الحزب الموريتاني الحاكم في أزمة... والرئيس يبحث عن بديل

الحزب الموريتاني الحاكم في أزمة... والرئيس يبحث عن بديل

16 نوفمبر 2019
يعيش الحزب الحاكم بموريتانا صراع مصالح (سيا كامبو/فرانس برس)
+ الخط -

يواجه الحزب الحاكم في موريتانيا، "الاتحاد من أجل الجمهورية"، أزمةً مستفحلة تزداد تعقيداً مع كل اجتماع وتحرك لقياداته. وكشفت المناقشات الجارية حجم الصراعات الدائرة بين قيادات الحزب حول الكثير من القضايا، بدءاً بالخلاف حول مرجعيته الجديدة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وليس انتهاء بالتحضيرات للمؤتمر العام، والدعوات التي يطلقها البعض للتوجّه نحو انفتاح الحزب على كافة القوى والشخصيات الداعمة للرئيس.

ويستعد "الاتحاد من أجل الجمهورية" لعقد مؤتمره العام في ديسمبر/ كانون الأول المقبل لانتخاب قيادة جديدة له. ومن المنتظر أن يكون هذا المؤتمر حاسماً لجهة تحديد مستقبل الحزب، ووضعيته في المرحلة المقبلة في ظل العهد الجديد.

وتثير الدعوات المتكررة لتشكيل ذراع سياسية جديدة تدعم الرئيس المنتخب حديثاً محمد ولد الغزواني، مخاوف كثيرين من احتمال وقوع الحزب ضحية صراعٍ سياسي يؤدي إلى انهياره. ويخشى هؤلاء من أن يتكرر السيناريو ذاته الذي أفضى سابقاً إلى انهيار حزبين كانا قد سيطرا على المشهد السياسي لفترات ممتدة، ثم أصبحا أشبه بمعسكرين مهجورين سياسياً وجماهيرياً، هما "العهد الوطني للديمقراطية والوحدة"، المعروف اختصاراً بـ"عادل"، والحزب "الجمهوري".

ولعل ما آل إليه الحزبان هو الذي دفع قيادات "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم إلى دقّ ناقوس الخطر، محذرة من تأثير حالة الارتباك والغموض والفتور على مستقبل الحزب، خصوصاً خلال هذه المرحلة التي تتشابه إلى حدٍّ كبير مع مرحلة انهيار الحزبين الحاكمين سابقاً. فـ"الجمهوري" و"عادل"، كلاهما، عانيا من هزّات وعواصف مباشرة بعد تنحي رئيسيهما، وهما رئيسا الجمهورية السابقان على التوالي، معاوية ولد الطايع وسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.


ويبدو حزب "الاتحاد"، الذي أسسه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، اليوم في حالة مشابهة لوضعية الحزبين سابقاً. ويحصل ذلك في ظلّ استمرار غياب ولد عبد العزيز عن البلاد منذ أن سلّم السلطة للرئيس المنتخب، بداية أغسطس/ آب الماضي، وتفضيل الأخير البقاء على مسافة من "الاتحاد" وعدم أخذه بأي مبادرة تنقذ الحزب قبل أن ينزلق إلى الأسوأ، ليصبح "الاتحاد من أجل الجمهورية" في مرحلة خطر حقيقي تؤكدها الصراعات والخلافات بين قياداته وقواعده.

وأحدثت استقالة رئيس الحزب، الوزير السابق سيدي محمد ولد محم، جدلاً واسعاً، بين من رآها خطوة ضرورية استعداداً لظهور الرجل في مواقع مهمة قد تتعارض ومسؤوليته على رأس الحزب الحاكم، وبين من اعتبرها نتاج مرحلة التخبّط التي يعيشها الحزب، وحسن تصرف من قيادي يعرف كيف يرسم مساره السياسي، فآثر القفز قبل غرق السفينة بمن فيها.

