الجزائر... الفقر يصافح صانعه

الجزائر... الفقر يصافح صانعه

19 فبراير 2020
تفشى الفقر بشكل كبير في الجزائر (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -


يحدث أن يلتقي الفقر بصانعه في قصر المؤتمرات في العاصمة الجزائرية، فعلى شاشة كبيرة شاهد الرئيس عبد المجيد تبون والوزراء في الحكومة ومحافظو الولايات ورؤساء المقاطعات خلال مؤتمر ضمهم جميعاً، تقريراً مؤلماً يصوّر مناطق الفقر ومشاهد بؤس لا تحتمل في الجزائر النفطية، فوصفها تبون بأنها لجزائريين يعيشون في "ظروف تشبه ما قبل الاستقلال (عن فرنسا عام 1962)".

الفكرة من هذا العرض هي وضع صنّاع الفقر من المسؤولين الحكوميين أمام ما فعلوه، وملامسة نتائج سوء التدبير وإخفاق السياسات المتلاحقة، وهو إقرار صارخ من الدولة بوجود "جزائريين لم يحصلوا بعد على الاستقلال ولم يمسسهم من نعمته شيء، وُلدوا في جغرافيا النسيان وظلوا في طيه". لكن ثمة سؤالاً مطروحاً: هل فعلاً كان هؤلاء المسؤولون بحاجة إلى تقرير تلفزيوني حول الفقر ومظاهره القبيحة كي يصابوا بالدهشة، وهم من صنّاع هذا الفقر بسبب سوء تسييرهم للشأن العام؟

لم يفهم الجزائريون بكاء رئيس الحكومة وتأثر وزراء وولاة بما تضمنه التقرير، رغم أن القنوات المحلية، ناهيك عن الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، تنقل يومياً صوراً ومشاهد فقر وبؤس وحرمان وأطفال يقطعون مسافات للوصول إلى المدرسة، وعائلات ما زالت تجلب الماء على الدواب من بعيد. ليس ثمة سوى تفسير واحد هو أن هؤلاء المسؤولين الحكوميين (جميعهم يعملون منذ عقود في الدولة) لم يعتادوا فتح أعينهم على هذا الواقع القبيح بل يطربهم المديح وقصائد التملق.

في الحقيقة إن هذه المشاهد، وبغضّ النظر عن كونها مسيئة لصورة الجزائر كدولة متمتعة بكل المقدرات التي تسمح بعيش الجزائريين حياة كريمة، خصوصاً أنها أنفقت 980 مليار دولار في عقدين، إلا أنها نتيجة منطقية لواقع وجود الشعب في واد والحكومة في واد.

ثمة سؤال آخر: صنّاع الفقر في الجزائر من المسؤولين الحكوميين كحكام الولايات والمقاطعات الحاضرين في القاعة والمستمرين في مناصبهم، هل يمكن أن يكونوا أيضاً صنّاع حلول للفقر والمشكلات الاجتماعية، أم أن المشكلة ليست في الموظفين بقدر ما هي متعلقة بسياسة الدولة التي لا تضمن توزيعاً عادلاً للثروات والعدالة الاجتماعية، واستمرار هيمنة سياسات إعادة تدوير المشاكل وتجزئة الحلول على جرعات منذ الاستقلال.

سمع الجزائريون من تبون، وهو في بداية ولايته الرئاسية، خطاباً حاداً بشأن ضرورة تغيير هذه المشاهد البائسة في المدن والبلدات، وتشديداً على المسؤولين ومهلة سنة لإنهاء ذلك. الحكم على النوايا ليس عدلاً، لكن إلى أن يصدق ما يثبت ذلك، يحق التحفظ لأن ذاكرة الجزائريين تحتفظ أيضاً لبوتفليقة في بداية عهدته حديثه عن "العزة والكرامة" وإخراج الجزائريين من حالة الفقر، ناهيك عن أن التغيير لا يصنعه إلا أهل التغيير الحاملين لأفق سياسي متجدد ومسار تنمية جديد، ولأجل ذلك كان حراك فبراير/ شباط 2019.