حكومة حمدوك وتحالف الحرية والتغيير... هل بدأت القطيعة؟

حكومة حمدوك وتحالف الحرية والتغيير... هل بدأت القطيعة؟

28 يناير 2020
خطوة تُعطي مؤشراً بوجود خلاف بين الحكومة والتحالف (Getty)
+ الخط -
فاجأ تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير الحاكم، حكومة رئيس الوزراء، عبدالله حمدوك، بإعلانه تنظيم مواكب مليونية في كل أنحاء السودان، يوم الخميس المقبل، للمطالبة باستكمال هياكل السلطة الانتقالية، في خطوة تُعطي مؤشراً قوياً إلى وجود خلاف بين الحكومة والتحالف.

السبب الرئيس في ذلك هو أن العلاقة بين التحالف والحكومة أُسس لها لتكون علاقة تكاملية، بحكم أن تحالف الحرية والتغيير، الذي قاد الحراك الثوري والذي نجح في إطاحة نظام البشير، هو نفسه من رشح عبد الله حمدوك لرئاسة الحكومة.


وقد استبق تجمع المهنيين السودانيين، تحالف الحرية والتغيير، في توجيه انتقادات حادة لحكومة حمدوك، لدرجة اتهامهما بخرق الوثيقة الدستورية بعد تعيين حمدوك ثلاثة وزراء دولة، واستند التجمع إلى اعتراضه على حجة أن الوثيقة نصت صراحة على تعيين 20 وزيراً فقط، ولم يرد فيها أي نص بتعيين وزراء دولة.

كذلك سبق أن كان للحرية والتغيير رأي حول أداء عدد من وزراء الحكومة، وبلورت آراءها لمواقف عدة، خاصة بشأن وزير الزراعة، إذ تقدم التحالف بطلب واضح لإعفاء الوزير من المنصب، بعد فشله في إدارة عمليات الموسم الزراعي في البلاد، حسب ما يرى التحالف.

كذلك، اتهم تجمع المهنيين، وهو أحد مكونات الحرية والتغيير، الحكومة ومؤسسات الدولة، بصورة عامة، بالقصور في التعامل مع الاختلالات الأمنية التي حدثت في مدينتي بورتسودان (شرقاً) والجنينة (غرباً).
غير أن تحالف الحرية والتغيير ذهب، خلال دعوته تلك، أبعد من عملية النقد الشفاهي، وقفز إلى خطوات عملية بتسيير مواكب تبدأ من يوم الخميس، وقد تستمر طوال الشهر المقبل، وهي خطوات تشبه المواكب التي كان ينظمها ضد نظام البشير.

وحدد التحالف، في بيان له أمس الاثنين، هدف تلك المواكب في الضغط على الحكومة، بالإسراع في حسم قضية الولايات، عبر تعيين ولاة مدنيين يرسمون في ولاياتهم لوحة المدنية التي يسعى إليها الشعب.

ومنذ 11 إبريل/ نيسان الماضي، تاريخ سقوط نظام البشير، يتولّى حكام عسكريون مهمة تصريف الأعمال في الولايات، وسط انتقادات واسعة من الشارع الثوري لاستمرارهم. ويرى التحالف أن تعيين الولاة المدنيين بواسطة مجلس الوزراء سيؤدي إلى إجراء تغيير حقيقي في الولايات المختلفة والحكم المحلي، وذكر أن الإجراء ضروري ومن صميم أهداف الثورة، وأساس تفكيك التمكين للنظام السابق.

كما أشار بيان تحالف الحرية والتغيير إلى أن مواكب الخميس ستطالب كذلك بتشكيل مجلس تشريعي انتقالي يقوم بمهام الرقابة والتشريع خلال الفترة الانتقالية، حسب ما نصت عليه الوثيقة الدستورية، وهو الإجراء المفترض أن يتم بعد 90 يوماً فقط من تاريخ التوقيع على الوثيقة في 17 أغسطس/ آب الماضي.

