سقوط أول "الباءات الأربع": استقالة بلعيز تمهيداً لحل سياسي

سقوط أول "الباءات الأربع": استقالة بلعيز جزء من خطة للحل

17 ابريل 2019
يستمر الحراك في الشارع لتحقيق كل المطالب (فرانس برس)
+ الخط -
أسقط الحراك الشعبي في الجزائر رئيس المجلس الدستوري، الطيب بلعيز، الذي قدم أمس الثلاثاء استقالته إلى رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، ما شكل على حد وصف الجزائريين سقوطاً لأول "الباءات الأربع" التي يرفضها المحتجون، والتي تضم بن صالح مع ثلاث شخصيات أخرى، هي رئيس البرلمان معاذ بوشارب، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، ورئيس الدولة عبد القادر بن صالح. ويطالب المتظاهرون الجزائريون بابتعاد هذه الشخصيات عن المشهد لاعتبارها من الرموز التي تمثّل النظام السابق وعلى علاقة مباشرة بما يصفها الشعب والجيش بـ"العصابة" التي كانت تحكم البلاد وتنهب مقدراتها.

وتُظهر استقالة رئيس المجلس الدستوري أن المطالب الشعبية المتمسكة بضرورة استبعاد بعض الشخصيات المحسوبة على نظام بوتفليقة ممكنة التحقيق، بخلاف وصف قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح لهذه المطالب في وقت سابق بـ"التعجيزية"، واعتبارها محاولة لخلق فراغ دستوري يرفضه الجيش.
كما تفتح استقالة بلعيز الباب واسعاً أمام استقالة متوقعة لباقي الشخصيات التي يستهدفها الحراك. وبغض النظر عن أن فقهاء القانون الدستوري يؤكدون وجود صلاحية لرئيس الدولة بن صالح لتعيين شخصية بديلة لبلعيز على رأس المجلس الدستوري، فإن عدداً من المصادر المسؤولة تؤكد أن استقالة بلعيز هي جزء من خطة للحل السياسي تم التوافق عليها بين الجيش وبن صالح. هذه الخطة تفتح الباب أمام تعيين شخصية توافقية على رأس المجلس الدستوري، تؤول إليها رئاسة الدولة بعد استقالة متوقعة لبن صالح، تليها استقالة حكومة بدوي، على أن تُكلِف الشخصية التوافقية التي سترأس الدولة شخصية مستقلة بتشكيل حكومة جديدة، وسط حديث عن أن تكون رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، الذي يحظى بتوافق سياسي وقبول شعبي لافت.

وترافقت استقالة بلعيز مع عجز وزراء حكومة بدوي عن العمل، وملاحقتهم من قِبل المتظاهرين والناشطين في الحراك ومنعهم من القيام بزيارات ونشاطات تخص قطاعاتهم الوزارية، بسبب رفض وجودهم والمطالبة برحيل الحكومة. هذا الأمر بدا من خلال اعتراض متظاهرين في سيدي بلعباس غربي الجزائر لوزير المجاهدين (قدماء المحاربين) الطيب زيتوني، واضطرار وزيرة الثقافة الجزائرية مريم مرداسي إلى إنهاء زيارة كانت تقوم بها مساء الإثنين إلى ولاية تيبازة غربي العاصمة، ورفض سكان ولاية تبسة زيارة وزير الطاقة محمد عرقاب يوم الإثنين إلى مدينتهم، كما التعرّض لثلاثة من وزراء الحكومة، هم وزير الداخلية صلاح الدين دحمون، والموارد المائية علي حمام، والسكن كمال بلجود، خلال زيارتهم إلى ولاية بشار جنوبي الجزائر.

هذه التطورات السياسية المتعلقة باستقالة رئيس المجلس الدستوري، ومحاصرة وزراء الحكومة، والمتزامنة مع مراجعة الجيش لموقفه السابق الذي يصف المطالب الشعبية بالتعجيزية، وإعلان أحمد قايد صالح أمس قبول الجيش "بكل الآفاق الممكنة والمتاحة لحل الأزمة"، تؤشر إلى التوجّه نحو وقف جديد للمسار الانتخابي، وإلغاء الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو/ تموز المقبل.


