الانسداد السياسي في الجزائر: تخمة مبادرات بلا حلّ

الانسداد السياسي في الجزائر: تخمة مبادرات بلا حلّ

الجزائر
60244E7B-773C-460F-B426-426EBC60D89E
عثمان لحياني
صحافي جزائري. مراسل العربي الجديد في الجزائر.
07 يونيو 2019
+ الخط -

تحلّ الجمعة الـ16 في عمر الحراك الشعبي في الجزائر اليوم، من دون وجود أفق سياسي لحل الأزمة التي تراوح مكانها، وسط تصلّب في المواقف بين أبرز ثقلين في المشهد الجزائري، الحراك والجيش. يتمسك الأول بمطلب مرحلة انتقالية ورئيس انتقالي، فيما يتمسك الثاني برفض ذلك والدفع باتجاه حوار يؤدي بالضرورة إلى مخرجات انتخابية، في ظل عجز المكون السياسي والمدني عن اقتراح بدائل جدية تنهي الانسداد الراهن. بينما أطل الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح، مساء أمس الخميس، معلنا رفضه الاستقالة أو التنحي من منصبه، متحدثاً عن بدء ترتيبات عملية لتشكيل هيئة مستقلة تشرف على تنظيم الانتخابات بدلاً من وزارة الداخلية. وقال بن صالح، في خطاب متلفز هو الأول له بعد قرار إلغاء انتخابات الرئاسة في 4 يوليو/ تموز المقبل، إنه سيستمر في مهمته حتى تنظيم انتخابات رئاسية بعد إلغاء انتخابات يوليو.
وفي المشهد اليوم، يتمترس خلف الحراك الشعبي جزء من الطبقة السياسية، وخلف الجيش يتمترس جزء ثان يبدو أنه بات مقتنعاً بعدم وجود ضرورة لمرحلة انتقالية ورئيس انتقالي، وبين الكتلتين حلقة مفرغة من دعوات إلى الحوار وسلّة من المبادرات السياسية، التي تطرحها كتل وأحزاب وتكتلات مدنية وشخصيات سياسية لم تتجاوز حتى الآن حدود الطرح، ولم تبلغ مرحلة نقاش التفاصيل حتى.

آخر مبادرة سياسية طرحتها مجموعة الثمانية، التي تضم أحزاباً سياسية معارضة بارزة ومؤثرة في المشهد السياسي، كحركة "مجتمع السلم" و"جبهة العدالة والتنمية"، و"طلائع الحريات" حزب رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، دعت فيها إلى عقد عاجل لمؤتمر وطني للقوى الثورية لحل الأزمة السياسية، وإقرار مرحلة انتقالية تبدأ برحيل رموز نظام عبد العزيز بوتفليقة، وهما رئيس الدولة عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي. وسبق هذه المبادرة، مبادرة أخرى طرحتها "مجموعة علماء الجزائر"، وهي مرجعيات دينية دعت إلى السياقات السياسية نفسها، وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة.

وطرح وزير الخارجية السابق أحمد طالب الإبراهيمي، قبل أسبوعين، مبادرة سياسية تشدد على ضرورة استبعاد كل المؤسسات المنبثقة عن النظام السابق، كمؤسسة رئاسة الدولة والفريق الحكومي، وإنشاء هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات. كما طرح ناشطون سياسيون مقترحات تصبّ في الاتجاه نفسه، مع رؤية تتضمن تكليف شخصية وطنية بقيادة حوار وطني يؤدي إلى تفاهمات سياسية قبيل الانتخابات الرئاسية، بينها وضع آلية لإنشاء مجلس تأسيسي يعيد صياغة الدستور. وقبل فترة طرح تكتل نقابي مبادرة حل سياسي، ترتكز على فتح حوار مباشر بين الحراك والمعارضة السياسية للتفاهم على مسار ما بعد الأزمة، واستبعاد حكومة بدوي وتشكيل حكومة جديدة. كما طرحت كتلة المثقفين والكتّاب الجزائريين وثيقة حل سياسي يرتكز أيضاً على مرحلة انتقالية وحوار مجتمعي.

اللافت أن "كلمة السر" في مجمل المبادرات السياسية، تتعلق بضرورة المرور بمرحلة انتقالية واستبعاد بن صالح وبدوي، لإفساح المجال لرئيس انتقالي مؤقت. وعند هاتين النقطتين يظل الخلاف قائماً بين الحراك الشعبي والمعارضة، والجيش، بعدما تمت إزالة نقطة خلاف ثالثة كانت بين الطرفين تتعلق بالانتخابات الرئاسية في 4 يوليو/ تموز المقبل.

