّ واشنطن "أدركت وجود رفض سياسي وشعبي كبير لبقاء قواتها، وهناك إصرار على إخراج هذه القوات، حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة والخيار العسكري، لهذا لجأت لهذه الخطوة، وحالياً لا يوجد نية للقبول بأي حوار يفضي إلى إبقاء القوات الأميركية في العراق".

من جانبه، أكّد محافظ نينوى الأسبق، والقيادي في جبهة "الإنقاذ والتنمية"، أثيل النجيفي، أنّ "الحوار في هذا الوقت، يعني أنّ هناك تراجعاً عن التصعيد واللجوء إلى التفاهم مع الولايات المتحدة للوصول إلى بعض الحلول"، معتبراً أنّ "الأطراف المعنية لا تريد الدخول بمرحلة الصدام المسلح، الذي يبدو وشيكاً وعلى الأبواب".

وأضاف النجيفي في تصريحات لوسائل إعلام محلية عراقية أخيراً، أنّ "رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، كما هو معلوم للجميع، لا يمثل نفسه، بل يمثّل القوى السياسية التي جاءت به إلى السلطة، والتي تدعمه لغاية الآن، من تحالف الفتح وائتلاف دولة القانون، وغيرها من القوى المقربة من المحور الإيراني".

أما الخبير في الشأن السياسي العراقي، أحمد الحمداني، فاعتبر أن الحوار "أحد المخرجات السياسية لما بعد قاسم سليماني في العراق"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "المراقب للمشهد السياسي العراقي يجده تأثر كثيراً باختفاء سليماني عنه، بدءاً من الخلافات والأزمات المتكررة منذ مطلع العام الحالي، وانتهاءً بفوضى بيانات الفصائل المسلحة، وقد تكون واشنطن تخطط لاستغلال الوضع الحالي في إعادة ترتيب صفوفها". وتابع "لكن يجب الإشارة إلى أنّ الأميركيين سيستخدمون كل الأوراق للضغط على العراقيين، وقد يلوحون بالعقوبات أيضاً، وفرض عزلة على العراق بحال أصرّ المسؤولون العراقيون على مجاراة الرغبة الإيرانية في حوارهم مع الأميركيين".

ورأى الحمداني أنّ "الولايات المتحدة تستفيد أيضاً من الانقسام العراقي بشأن الوجود الأميركي، إذ إنّ رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، فضلاً عن قوى سياسية برلمانية أخرى، تتخوف من أن يكون الانسحاب الأميركي بداية خسائر سياسية متوالية للعراق، وأيضاً زيادة للنفوذ الإيراني والسيطرة على القرار في البلاد، وتغوّل الفصائل المسلحة التابعة لطهران على حساب الجيش العراقي".