كوبا ورئاسيات أميركا: جدل بين عقوبات ترامب وحنين ساندرز

كوبا ورئاسيات أميركا: جدل بين عقوبات ترامب وحنين ساندرز

01 مارس 2020
تعاقب إدارة ترامب السياحة الكوبية (سفين كروتزمان/Getty)
+ الخط -


لم يكن المشهد عادياً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في كوبا، خلال الاحتفالات بالعيد الوطني والذكرى الـ500 لولادة هافانا. في العاصمة الكوبية، ظلّ اسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأكثر ترداداً، خلال حفل إزاحة الستار بالمناسبة في بداية الشهر عن قبّة مبنى "الكابيتوليو"، البرلمان الكوبي، في شارع باسيو ديل برادو، والتي عمل على إعادة ترميمها وطلائها بالذهب مهندسون روس، بهبةٍ من موسكو. المناسبة التي حضرها رئيس الوزراء الروسي آنذاك ديمتري مدفيديف، كان سبقها بأشهر قليلة، تدشين تمثال الحرية داخل المبنى ذاته، بعد ترميمه أيضاً على يد خبراء روس، وبحضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى جانب راؤول كاسترو، السكرتير الأول للحزب الشيوعي الكوبي الحاكم. عمليتا ترميم لصرحٍ مستنسخ عن مبنى الكونغرس الأميركي، كان الأجدر بالجارة الشمالية، الولايات المتحدة، أن تتولاهما، بعدما خطا الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما خطوة متقدمةً للانفتاح والتصالح مع الجزيرة، وإزالة أحد أبرز رواسب الحرب الباردة. لكن دونالد ترامب، اختار العودة إلى المسار المعاكس، مشدداً العقوبات التي ظلّت مفروضة على كوبا لعقود، ومُلغياً ما أرخي منها في عهد سلفه، أخذاً بنصائح "الرؤوس الحامية" في إدارته، ولو بكلفة إعادة الجزيرة إلى الحضن الروسي.

ولأن الحديث عن كوبا يبقى موسمياً، فلا حرب ولا سلام يريده الأميركيون مع الجزيرة، بل مجرد استمرارٍ للعزلة، يأتي كلام المرشح الديمقراطي للرئاسيات بيرني ساندرز أخيراً عن إنجازات الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو، خدمةً مجانيةً لترامب في معركته الانتخابية لولاية ثانية. ليست هي المرة الأولى التي يبدي فيها ساندرز إعجاباً بشيوعيي كوبا، لكن الرئيس الأميركي سيلتقط على الأرجح إشارةً دسمة، لصرفها في خزّان ولاية فلوريدا الانتخابي، حيث 70 في المائة من السكان من أصول كوبية، أكثرهم معارضون لنظام الجزيرة منذ ثورتها في العام 1959. ويعد الكوبيون ثالث أكبر جالية في الولايات المتحدة تنتمي للأصول الإسبانية.

ولا تحمل العقوبات التي بدأ ترامب بفرضها على كوبا منذ بداية العام 2017، معلناً من ميامي تحديداً تمزيق الاتفاق الذي وقعته هافانا وواشنطن في 2014، فقط دوافع سياسية خارجية، وعلى رأسها تضييق الخناق على فنزويلا، وذلك بإشراف مباشر مستشاريه، وأولهم جون بولتون. فترامب يدرك تماماً أن مليون ونصف المليون كوبي -أميركي في فلوريدا، وأقل منهم بقليل في كاليفورنيا ونيويورك، سيشكلون رافداً مهماً لقاعدته الشعبية، على الرغم من أن فلوريدا تعد من الولايات المتأرجحة، وهي صوتت مرتين لأوباما. ويرى موقع "كاونتر بانش"، أن أبناء أولئك المهاجرين الكوبيين الذين غادروا كوبا إثر الثورة، لا ينظرون اليوم إلى مسألة العقوبات بعينٍ آبائهم، ويتساءلون عن الجدوى التي حققتها خلال ستة عقود، ولو أن غالبيتهم تميل للتصويت للحزب الجمهوري. فعندما أرخى أوباما مثلاً بعض القيود المفروضة على كوبا في العام 2012، قبل المصالحة مع هافانا، ازدادت نسبة التأييد له في فلوريدا 10 نقاط.


ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، اتخذ ترامب سلسلةً من الإجراءات المتصاعدة ضد الجزيرة، لعل أهمها السماح برفع دعاوى في المحاكم الأميركية للمرة الأولى ضد الشركات الأجنبية التي تستخدم ممتلكات مصادرة من الحزب الشيوعي الكوبي، عن طريق رفع التعليق في إبريل/نيسان الماضي عن البند الثالث في قانون هلمز-بورتون، المعلّق منذ بداية فرض الحظر على كوبا، واستمر كذلك خلال جميع العهود الرئاسية الأميركية. رفع التعليق هذا، لم يغضب فقط الأميركيين المهتمين بالتجارة مع كوبا، بل كندا ودول الاتحاد الأوروبي، الذين هددوا بالاحتكام إلى منظمة التجارة العالمية، فيما اعتبرته الجزيرة الشيوعية محاولةً لخنقها.

