هل يستهدف ريف حماة الشمالي بدل إدلب؟

هل يستهدف ريف حماة الشمالي بدل إدلب؟

05 مارس 2019
للمعارضة ثقل عسكري كبير في المنطقة(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

يسود الترقب الحذر شمالي غرب سورية، مع تصاعد نبرة التهديد من قبل قوات النظام السوري بشنّ هجوم واسع النطاق على ريف حماة الشمالي، وانتزاع السيطرة على المنطقة منزوعة السلاح الثقيل التي أقيمت العام الماضي وفق اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا للحيلولة دون اندلاع صراع عسكري في المنطقة. لكن تهديدات النظام تبقى مجرد عملية تخويف إعلامي، طالما أنه لم يحصل على موافقة من موسكو لشنّ عملية عسكرية، كما تقول مصادر في المعارضة المسلحة، كما أن محاولة النظام والمليشيات الموالية له التقدّم في المنطقة ستكون صعبة في ظل وجود عسكري كبير للمعارضة المسلحة هناك.

هذه التطورات العسكرية تأتي بالتوازي مع عودة المباحثات الدولية حول سورية، إذ وصل المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، أمس الإثنين، إلى العاصمة التركية أنقرة، لبحث التطورات السورية مع نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، ومسؤولين عسكريين أتراك. كما بحث رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال جوزف دانفورد ونظيره الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف، الأوضاع في سورية، خلال لقاء بينهما أمس في فيينا.

ميدانياً، وبعد قصف عنيف نفذه النظام على إدلب في فبراير/ شباط الماضي وأسفر عن مقتل 72 مدنياً في المحافظة وإصابة العشرات، انتقل النظام لتهديد ريف حماة. ونقلت مواقع إخبارية إلكترونية تابعة للنظام "عن مصدر ميداني"، قوله "إن وحدات الجيش بدأت تحضيراتها النهائية لبدء عملية عسكرية واسعة في ريف حماة الشمالي"، زاعمة أن العملية "تستهدف مواقع الجماعات الإرهابية المنتشرة داخل وفي محيط المنطقة المنزوعة السلاح"، وفق قوله. كما نقلت وكالة "سانا" للأنباء التابعة للنظام، يوم الأحد، "عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين" في حكومة النظام، قوله: "تؤكد (الحكومة) على الجاهزية العالية والتامة للجيش العربي السوري في التصدي لهذه الجرائم والخروقات، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه هذه الجرائم".

ويأتي التصعيد الإعلامي والتهديد بشن عمل واسع النطاق من قبل النظام عقب مقتل وإصابة العشرات من عناصر قوات النظام في هجوم شنّه فصيل "أنصار التوحيد"، غير التابع للمعارضة السورية المسلحة، على مواقع النظام في قرية المصاصنة وخربة المصاصة، في ريف حماة الشمالي، يوم السبت الماضي. وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد مهّد، الأحد، لعمل عسكري في شمال غربي سورية، قائلاً في تصريح صحافي: "إنّ بنود الاتفاق الذي توصّلت إليه روسيا وتركيا حول إدلب، لم تنفّذ بشكل كامل بعد"، في إشارة منه إلى اتفاق سوتشي المبرم بين موسكو وأنقرة في سبتمبر/ أيلول الماضي، والذي تمّ بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. ويبدو أن هذا الاتفاق يتعرض لتهديد جدي ربما يدفعه إلى حافة الانهيار، وهو ما يعني إعادة خلط الأوراق في شمال غربي سورية الذي يضم اليوم نحو 4 ملايين مدني، تحاول تركيا تجنيبهم كوارث محتملة جراء أي عمل عسكري واسع النطاق.
في المقابل، قال محمد رشيد، المتحدث الإعلامي باسم "جيش النصر"، أحد أهم فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا مؤشرات على الأرض تدل على قرب شنّ قوات النظام والمليشيات الإيرانية هجوماً واسع النطاق على ريف حماة الشمالي"، مضيفاً: "ما تنشره وسائل إعلام النظام هدفه إرهاب المدنيين في هذا الريف وتهجيرهم، إضافة إلى تهدئة الشارع الموالي للنظام".


ولطالما هدد النظام منذ بداية العام الحالي بشنّ هجوم عسكري للسيطرة على المنطقة منزوعة السلاح، ودفع فصائل المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) شمالاً، في العمق من محافظة إدلب، ولكن النظام لم يجرؤ على تنفيذ تهديده بسبب الرفض الروسي، فبقيت تهديدات النظام في سياق حرب نفسية وإعلامية لا أكثر.
ورأت مصادر في الجيش السوري الحر أن النظام "فَقَد قرار السلم والحرب في سورية"، مشيرة إلى أنه "لا يجرؤ على شنّ حرب ضد محافظة إدلب ومحيطها من دون موافقة موسكو، ومشاركة الطيران الروسي فيها"، مضيفة: "تهديد النظام لا يعدو كونه محاولة لنفي صورة المستسلم لاتفاقات روسية تركية تخص شمال غربي سورية أمام مؤيديه".

