أميركا... هجمة لإخراس الانتقادات الجامعية لإسرائيل بحجة محاربة "اللاسامية"

أميركا... هجمة لإخراس الانتقادات الجامعية لإسرائيل بحجة محاربة "اللاسامية"

13 ديسمبر 2019
معارضة متزايدة بالجامعات الأميركية لمنع مقاطعة إسرائيل (إريك ماكغريغور/Getty)
+ الخط -

فيما تكاد تحتكر إجراءات عزل الرئيس دونالد ترامب، الجارية في الكونغرس، المشهد في واشنطن، اغتنم البيت الأبيض الفرصة، ووقّع، الأربعاء، على أمر تنفيذي "لمحاربة اللاسامية" في الجامعات الأميركية.

وبمقتضى هذا الأمر، يجري حرمان الجامعات من الاستفادة من أموال الدولة (بشراء برامج أبحاث منها أو بمنحها المساعدات المباشرة) "إذا فشلت في منع التمييز ضد الطلاب اليهود".

القرار في ظاهره يرمي إلى حماية هؤلاء الطلاب كأقلية والتصدي لاستفرادهم، مع أنّ قانون الحقوق المدنية لعام 1965 يكفل ضمان عدم التمييز ضد كافة الأقليات. ومع ذلك، ما كانت هذه الخطوة لتثير الاعتراضات لو أنها لا تستبطن تحقيق غرض سياسي مخفي يشكّل غايتها الرئيسية.

ومما لا شك فيه أنّ النعرة ضد اليهود في أميركا أخذت شحنة من الزخم، في السنوات الأخيرة، وقد تجلّت في عدة تعبيرات من الكراهية والحوادث الدامية، أبرزها مجزرة الكنيس في مدينة بيتسبرغ، في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، والتي أودت بحياة 11 خلال تأديتهم الصلاة، كما سبقتها تظاهرة مدينة تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا المجاورة لواشنطن، في أغسطس/ آب 2017، لجماعة "التفوق للعنصر الأبيض" التي تردد فيها شعار "اليهود لن يحلّوا مكاننا".

وبين الاثنين وبعدهما، حصلت استهدافات وتعديات كثيرة، كان آخرها، أول أمس الأربعاء، حيث وقع اعتداء على متجر يهودي في جيرسي سيتي قرب نيويورك، سقط فيه أربعة قتلى، منهم اثنان من المهاجمين. وفي كل هذه الحوادث تبيّن أنّ الجهة الفاعلة تنتمي إلى تيار القوميين البيض المعادين عنصرياً لليهود.

لكن القرار التنفيذي الذي أتى على هذه الخلفية، حصر الخطوة بالجامعات فقط والطلاب اليهود فيها، ولهذا التركيز قصته، ففي السنوات الأخيرة، تنامى في القطاع الجامعي الأميركي التأفف في الوسط الليبرالي الشبابي الديمقراطي من الممارسات الإسرائيلية خاصة الاستيطانية، وأدى إلى انتشار ظاهرة الرفض والانتقاد لإسرائيل في الجامعات، وتفاقم ذلك بانتقال عدوى التحرك الأوروبي لمقاطعة البضائع الإسرائيلية إلى أميركا، وبالذات إلى هذا القطاع، وأخذت تتوسع دائرة المطالبة الجامعية الطلابية بمقاطعة مماثلة.

واستشعرت المفاتيح الإسرائيلية في واشنطن الخطر، واعتبرت ذلك بمثابة إنذار مبكر، فالوسط الطلابي شكل تقليدياً أحد أركان الكتلة الاجتماعية والانتخابية التي تستمد منها هذه المفاتيح، وخاصة اللوبي الإسرائيلي، قوتها ونفوذها في الكونغرس والإدارة، لذا سارعت إلى تطويق هذا التحول من خلال الكونغرس وحكومات الولايات، لتحفيزهما على سن تشريعات تحظر هذه المقاطعة تحت طائلة المعاقبة وربما السجن.

وفعلاً، تحقق ذلك على مستوى أكثر من 25 ولاية، فيما بدأ الكونغرس وخاصة مجلس النواب في طرح مشاريع قوانين لتحريم مقاطعة بضائع إسرائيل.

وحصلت اعتراضات في بعض الولايات على هذه القوانين والإجراءات المانعة، تمثلت في رفع دعاوى لنقضها على أساس أنها تتضارب مع حرية المقاطعة التي هي شكل من أشكال حرية التعبير التي كفلها الدستور.

وفي عدة ولايات مثل كنساس وأريزونا وغيرهما، صدرت أحكام ضد القوانين والقرارات المانعة لعدم دستوريتها، وعزز كسب حركة المقاطعة لجولات قضائية موقفها وكشفت عن الهشاشة القانونية لهذا التوجه.

في الوقت ذاته، جرى التركيز على الكونغرس لاستصدار تشريعات حازمة تقضي على حركة المقاطعة قبل انتشارها.

ومنذ مارس/ آذار الماضي، بدأت تتوالى مشاريع من هذا النوع خاصة في مجلس النواب. وفي المقابل، بدأت، في أوائل يوليو/ تموز، تتوالى التحذيرات من مخاطر هذا التوجه المنافي لحق التعبير وعواقبه، شاركت فيها المرشحة الديمقراطية للرئاسة إليزابيت وارن، لكن ذلك لم ينجح في وقف السعي التشريعي، فصوّت مجلس النواب، في 23 يوليو/ تموز الماضي، على ثلاثة مشاريع بتجريم مقاطعة إسرائيل.

وفي 25 يوليو/ تموز، أقرّ المجلس مشروع رفض المقاطعة بأكثرية 398 مقابل 17، بعده كبرت الضجة من باب أنّ مثل هذه التشريعات تتناقض مع حرية التعبير، وقد تكون لها تداعيات خطيرة.

وشاركت وسائل الإعلام بمعظمها في التحذير، كما صدرت مواقف متحفظة عن كثيرين في الكونغرس مع الإشارة إلى خطورة هذا التحريم المثير للجدل، خاصة وأن هناك قوى ومحاكم أميركية اعترضت عليه بقوة.

وبسبب هذه المحاذير، تهيّب الكونغرس التصويت على مشروع قرار "محاربة اللاسامية في الجامعات". وحالت خلفيته ومقاصده السياسية دون اعتماده في مجلسي الشيوخ والنواب حتى الآن، مما أعطى فرصة لتمريره في زحمة الانشغال بإجراءات العزل، لكن من المتوقع أن يثير ذلك ردة فعل قوية في الجامعات التي كشف فيها التحرك الطلابي عن معارضة متزايدة لإجراءات منع المقاطعة.

المساهمون