قمع أسرى سجن النقب... فصل من "خطة أردان"

الأحد الدامي بسجن النقب... فصل من "خطة أردان" لخنق الأسرى

26 مارس 2019
من تحرك تضامني مع الأسرى في غزة(علي جاد الله/الأناضول)
+ الخط -
لم تهدأ حالة الغليان في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي يوماً، إلا ليعود الغليان بوتيرة أكبر على شكل اقتحامات بالرصاص الحيّ وإصابات بين الأسرى العزّل، ضمن خطة إسرائيلية مستمرة لخنق الأسرى وتوظيفها في الفترة الحالية، لمكاسب انتخابية إسرائيلية داخلية تروّج للأكثر فتكاً بالأسرى.

وخلّف قمع قوات الاحتلال أول من أمس للأسرى الموجودين في قسم (4) في سجن "النقب" الصحراوي، بالرصاص الحي وقنابل الغاز 25 جريحاً من المعتقلين، اثنان منهم وصفت جراحهما بالخطرة، فيما تم نقلهم و15 جريحاً آخر عبر المروحيات إلى المستشفيات الإسرائيلية. وكان التوتر بدأ بعدما رفض الأسرى تركيب أجهزة تشويش في قسم (4)، هدفها منع التواصل مع العالم الخارجي عبر هواتف مهربة، فضلاً عن تسبب إشعاعاتها المتواصلة في المساحات الضيقة بأمراض خطيرة بين الأسرى.
وإن كانت جميع التوقعات، بناءً على التجارب السابقة، تشير إلى أن ليلة الأحد الدامية، ستتكرر في لعبة "عض الأصابع" المكشوفة بين الأسرى الفلسطينيين وإدارة السجون الإسرائيلية، لكن الأمر اللافت هذه المرة أن عمليات القمع الأخيرة التي بدأت منذ أغسطس/ آب الماضي، تأتي تحت عنوان جديد هو "خطة أردان"، التي قدمها وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال جلعاد أردان، وشكل لجاناً للتضييق على الأسرى والتنكيل بهم قدر الإمكان، وبدأت استهدافها أسرى "حماس" أولاً.



وباقتحام أقسام معتقل "النقب"، وتحديداً أقسام أسرى حركة "حماس"، وإصابة الأسرى بجراح بعضها خطيرة، تكون خطة "أردان" وصلت لنقطة فارقة، إما إكمال المخطط لبقية الأقسام وإما أن يكون هناك هدنة ضمنية بين إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية والأسرى، بعدم التصعيد إلى حين.
واعتبر الأسرى، حسب محام عنهم تحدث مع "العربي الجديد"، لكنه اشترط عدم الكشف عن اسمه، "أن القشة التي قصمت ظهر الجمل، تمثلت بقيام إدارة السجون بإعلان نيتها تركيب أجهزة تشويش عالية الإشعاعات لكل السجون الأمنية، الأمر الذي يمنع الأسرى من التواصل مع أهلهم".
ومن المعلوم أن هناك عشرات أجهزة الهاتف الخليوية في السجون الإسرائيلية، تم تهريبها إلى المعتقلين منذ سنوات، عبر عمليات معقدة وإخفاؤها في السجون بطريقة أكثر تعقيداً.
ويقول المختص في شؤون الأسرى فؤاد الخفش، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "إدارة السجون الإسرائيلية تعرف عن الهواتف المهربة، وكل فترة تقوم بهذا التصعيد من أجل إرجاع الأسرى خطوات للوراء". ولفت إلى أن "الهواتف المهربة موجودة منذ 1999، وفي الانتفاضة الثانية دخلت بشكل كبير للمعتقلات، وسهّلت إدارة السجون تهريبها بعد أسر حركة حماس للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، على أمل أن تفضي مراقبة المكالمات إلى طرف خيط حول مكان شاليط، الأمر الذي لم يحدث".