ولم تقتصر إجراءات ترامب للنيل من اتفاق سلفه على "هلمز-بورتون". في سبتمبر/أيلول 2017، قلّصت الإدارة الأميركية عدد العاملين في سفارتها في هافانا إلى أكثر من النصف، مبررة ذلك بتعرض دبلوماسييها لـ"هجمات صوتية غامضة"، وأدى النقص إلى تعطل خدمات التأشيرات، مع تحذير واشنطن الأميركيين من السفر إلى كوبا، فيما تعمل السفارة في هافانا حتى اليوم بفريقٍ متواضع. كما قلّصت واشنطن نسبة الأموال المسموح للمجتمع الكوبي الأميركي بإرسالها إلى بلده الأم. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فرضت إدارة ترامب حظراً على السفر التجاري إلى كوبا باستثناء هافانا، وقبلها في يونيو/حزيران منعت جميع السفن السياحية، واليخوت الخاصة، ومراكب الصيد من الرسو في مرافئ الجزيرة. ووصل الأمر بترامب إلى حدّ إلغائه اتفاقاً يسمح للاعبي البيسبول الكوبيين الاحتراف في بلاده، ضمن إجراءات تصب جميعها في إطار ما وصفه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بـ"حرمان كوبا من أكبر قدر ممكن من العائدات".

من جهتها، تراقب هافانا اليوم عن كثب المعركة الرئاسية في الدولة الجارة، مع تعهد معظم المرشحين الديمقراطيين بدعم سياسة الانخراط معها، ورفع العقوبات المفروضة على الجزيرة الشيوعية منذ العام 1962، علماً أن معظم المرشحين الجمهوريين منذ الثورة الكوبية تمسكوا بالوقوف إلى جانب المجتمع الكوبي الأميركي المحافظ، الذي يطالب هافانا بإجراء انتخابات حرّة، وإعادة الممتلكات المصادرة. وتقف المسألة الداخلية الانتخابية، مع زيادة الضغط لفكّ دعم كوبا لحكومة نيكولاس مادورو في كاراكاس، وتفكيك "محور الاستبداد" مع نيكاراغوا كما يصفه بولتون، وراء تشديد ترامب "العقاب الاقتصادي"، في وقت لا يزال النفط الفنزويلي يتدفق إلى الجزيرة، رغم العقوبات المفروضة على شركات نفطية عدة. ويؤكد الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، أن بلاده مستعدة جيداً لأربع سنوات إضافية من عهد ترامب، ولو أن الكوبيين يعانون للحصول على المواد الأساسية. أما الإدارة الأميركية، فلم تقدم على أي خطوة للتقرب من دياز كانيل، وهي ترى فيه رئيساً "مشلولاً"، في ظلّ استمرار سيطرة كاسترو على الحزب. لكن الرئيس الكوبي يؤكد على مواجهة الحصار، متكئاً على إمكانية إعادة جدولة ديون بلاده المتفاقمة، ومواصلة التواصل مع "نادي باريس للدائنين". أما ما يمكن أن يذهب إليه ترامب بعد، فهو قطع العلاقات الدبلوماسية مع كوبا، وإعادة العمل بسياسة "القدم المبللة، القدم الجافة"، التي أنهاها أوباما، والتي كانت تسمح للكوبيين الواصلين إلى الأراضي الأميركية من دون تأشيرة بالحصول على الإقامة الدائمة، وهي سياسة لطالما أغضبت هافانا.

ويقول جايمس ويليامز، رئيس تحالف "انخراط كوبا"، ومقره في بنسلفانيا، والذي يضم مجموعة من شركات الأعمال والمنظمات التي تضغط لإنهاء الحصار على كوبا، إنه "في الوقت الذي يخسر فيه الشعب الكوبي وقطاع الأعمال الأميركي، تبدو سياسة العزل بمثابة هدية للكرملين، الساعي إلى استعادة مجال لنفوذه في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة". بدورها، ترى النائبة المساعدة في وزارة الخارجية الأميركية في عهد أوباما، ريبيكا بيل تشافيز، في حديث صحافي، إن "العقوبات الجديدة قد تنعكس سلباً على الولايات المتحدة، فترامب وفريقه المتحرك أيديولوجياً، يدفعان كوبا إلى أحضان روسيا والصين، فيما تفاقم هذه السياسة الأزمة الإنسانية مع خلق ظروف مؤاتية لحركة هجرة ضخمة من الجزيرة، على بعد 90 ميلاً فقط من فلوريدا".

هكذا، قد لا يحمل هذا العام، على الأرجح، جديداً لكوبا. سيواصل 11 مليون كوبي شيوعيتهم الصامدة، والنظر عبر الكاريبي إلى موطن الرأسمالية المتوحشة. في الأثناء، سيترقب المعنيون تصويت فلوريدا، وتصويت الأمم المتحدة السنوي الداعي لرفع الحظر عن كوبا، والذي تتحضر الولايات المتحدة وإسرائيل للمرة الـ30 للاعتراض عليه.