بخلاف أميركا... أوروبا تتمسك بالاتفاق النووي وتؤجل آلية العقوبات

بخلاف أميركا... أوروبا تتمسك بالاتفاق النووي مع إيران وتؤجل آلية العقوبات

10 يناير 2020
لايتشاك ووزيرا خارجية مالطا ولوكسمبورغ (درسون أيديمير/ الأناضول)
+ الخط -
امتنع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الجمعة، عن أي رد عاجل على قرار إيران تكثيف نشاط تخصيب اليورانيوم في برنامجها النووي، وكرروا بدلاً من ذلك مطالبة طهران باحترام القيود التي يفرضها الاتفاق النووي الذي وقعته في 2015 مع ست دول كبرى.

وخشية اندلاع صراع مفتوح بين إيران والولايات المتحدة، عقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اجتماعاً طارئاً نادراً انضم إليه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، للدعوة إلى الهدوء، بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في ضربة جوية بطائرة مسيرة أميركية في الثالث من يناير/ كانون الثاني، وردّ إيران الانتقامي بإطلاق صواريخ يوم الأربعاء.

لكن بخلاف الولايات المتحدة التي فرضت، اليوم الجمعة، عقوبات اقتصادية جديدة على إيران، أفسح الأوروبيون مزيداً من الوقت أمام طهران لتجنّب انتشار نووي على أعتباهم، بدلاً من بدء عملية يمكن أن تفضي إلى إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران.

وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوسيب بوريل، للصحافيين عقب الاجتماع: "لا يمكن للمنطقة أن تتحمل حرباً أخرى، ونحن ندعو إلى خفض عاجل للتصعيد والحد الأقصى من ضبط النفس"، بحسب "رويترز".

وقال بوريل إن وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وعددها 28 دولة، اتفقوا على تكثيف دبلوماسيتهم لنزع فتيل التوتر. ولم يخض في تفاصيل محددة باستثناء تكرار الالتزام بالحفاظ على الاتفاق النووي وتعزيز الدعم لإيران.

وأضاف: "ندعو إيران إلى الرجوع إلى الالتزام الكامل (ببنود الاتفاق النووي)، ونعتمد على الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مواصلة مراقبة الأنشطة النووية الإيرانية والتحقق منها"، في إشارة إلى الوكالة التابعة للأمم المتحدة.

وفي وقت سابق، قال وزير خارجية سلوفاكيا، الجمعة، إنّ الاتفاق النووي "لا يزال قائماً"، وإن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيركّزون على إيجاد سبل لإعادة طهران إلى الاتفاق، بعد قرارها التخلي عن قيود تخصيب اليورانيوم.

وقال ميروسلاف لايتشاك، للصحافيين، لدى وصوله إلى اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل: "الخطوات التي أعلنوها يمكن التراجع عنها، ولا تزال عمليات التحقق من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية مستمرة، لكننا لسنا سعداء بالخطوة الخامسة التي أعلنت".

وأضاف "هذه ليست نهاية اللعبة. نأمل أن نتمكن من مساعدة إيران على العودة إلى اللعبة".


تردد بشأن آلية تتيح عودة العقوبات


وقال دبلوماسيون، بحسب "رويترز"، إنّ ألمانيا وبريطانيا وفرنسا اتفقت على البدء في آلية فض المنازعات بمقتضى اتفاق عام 2015 يمكن أن تفضي إلى تجديد عقوبات الأمم المتحدة على إيران، لكن الدول الثلاث ترددت بشأن التوقيت، خشية أن ترد إيران بشكل سيئ.

وقال دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي: "نحن نخطط لفعل ذلك، لكنه سيعتبر الآن إجراء تصعيدياً. ما زلنا نحتاج إلى تركيز الانتباه، لكن من المحتمل أن يأتي قريباً".

وعلى الرغم من خطواتها، قالت إيران إن بإمكان الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تواصل عمليات التفتيش في مواقعها النووية، تاركة مجالاً كبيراً للمناورة الدبلوماسية.

وحدة الاتحاد الأوروبي

ويؤكد الدبلوماسيون أن الاجتماع أظهر وحدة الاتحاد الأوروبي، بشأن دعم الاتفاق النووي الإيراني على الرغم من دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هذا الأسبوع، لأوروبا إلى الانسحاب منه. 