ويرفع الجيش فيتو سياسياً صارماً ضد فكرة المرحلة الانتقالية والرئيس الانتقالي، ويعتبر أنها تنطوي على مخاطر سياسية قد تؤدي بالبلاد إلى حالة انزلاق، ناهيك عن صعوبة وغموض آلية اختيار الرئيس الانتقالي، ومخاوف الخروج عن الدستور. وهو ما بدا واضحاً في آخر خطاب ألقاه قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد الشهر الماضي، قال فيه إن "أي حوار سياسي يجب أن يكون بعيداً عن المرحلة الانتقالية، ويؤدي إلى طرح حلول في الأطر الدستورية".

في المقابل، يكرر الجيش دعواته إلى حوار سياسي، يرفض أن يكون طرفاً فيه. لكن دعوات كهذه تبدو كحلقة مفرغة يدور فيها الجيش والقوى التي تؤيد تصوراته، إذ لا يُعرف من هي الجهة التي تتولى الدعوة رسمياً إلى جلسات حوار وآليات إدارته، ومن هي الأطراف التي تشارك فيه وبشأن أي تفاصيل. وتصدّ القوى السياسية والمدنية دعوات الجيش، برفض إجراء أي حوار مع رئيس الدولة أو الحكومة، وتصرّ على مقترح "تفاوض"، بين ممثلين عن الحراك والمعارضة، مع الجيش بصفته السلطة الفعلية حالياً في البلاد.



ويعتقد متابعون أن إطلاق الجيش دعوات وتصورات من دون تجهيز مسبق لآليات تنفيذها، يضعضع صورة الجيش ويفقد قيادته الموقف الاعتباري لدى الرأي العام، ويضع الجيش عند مسؤولية تعطيل الحل السياسي وإبقاء البلد في مأزق الانسداد.

في هذا الإطار، أكد الناشط السياسي في الجبهة الشعبية لإنهاء التدخل الفرنسي في الجزائر، رياض حاوي، أن "أبرز معطى في المأزق والتخبّط السياسي الحالي في الجزائر، يتعلق بعجز قيادة الأركان عن ترجمة مبادراتها إلى خطوات عملية"، موضحاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه منذ "أن اقترح قائد الأركان تطبيق المادّة 102 من الدستور كإطار للحل، كان الجميع يتصور أن قائد الأركان جهّز كل الإجراءات لتحويل هذا المقترح إلى إطار للحل بحكم الموقع والقوة والنفوذ، لكن تبيّن أنها مبادرة من قيادة الأركان من دون تهيئة شروط تنفيذها". ولفت إلى أن "المادّة 102 تنصّ على تنظيم انتخابات رئاسية في غضون 90 يوماً، وبعد مرور شهر من تآكل الآجال الدستورية، انتبه الفريق الذي يعدّ خطابات قايد صالح أن اللجنة المستقلة للانتخابات غير موجودة، فكيف تكون هناك انتخابات. وللأسف مرة أخرى يطلب من قايد صالح إعطاء خطاب سياسي، يدعو فيه لوضع لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات، وها هي الأيام تمر ولا نجد أي صدى لندائه وخطاباته ولا أي خطوة في الاتجاه الصحيح".

وعلى سبيل المقارنة بين مبادرة الجيش لدفع بوتفليقة في 2 إبريل/ نيسان الماضي إلى الاستقالة من دون تجهيز الخيارات البديلة، وبين السيناريو نفسه الذي حصل في يناير/ كانون الثاني 1992، ظهر أن قيادة الجيش الحالية لم تجهز ما يكفي من التدابير الممكنة لتجاوز المأزق السياسي مقارنة بما حدث عام 1992، عندما قررت قيادة الجيش حينها برئاسة وزير الدفاع الجنرال خالد نزار الإطاحة بالرئيس الشاذلي بن جديد، وقامت بكل الترتيبات اللازمة وتهيئة المخرج، ثم تم الاتصال بالشاذلي بن جديد واقتراح الاستقالة عليه التي كانت جاهزة. وبرأي حاوي، فإن "قيادة الأركان قد تكون ضحية للفريق السياسي الملتف حول القيادة، غير مستوعب لمكانة قائد الأركان كرجل أول في المشهد السياسي، ويعبث بهذه المكانة حتى تسقط سياسياً".

