العراق: استنفار يسبق تظاهرات حلفاء إيران

العراق: استنفار يسبق تظاهرات حلفاء إيران

24 يناير 2020
يتوقع أن تكون التظاهرات ضخمة اليوم (حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -

دخلت قوات الأمن العراقية حالة استنفار تام في العاصمة بغداد التي تشهد، اليوم الجمعة، تظاهرتين في جانب الرصافة من العاصمة، الأولى بدأ العراقيون يحشدون لها منذ أمس الأول الأربعاء في مليونية جديدة ككل أسبوع منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتظاهرة الثانية دعت إليها أحزاب وقوى سياسية ومليشيات مصنّفة بأنها مرتبطة أو قريبة من إيران، للمطالبة بخروج القوات الأميركية من العراق، في أول حراك فعلي لها بهذا الملف منذ تصويت البرلمان العراقي على قرار يلزم الحكومة بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، في غياب النواب الأكراد والعرب السنّة ونواب الأقليات الدينية أيضاً، مطلع الشهر الحالي.

وأفادت مصادر لـ"العربي الجديد"، بأن الخلافات نشبت بين مساعدي زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وعدد من زعماء المليشيات والقوى السياسية الداعمة للتظاهرات المناهضة للوجود الأميركي، بسبب رفض الصدر إقامتها في ساحة التحرير (معقل الانتفاضة العراقية)، وإصراره على إبعادها عن المتظاهرين العراقيين وإجرائها في مكان آخر بعيد عنهم. وبحسب المصادر ذاتها، فإنه تمّ تحديد مكانين للتظاهرة الخاصة بأنصار المليشيات والأحزاب، هما بوابة جامعة بغداد بالجادرية باتجاه جسر الطابقين، وعند الجسر المعلق بمنطقة الكرادة حيث المدخل الرئيسي للمنطقة الخضراء الذي تقع فيه السفارة الأميركية، وغرفة عمليات التحالف الدولي بقيادة واشنطن ضد تنظيم "داعش" الإرهابي.

ويحشد المتظاهرون العراقيون، في جمعتهم الـ17، في بغداد وجنوب ووسط العراق في محافظات البصرة، أقصى جنوب العراق والمطلة على مياه الخليج العربي، وضمن مدن سفوان وشط العرب والعشار وأم قصر والزبير والفاو والمديّنة، وبساحات البحرية وذات الصواري وبشارع المحافظة، وفي ميسان وعاصمتها العمارة، والقادسية بمدن الديوانية وضواحيها، فضلاً عن المثنى وواسط وكربلاء والنجف والكوفة وذي قار بمدنها الست الساخنة، وأبرزها الناصرية وسوق الشيوخ والغراف وفي بابل بالحلة والهاشمية عدا عن مناطق وبلدات أخرى مثل الكحلاء والمجر والمشخاب وبدرة والصويرة والكوت والنعمانية، ومناطق أخرى جنوبي البلاد. كما تشهد بغداد بجانب الرصافة وضمن مناطق السنك والجمهورية وساحتي التحرير والطيران المتجاورتين والخلاني القريبة منها وفي محيط مبنى المطعم التركي على نهر دجلة، تظاهرات جديدة. لا يخشى المتظاهرون شيئاً، رغم كشف حصيلة غير رسمية سقوط أكثر من 600 قتيل ونحو 25 ألف جريح منذ تفجّر الاحتجاجات مطلع أكتوبر الماضي، سقط أغلبهم بنيران قوات الأمن العراقية، فضلاً عن اعتقال أكثر من 3 آلاف متظاهر جرى إطلاق سراح معظمهم بينما ما زال مصير أكثر من 30 ناشطاً تم اختطافهم مجهولاً حتى الآن.

ويحضّر المتظاهرون شعارات جديدة بنفس مطالبهم التي رفعوها في المرة الأولى، ومنها "دولة مدنية لا طائفية"، و"خذوا ما حصلتم عليه وارحلوا دعونا نعيش"، و"لا تجبرونا نعبر للخضراء (المنطقة الخضراء)" و"الكاع (الأرض) تسولف عراقي" وهو شعار قديم يعني أن الهوية عراقية ولا مكان لأي هويات جانبية أخرى. ومن مطالب العراقيين المتظاهرين على سبيل التذكير: تشكيل حكومة مؤقتة لعام واحد والذهاب لانتخابات مبكرة بقانون الانتخابات الذي أقرّ حديثاً، فضلاً عن تعديل الدستور المكتوب عام 2005 عقب الاحتلال الأميركي للعراق، وتشكيل محكمة لمقاضاة المتورطين في جرائم الفساد، فضلاً عن تجريم الخطاب الطائفي وحصر السلاح بيد الدولة، ووقف التدخلات الأميركية والإيرانية في الشأن العراقي على حد سواء. بالإضافة إلى مطالب خدمية متعلقة بالارتفاع المخيف في معدلات الفقر والبطالة، في بلد تبلغ موازنته السنوية بين 100 إلى 110 مليارات دولار سنوياً، ويتربّع في صدارة الدول المنتجة للنفط.