من جهته، يقول المختص بالشؤون الإسرائيلية والأسير المحرر، عصمت منصور، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "إدارة السجون بدأت بوضع أجهزة التشويش في أقسام "حماس"، وهذا من باب التجريب وجسّ النبض ورصد ردة الفعل، وفي حال نجاح الأمر سيتم تعميم أجهزة التشويش على كل السجون، لذلك التصعيد اليوم مرتبط بأسرى "حماس". وأشار إلى أن "أردان يتوعد أن مَن وراء عملية الطعن سوف يدفعون الثمن، ومن الممكن أنّ تنظيم حماس في النقب جميعه سيدفع الثمن".
من جهتها، توضح المسؤولة الإعلامية في نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة في حديث مع "العربي الجديد"، أنه منذ بداية السنة قامت إدارة السجون بتركيب أجهزة تشويش في أقسام محددة في معتقلات مجدو وريمون والنقب، لافتة إلى أن المواجهة الكبرى ضد هذه الأجهزة كانت في سجن النقب. وتضم الأقسام التي تم استهدافها بتركيب أجهزة التشويش أعلاه أسرى من حركة "حماس"، ويعتبر "النقب" من أكبر السجون ويضم 1300 أسير، فيما يبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين نحو 6000 أسير.
وتقول سراحنة إنه "منذ آب/ أغسطس 2018، حين تم عرض خطة أردان ضد السجون التي تضمنت تركيب أجهزة التشويش، ولم يمر يوم دون قمع أو تفتيش من كل قوات القمع في السجون".

وتدهورت الأحداث في الأسابيع الماضية بشكل كبير، وأعطى الأسرى أكثر من إنذار أنهم لن يسمحوا لإدارة السجن بإكمال زرع أجهزة التشويش، والإجهاز على كل منجزاتهم في السنوات الماضية.
وفي الثامن عشر من الشهر الحالي، قام الأسرى بإحراق الفراش ومقتنيات الغرف التي يعيشون فيها في سجن ريمون، وتحديداً في القسم الذي تم تركيب أجهزة تشويش فيه.
وحسب محامي الأسرى الذي تحدث مع "العربي الجديد"، "فإن هذا أخطر أنواع الاحتجاج، لأن الأسير محشور في الغرفة المحروقة، وقد تلقى الأسرى بسبب ذلك عقوبات أهمها دخول وحدات القمع وضربهم، ما أدى لإصابة نحو 40 أسيراً كلهم من ذوي الأحكام العالية والمؤبدات".
سبق ذلك في السابع والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، إعلان الأسرى حل التنظيمات ورفع مستوى المواجهة مع القوات الإسرائيلية في خطوة هدفها الضغط على الاحتلال، وتحذيره بأن التنظيمات لن تتحمل أي مسؤولية عن أي مواجهة، قد تحدث بين الأسرى كأفراد وبين إدارة المعتقل، وتم حل جميع التنظيمات باستثناء تنظيم "فتح"، الذي لم يوافق على هذه الخطوة.
وحسب محامي الأسرى، فإن "الحياة في السجون تقوم على وجود تنظيمات فلسطينية تضبط كافة شؤون حياة الأسرى لمصلحة الأسرى، وقد اضطرت الإدارة للتعامل مع التنظيم كأمر واقع، ثم تحول التنظيم مع السنوات جزءاً لا يتجزأ من طريقة تعامل الإدارة مع الأسرى، ومن ثم حل التنظيم أمام الإدارة يعني أن عليها التعامل مع كل أسير وطلباته على حدة، الأمر الذي يتطلب منها قوىً بشرية وميزانيات هائلة ووقتاً للتأقلم، وإدارة السجون لا تستطيع التعامل مع هذا الأمر بشكل فوري، ولكن قد تستطيع على المدى البعيد".
وتبدو العلاقات بين حركتي "فتح" و"حماس" والفصائل الفلسطينية داخل السجون الإسرائيلية، انعكاساً للمشهد الحقيقي خارج السجن، من انقسام وتفكك، وعدم الإجماع على موقف واحد كما هو الأمر مع حل التنظيمات، الذي قامت به كل الفصائل باسثناء "فتح" حتى الآن.
ويسيطر القلق والتشاؤم على المشهد الحالي، إذ يخشى رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدري أبو بكر في حديث مع "العربي الجديد"، من تدهور الوضع أكثر.
ووفقاً لأبو بكر، يبدو أن إسرائيل غير معنية بالتهدئة بل بالتصعيد، إذ قامت قوات القمع باقتحام سجن النقب مرة ثانية صباح أمس الإثنين، إلى جانب اقتحام عدة أقسام في أربعة سجون هي "ريمون وجلبوع ونفحة وايشل، إذ يريدون نقل المعتقلين إلى أقسام أخرى في هذه السجون تم وضع أجهزة تشويش فيها".
وقال أبو بكر إن "إسرائيل غير معنية بالتهدئة، ولا سيما أن موعد الانتخابات الإسرائيلية قد اقترب، والوضع مرشح للتصعيد. فقد سحبوا الإنجازات من الأسرى، مثل الزيارة التي كانت مرتين كل شهر وأصبحت مرة واحدة، إلى جانب مصادرة الكتب، والمقاعد والطاولات التي يستخدمها الأسرى للدراسة، والبلاطة التي يتم تسخين الطعام عليها".