وجاء تأخير تعيين الولاة والمجلس التشريعي والمفوضيات المستقلة بناء على اتفاق مع حركات الكفاح المسلح خلال مفاوضاتها مع الحكومة في مدينة جوبا بجنوب السودان، إذ شددت الحركات المسلحة على تأخير الخطوة لحين التوصل إلى اتفاق سلام، ما يتيح لها المشاركة بممثلين في تلك المناصب، لا سيما أنها لم تكن راضية عن تشكيل مجلس السيادة ومجلس الوزراء، وذكرت أنه تم إبعادها عن مشاورات التشكيل.


لكن تجمع المهنيين وتحالف الحرية والتغيير يقدّران أن التأخير يبطئ عمليات التغيير الثوري، ويتيح الفرصة للنظام السابق لمواصلة قبضه على مفاصل السلطة في الولايات تحديداً، حيث يمكن أن يحيك "مؤامرات" ضد الثورة، ويطالب بالتنسيق مع الحركات المسلحة في هذا الشأن.

وبغض النظر عن أي منطق صحيح بين الحكومة والحرية والتغيير، يبدو أن ثمة سؤالاً أهم، أليست هناك آليات للتنسيق بين الحكومة وحاضنتها السياسية وتواصل مستمر بين الأطراف مثلما كان يحدث في الفترات الأولى من الفترة الانتقالية؛ أيام تعيين الوزراء، أو أثناء إجازة الموازنة العامة؟ وهل ما يدور هذه الأيام هو بداية نهاية شهر العسل بين الحكومة والتحالف؟

ويعلّق رئيس تحرير صحيفة "آخر لحظة"، أسامة عبد الماجد، على ذلك بالقول إن "ما يحدث في المشهد السياسي يكتنفه كثير من الغموض، إذ لا يُعقل لتحالف الحرية والتغيير، الرافعة السياسية للحكومة، أن يسعى إلى ليّ ذراعها عبر المواكب والتظاهرات"، مشيراً في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "الدعوة للمواكب تظهر وجود تقاطعات حتى داخل قوى الحرية والتغيير".

وأضاف أن التداعيات الحالية أوضحت أن تجمع المهنيين السودانيين لديه رأي صريح حول التقارب بين حكومة حمدوك والمكون العسكري في مجلس السيادة، إذ ظل التجمع يطالب بإبعاد الولاة العسكريين، ولم يقابل ذلك بحماسة من رئيس الوزراء.
ورأى أن "دعوات الخروج لن تجد استجابة كالتي كانت تحدث في السابق، بحجة أن عبد الله حمدوك بنى في الفترة الأخيرة شعبية كبيرة تقارب الشعبية التي يحظى بها تحالف الحرية والتغيير"، معتقداً أن "مخرج العلاقة بين الحكومة وتحالف الحرية والتغيير هو إنشاء جسم تنسيقي مشترك يرسم السياسات العامة للحكومة ويراقب أداء الوزراء في المرحلة المقبلة".

في المقابل، يستبعد المحلل السياسي، الفاضل الجميل، أن تصل العلاقة بين الحرية والتغيير وحكومة عبد الله حمدوك إلى مرحلة القطيعة وإنهاء شهر العسل بينهما، مشيراً، لـ"العربي الجديد"، إلى أن تحركات تحالف الحرية والتغيير تأتي في سياق استخدام ورقتها الرابحة فقط متمثلة في ورقة الشارع حتى لا تنفلت الحكومة من عقالها.

ورأى أن "رئيس الوزراء خطا خطوات في الآونة الأخيرة في طريق بناء شخصية مستقلة عن الحرية والتغيير، مثل زيارته لكاودا، أكبر معاقل الحركات المسلحة، وقد زارها بعيداً عن أعين التحالف، وتعيين وزراء دولة دون استشارة التحالف السياسي الذي جاء به لسدة الحكم"، مبيناً أن "حمدوك وجد كذلك قبولاً من حركات الكفاح المسلح، مع رفضها في المقابل لمكونات تحالف الحرية والتغيير"، وتوقع أن يصل الطرفان في النهاية إلى حالة توافقية تنهي هذا التضارب.

المساهمون