وفي هذا السياق، أعلنت قوى المعارضة أمس عن مقاطعتها الشاملة للانتخابات المقررة في 4 يوليو، ودعت الى رفض كل أشكال المشاركة في تنظيمها أو الإشراف عليها. وأكد بيان لقوى المعارضة صدر عقب ثامن اجتماع لها أمس، أن السلطة السياسية "تحاول استنساخ نفسها عبر انتخابات مزيفة بآليتها القانونية والتنظيمية سارية المفعول، ونرفض المشاركة فيها، بالترشح، أو التوقيع، أو التنظيم، أو الإشراف"، مشيراً إلى أن السلطة كانت تراهن "على تشتيت وإضعاف الهبّة الشعبية السلمية ومحاولات المساس بصورتها على المستويين الوطني والدولي". وفي وقت سابق كان رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس قد أعلن رفضه المشاركة في الانتخابات، كما أعلن القضاة رفضهم الإشراف عليها.
كذلك قال رئيس "جبهة العدالة والتنمية" عبد الله جاب الله، خلال اجتماع المعارضة، إن "خارطة الحل الآن تتمثل في الجمع بين الحلين الدستوري والسياسي للخروج من الأزمة، وذلك من خلال تفعيل المواد الدستورية وإرفاقها بحلول سياسية، بما يمكّن من النزول عند مطالب الحراك، بإبعاد الباءات الأربعة عن المشهد السياسي، والانتقال لمرحلة انتقالية بشخصيات وطنية توافقية".

وبالنسبة لبلعيز الذي استقال أمس، فهو يُعتبر رفيق درب الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، وإحدى الشخصيات المقربة منه، وينحدر من المنطقة نفسها التي ينحدر منها الرئيس المستقيل، تلمسان غربي الجزائر، واستقدمه بوتفليقة من القضاء لتولي منصب وزير العدل ورئيس ديوان الرئاسة ومستشاره الخاص. وإضافة إلى الموقف الشعبي الرافض لبلعيز، فإن حالة الرفض وتحفّظ القوى المعارضة وفقهاء الدستور لتولي بلعيز رئاسة المجلس الدستوري، بدأت منذ تعيينه بصورة عاجلة من قبل بوتفليقة في 21 فبراير/ شباط الماضي خلفاً للراحل مراد مدلسي، قبل عشرة أيام من نهاية آجال إيداع ملفات المرشحين للانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 إبريل/ نيسان الحالي، قبل أن يتم إلغاؤها في 11 مارس/ آذار الماضي، لكون تعيينه غير دستوري ومخالفاً للدستور الذي ينص على رئاسة المجلس الدستوري مرة واحدة فقط، فيما كان بلعيز قد شغل المنصب نفسه بين مارس/ آذار 2012 وسبتمبر/ أيلول 2013.

من جهته، رأى القيادي في حركة "مجتمع السلم" نصر الدين حمدادوش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "استقالة بلعيز منسجمة مع مطالب الشعب الجزائري، وهي جزء من الحل الذي طالبنا به في إطار الجمع بين الحل الدستوري المؤسساتي والحل السياسي الشعبي، ولكنها جزء من الحل وليست كل الحل"، مضيفاً "العبرة في الشخصية التوافقية الوطنية التي ستخلفه بما يقبلها الشعب، واستكمال مسار الحل باستقالة الباءات الأخرى، والذهاب إلى الحلول الفعلية، والعودة للمسار الانتخابي، بعد تجسيد الإصلاحات، وعلى رأسها الهيئة الوطنية المستقلة للإشراف على تنظيم الانتخابات عبر حوار وتشاور وطني، لتجسيد الإرادة الشعبية". وأشار إلى أن "هذه الحلول السياسية لا تتنافى مع الحل الدستوري، واستقالة هؤلاء كأشخاص تجنّبنا خطورة الفراغ المؤسساتي، وهذا الحل يجنّبنا متاهات المراحل الانتقالية والأنفاق المظلمة، على أن يبقى الضامن الحقيقي للانتقال الديمقراطي السلس هو استمرارية وسلمية الحراك الشعبي، والمرافقة الصادقة للمؤسسة العسكرية".