وتبدو مهمة قوات النظام والمليشيات الإيرانية بالتقدّم البري في ريف حماة الشمالي محفوفة بالمخاطر كون المعارضة السورية المسلحة تضع جلّ ثقلها في المنطقة، وتستعد لمعركة فاصلة مع هذه القوات، إذ تنتشر أهم فصائلها التي تفرض سيطرتها على هذا الريف منذ سنوات، حاول خلالها النظام التقدّم وفشل. وتأتي في المقدمة فصائل منضوية في "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تضم أكبر فصائل الجيش السوري الحر في شمال غرب سورية، وأبرزها "جيش النصر"، صاحب الثقل العسكري الأكبر في المنطقة. ويعرّف "جيش النصر" الذي تأسس مع بداية التدخل الروسي في سورية في عام 2015، عن نفسه بالقول إنه "تجمّع عسكري ثوري مؤلف من اندماج عدة فصائل مقاتلة تنتمي إلى فكر ومبادئ الجيش السوري الحر، تنتشر في أرياف حماة وريف إدلب وريف اللاذقية وحلب، تمت إعادة هيكلتها وتعبئتها ضمن ألوية وكتائب باسم جيش النصر".
ويُعد "جيش النصر" من أكبر تشكيلات الجيش السوري الحر في الشمال الغربي السوري، ويشكّل مع فصائل تابعة لـ"الجبهة الوطنية للتحرير"، مثل "الجيش الثاني"، و"فيلق الشام"، إضافة إلى فصائل أخرى، مثل "جيش النخبة"، و"الفوج 111"، قوة ضاربة تضم آلاف المقاتلين الذين تمرسوا في قتال قوات النظام على مدى سنوات.

وخارج "الجبهة الوطنية للتحرير"، يعد "جيش العزة" من أبرز فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي التي تتصدى منذ سنوات لأي محاولات تقدّم لقوات النظام ومليشيات إيرانية في قرى وبلدات هذا الريف التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة. وتأسس "جيش العزة" عام 2014 من خلال اندماج العديد من الفصائل الفاعلة في ريف حماة الشمالي، إضافة إلى ريف إدلب الجنوبي. ويتولى قيادة الجيش وتدريب مقاتليه عدة ضباط منشقين عن جيش النظام، وهذا ما يميّز هذا الجيش عن غيره من فصائل تتبع للجيش السوري الحر ويكسبه ثقة الشارع السوري المعارض. واستطاع "جيش العزة"، و"جيش النصر"، مع فصائل الجيش السوري الحر، صدّ أكثر من هجوم واسع النطاق من قبل قوات النظام على ريف حماة الشمالي، لعل أبرزها الهجوم الكبير في أواخر عام 2015 في بدايات التدخل الروسي في سورية. وهدد "جيش العزة" مع فصائل أخرى، منها "جيش النصر"، أكثر من مرة، مدينة حماة، أهم معاقل النظام في وسط سورية، ووصل مقاتلوه إلى مسافات قريبة من المدينة بعدما سيطروا على مدن هامة في ريفها الشمالي.

ووفق مصادر في المنطقة، فإلى جانب فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي، هناك وجود "غير مؤثر" لـ"هيئة تحرير الشام" ومجموعات تدور في فلكها أو قريبة منها في "المنهج"، مضيفة: الثقل الأكبر في ريف حماة الشمالي لفصائل الجيش السوري الحر المستعدة للتعامل مع أي هجوم من قبل قوات النظام كما حدث أواخر عام 2015، إذ تعرضت هذه القوات لهزيمة كبيرة على الرغم من الغطاء الناري الكثيف من الطيران الروسي الذي دمر كل المرافق الحيوية وهجّر مئات الآلاف. وأوضحت المصادر ذاتها أن اغلب ريف حماة الشمالي تحت سيطرة فصائل المعارضة التي "تتمترس على بعد نحو 25 كيلومتراً شمال مدينة حماة في وسط البلاد"، مشيرة إلى أن ريف حماة الشمالي يضم العديد من المدن والبلدات التي تقع تحت سيطرة المعارضة، أبرزها قلعة المضيق، وجبل شحشبو، وكفرنبودة، كفر زيتا، اللطامنة، مورك. وأوضحت أن هذه المدن والبلدات إضافة إلى القرى التابعة لها تضم عشرات آلاف المدنيين الذين يعيشون في ظرف اقتصادي وصفته بـ"الصعب"، مشيرة إلى أن القصف المتواصل على المنطقة منذ بداية فبراير/ شباط الماضي، أجبر آلاف العائلات على النزوح، مضيفة: عدد كبير منها رجع إلى مناطقه بسبب عدم القدرة على تحمل تكاليف النزوح في محافظة إدلب.