في المقابل، تنحصر تحضيرات التظاهرات الثانية التابعة للأحزاب والفصائل المسلحة بعمليات نقل أنصارهم من محافظات عدة إلى بغداد، بواسطة حافلات تابعة لوزارة النقل وأخرى لـ"هيئة الحشد الشعبي"، مع طباعة بوسترات ويافطات مختلفة تحمل بعضها صوراً لزعيم "فيلق القدس"، في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، والقائد في مليشيات "الحشد"، أبو مهدي المهندس، فضلاً عن أعلام أميركية وأخرى للاحتلال الإسرائيلي، من المقرر أن يتم حرقها خلال التظاهرات. ويقول مقرب من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن فصائل مسلحة مختلفة طلبت من زعيم التيار الصدري، أن تكون التظاهرة في ساحة التحرير، لكنه رفض ذلك، خوفاً على المعتصمين هناك، فبعض الفصائل كانت تريد الاحتكاك مع المعتصمين من أجل حدوث فوضى والسيطرة على الخيم، بعنوان التيار الصدري.

وكشف أن "تلك الفصائل طالبت أيضاً أن تكون التظاهرة فقط ضد الوجود الأميركي، بعيداً عن الشعارات والمطالبات بوقف انتهاك السيادة من قبل جميع الدول، ومنع أي تدخل خارجي بأي عنوان كان. وكذلك أرادوا الاستعراض بالزي العسكري ورفع صور لقاسم سليماني وكذلك المهندس وأعلام الفصائل، وكل هذه الأمور رفضها الصدر، وهذا سبب خلاف بينهم".

وأضاف أنه "بعد الخلاف، فإن بعض الفصائل المسلحة وجهت أنصارها بعدم المشاركة في التظاهرة المليونية، التي دعا إليها الصدر من أجل إضعافها، وبيان عدم قدرة الصدر على الخروج بتظاهرات حاشدة، وهو ما تطلب استنفار الصدريين لإثبات عكس ذلك في تظاهرة اليوم". ونوّه إلى أن "التيار الصدري شكّل لجانا تنسيقية لترتيب التظاهرة، كما تم التنسيق مع القوات الأمنية العراقية، لتأمين التظاهرة وقطع الطرق المؤدية إلى مكان التظاهرة، فالتظاهرة ستنطلق من قرب جامعة بغداد في منطقة الجادرية تجاه ساحة الحرية قرب جسر الطابقين، حيث مدخل المنطقة الخضراء، المؤدي إلى السفارة الأميركية". وختم قائلاً "هناك لجان أمنية خاصة من التيار الصدري سيكون عملها تأمين التظاهرات بالتعاون مع القوات الأمنية، كما سيتم منع أي محاولة للعبور نحو المنطقة الخضراء، أو أي أعمال فوضى، قد يحاول البعض التصرف بها من أجل تشويه صورة التظاهرة".
إلى ذلك، قال ضابط في قيادة عمليات بغداد لـ"العربي الجديد"، إن "جانب الرصافة في بغداد سيكون شبه معزول عن جانب الكرخ، لوجود المعتصمين في ساحة التحرير والمناطق المجاورة لها، فضلاً عن قطع الطرق وتظاهرة التيار الصدري". والأمر سينطبق أيضاً في جانب الرصافة، أي قرب جسر الجادرية، الذي يعتبر المعبر الأهم بعد قطع جسور الجمهورية والسنك والأحرار، بسبب التظاهرات.

وكشف الضابط، أن "قطع الطرق المؤدية إلى تظاهرة التيار الصدري مهم جداً لمنع أي خروقات قد تحصل، ولهذا فإن الرصافة ستكون معزولة عن الكرخ، وبعض مناطق الرصافة المفتوحة سوف تشهد اختناقات مرورية بسبب الطرق المقطوعة". أما القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي فقال، في اتصال لـ"العربي الجديد"، إن "تظاهرة اليوم، المليونية، ليست مخصصة للتيار الصدري أو الفصائل المسلحة، بل هي تظاهرة لكل العراقيين، وسوف يشارك فيها العراقيون من مختلف التوجهات السياسية والدينية والمذهبية".

ونوّه الزاملي إلى أن "التظاهرة سيكون لها هدفان، التنديد بالوجود الأجنبي في العراق ورفض أي تدخل خارجي، وتقديم الدعم والإسناد إلى ثورة تشرين، والمطالبة بتنفيذ كافة مطالب ثوار تشرين بأسرع وقت، ومحاسبة قتلة المتظاهرين ومحاكمة الفاسدين". وأضاف أن "بعض الجهات حاولت خلط الأوراق بأن التظاهرة هي لإنهاء التظاهرة في التحرير، وهذه كلها محاولات لإسقاط التيار الصدري. التظاهرة ستكون داعمة وبقوة لتظاهرات ساحة التحرير وجميع ساحات الاحتجاج في كافة المدن العراقية الأخرى". واعتبر أنه من "غير المستبعد بعد انتهاء التظاهرة المليونية توجّه أعداد كبيرة من المتظاهرين إلى ساحة التحرير، من أجل دعم وإسناد المعتصمين هناك، وربما يعتصم بعض المتظاهرين مع ثوار تشرين، فالتيار الصدري وأنصاره يدعمون الثورة منذ انطلاقتها، وسيبقى على موقفه نفسه، مهما حاولت بعض الجهات منعه من ذلك".



دلالات

المساهمون