وفي ظل بقاء نقطتي خلاف مركزية بين الحراك والجيش (المرحلة الانتقالية والرئيس الانتقالي)، و"حوار الظهر" القائم بين الطرفين منذ فترة عبر الشارع بالنسبة للحراك، والخطابات العسكرية بالنسبة للجيش، لا تبدو في الأفق وساطة سياسية يمكن أن تذلل العقبات وتطرح بدائل لحل سياسي، على الرغم من وجود مؤشرات على توجّه عام في الجزائر بضرورة الذهاب إلى حلّ عاجل، لتجنيب البلاد تداعيات كلفة اقتصادية ومالية واجتماعية. تحدث بشأنها رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور في ندوة نقاش سياسية عقدها أخيراً، وأطلق خلالها تحذيرات جدية، إذ أعلن أن المقدرات المالية للبلاد تتآكل، وقد تخلق مصاعب جدية للاقتصاد المحلي، في حال عدم وجود خطة إنقاذ حكومي بحلول 2021.

وأبدى المحلل السياسي عبد العالي زواغي، اعتقاده بأن "الوضع الراهن وتجمد المواقف، بات مرهقاً بالنسبة للكثيرين". وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "في وضع كهذا يمكن البدء في مرحلة تقديم تنازلات مشتركة بين الحراك الشعبي والمعارضة والجيش، إذ يمكن للحراك إبداء مرونة في تفهم مخاوف الجيش من المرحلة الانتقالية، وصعوبة اختيار رئيس انتقالي، في مقابل أن يقبل الجيش باستبعاد حكومة بدوي وتشكيل حكومة مستقلة تقودها شخصية تحظى بدعم وموافقة الحراك والمعارضة، تطلق حواراً سياسياً وتساعد في ترتيبات الذهاب إلى انتخابات رئاسية بعد تعديل القوانين الناظمة للانتخابات، ونقل صلاحية التنظيم إلى هيئة مستقلة عليا للانتخابات بدلاً من وزارة الداخلية".

ومع انتهاء شهر رمضان وسقوط رهانات السلطة في تجاوز الحراك، الذي أبدى تمسكاً بمطالبه ومسيراته، على الرغم من الصيام والحرارة المرتفعة، ومع عودة الحياة الطبيعية بعد عيد الفطر، يُنتظر أن تكون "جُمع" الحراك المقبلة حاسمة، وخصوصاً بعدما حقق الحراك مكسباً جديداً خلال الأسبوع الأخير، بإسقاطه مشروع الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 4 يوليو المقبل، في انتظار ما ستقرره رئاسة الدولة على ضوء التطورات الجديدة، ومع وجود توقعات برحيل حكومة بدوي مباشرة بعد انتهاء امتحانات شهادة البكالوريا.


ذات صلة

الصورة

سياسة

أكدت فرنسا، يوم الجمعة، وفاة فرنسي و"احتجاز آخر في الجزائر، في حادث يشمل عدداً من مواطنينا"، بعدما أفادت تقارير صحافية مغربية، أمس الخميس، عن مقتل سائحين يحملان الجنسيتين المغربية والفرنسية بنيران خفر السواحل الجزائري.
الصورة
كيف غيّر القائمون على فيلم "باربي" قواعد التسويق بتكلفة 150 مليون؟

منوعات

قرّرت وزارة الثقافة الجزائرية سحب ترخيص عرض فيلم "باربي" من صالات السينما في البلاد، بحسب ما ذكرته صحيفة الشروق الجزائرية. 
الصورة
عشرات الحرائق المستعرة في شرق الجزائر (فضيل عبد الرحيم/ الأناضول)

مجتمع

تتحدث السلطات الجزائرية عن طابع جنائي لعشرات الحرائق المستعرة، في حين يتواصل النقاش حول غياب خطط استباقية للوقاية، وقدرات السيطرة المبكرة على الحرائق، خاصة أنها تتكرر منذ عام 2018.
الصورة
استشهد عسكريون خلال مهمات إخماد حرائق الجزائر (العربي الجديد)

مجتمع

أعلنت وزارة الداخلية الجزائرية أنّ 34 شخصاً لقيوا مصرعهم في حرائق ضخمة نشبت في غابات بمناطق متفرقة شرقي الجزائر، من بينهم 10 عسكريين، فيما أُجليت مئات العائلات من مجمعات سكنية وصلت إليها النيران.

المساهمون