لكن نتيجة الاجتماع بدت متناقضة، مع التعليقات العلنية لوزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إذ حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، قبل الاجتماع، من أن إيران قد تمتلك سلاحاً نووياً، خلال عام أو عامين، إذا جعلت إيران نفسها في حل تماماً من قيود اتفاق الاحتواء النووي الذي توصلت إليه مع القوى العالمية عام 2015.

وتزامناً مع زحمة التطورات الساخنة بعد اغتيال قائد "فيلق القدس"، أعلنت الحكومة الإيرانية، الأحد، المرحلة الخامسة و"النهائية" من تقليص تعهداتها النووية. وجاء الإعلان عشية انتهاء مهلة الـ60 يوماً الرابعة، التي كانت طهران قد منحتها سابقاً للأطراف الأوروبية للوفاء بتعهداتها الاقتصادية، لدعم موقفها في مواجهة العقوبات الأميركية.

وأكدت الحكومة الإيرانية، في بيانٍ، أنها، خلال هذه المرحلة، ستوقف الالتزام بالقيد الوارد في الاتفاق النووي حول عدد أجهزة الطرد المركزي الـ5060، المسموح باستخدامها وفق الاتفاق. وكانت طهران تستخدم قبل التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015 نحو 19 ألف جهاز للطرد المركزي.

بالإضافة إلى ذلك، شدّدت الحكومة الإيرانية على أنه، بهذه الخطوة، تكون قد كسرت كافة القيود التي فرضت على برنامجها النووي "في المجال العملياتي"، أي في مجالات كمية تخصيب اليورانيوم ومستوى التخصيب وإنتاج اليورانيوم المخصب والتطوير والبحث النووي. 

وأشارت إلى أنّ البرنامج النووي الإيراني سيتقدّم "وفقاً لاحتياجات البلاد الفنية"، ما يعني أن الاتفاق النووي الذي فرض قيوداً صارمة على هذا البرنامج لم يعد له دورٌ في رسم ملامحه ومستقبله.

ورغم ذلك، تشدّد إيران على أنها يمكن أن تعدل عن الخطوات التي اتخذتها وتعود إلى الاتفاق إذا عادت واشنطن إليه ورفعت العقوبات. لكن واشنطن فرضت مزيداً من العقوبات على طهران، اليوم الجمعة. 


وأمس الخميس، دافع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال عن الاتفاق النووي المبرم مع إيران، بعدما دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوروبا إلى الانسحاب منه، إلا أنه حذّر إيران من القيام بأعمال يمكن أن تؤدي إلى انهيار الاتفاق.

وخلال محادثة هاتفية مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، دعا ميشال إلى خفض تصعيد التوتر، بعدما شنت طهران هجمات صاروخية على قواعد عسكرية أميركية في العراق.

وتسعى الأطراف الأوروبية في الاتفاق، وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إلى إنقاذ الاتفاق الذي بدأ في الانهيار بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في مايو/ أيار 2018، وإعادة فرضها العقوبات على طهران.

وقال ميشال إن الاتفاق "كان إنجازاً مهماً بعد عشر سنوات من المفاوضات الدولية المكثفة، ولا يزال أداة مهمة للاستقرار الإقليمي"، بحسب نصّ لمكالمته أصدره مكتبه. وأكد أن "الاتحاد الأوروبي له مصالحه ورؤيته"، إلا أنه قال لروحاني إن على إيران "تجنّب القيام بأعمال لا يمكن العودة عنها".

وتؤكد المرحلة الخامسة، كونها المرحلة الأخيرة، والتي تنهي بها إيران جميع القيود "العملياتية" على برنامجها النووي بالاتفاق النووي، على أنه لم يعد هناك "تعهدٌ نووي" توقفه طهران لاحقاً، إلا "الرقابة الصارمة" للوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما أن مضمون البيان الصادر عن الحكومة الإيرانية يؤكد أنها تكون قد سحبت جهاز التنفس الصناعي عن الاتفاق النووي، الذي أدخله الانسحاب الأميركي منه إلى غرفة العناية المركزة منذ الثامن من مايو/ أيار 2018، ويعني هذا الأمر من جهة انسحاباً غير معلن من الاتفاق النووي، ومن جهة ثانية العودة إلى مرحلة ما قبل التوقيع على الاتفاق عام 2015. 

المساهمون