غير أن استشعار بداية انهيار الحزب لم يمنع ولد محم من الظهور مجدداً بعد اعتزاله العمل الحكومي وتسليم رئاسة الحزب وابتعاده عن الأضواء. ودعا الرئيس السابق لـ"الاتحاد من أجل الجمهورية" قيادات الحزب ومناضليه إلى الانضباط والالتزام بالمسؤولية ونبذ التفرقة والمحافظة على الإنجازات التي تحققت خلال المراحل السابقة.

ويتوالى عقد اجتماعات لشخصيات مؤيدة لولد الغزواني لإنشاء ذراعٍ سياسية داعمة له، قد تضم كتلاً معارضة للحكم السابق، بعدما نجح الرئيس الموريتاني في استقطاب عدد من المعارضين وعقد اجتماعات مع جميع زعماء المعارضة الذين كانوا يرفضون الاجتماع بالرئيس السابق ولد عبد العزيز.

وكشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن الداعمين الجدد للرئيس من الأغلبية والمعارضة، انتهوا من وضع تصور لتحالف كبير يجمع بين قوى وأحزاب مختلفة، من بينها الحزب الحاكم الذي سيخضع لبعض التغييرات التي بدأت التحضير لها وسيتم الإعلان عنها في مؤتمره العام المقبل.

وأكدت المصادر الحزبية أنه "على الرغم من إرهاصات التحوّل، فإن توجّه الحزب الحاكم حالياً هو الانفتاح على كافة القوى والشخصيات الداعمة للرئيس، بهدف إنشاء نواة حزبية تشكل ذراعاً سياسياً للنظام". وأشارت إلى أنه "بناء على ذلك، فقد تم تكليف مجموعة من الشخصيات، من بينها برلمانيون ووزراء سابقون، لإقناع كل القوى الداعمة لولد الغزواني بالانخراط في هذا الحراك السياسي، وقررت المجموعة مواصلة نقاشها والعمل على توسيع دائرة اتصالاتها".

وتأتي هذه التطورات بعد تجديد المناصب البرلمانية التابعة لحزب "الاتحاد من أجل الجمهورية". وكان البرلماني محمد يحي ولد الخرشي، الذي يُعتبر الذراع اليمنى لولد عبد العزيز، قد قدّم استقالته رسمياً من رئاسة الكتلة البرلمانية للحزب، فيما اعتبر مراقبون أنه تم إرغامه على اتخاذ هذه الخطوة، بعد تصريحات مثيرة له أكد فيها أن "النظام الحالي أسس على ما وجد قبله من مؤسسات ومن إنجازات، وهو سيحافظ على ما وجد أمامه من مؤسسات ومن إنجازات".

وتعليقاً على هذه التطورات، رأى الباحث السياسي أحمد سالم ولد شيخاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أزمة الحزب الحاكم وصراعات قياداته وقواعده هي مسألة طبيعية في الوقت الحالي، في عهد رئيس جديد يريد أن يبني قواعد صلبة تدعمه ويبعد كل من هو محل شك وريبة". وأشار شيخاني إلى أن الحديث عن ذراع سياسية جديدة "زاد من حدة صراع المصالح والمواقع في الحزب الحاكم، ودفع الكثير من الشخصيات السياسية إلى البحث عن خلق تحالفات تجمع بين القوى الحزبية، وتعمل على إطلاق مبادرات سياسية قد تكون نواة للحزب الجديد".

وأكد الباحث السياسي الموريتاني أن "تدمير الحزب الحاكم" بعد انتهاء مرحلة سياسية وظهور بوادر التغيير في الحكم، أصبح عادة سياسية في البلاد، موضحاً أنه "مع كل رئيس جديد يجب أن يظهر حزب جديد". ووصف ولد شيخاني هذه الاستراتيجية بـ"المدمرة للأحزاب التي راكمت تجربة سياسية كبيرة لكنها بالمقابل تضمن للحاكم ولاءً ودعماً يحتاجهما في بداية حكمه، وهذا ما دفع بعض نواب الأغلبية إلى التخطيط لوضع حدٍّ لمسيرة مؤسس الحزب الحاكم ورئيس البلاد السابق مع الحزب، وتغيير اسم الحزب ونظامه وقيادته".

واعتبر الباحث أن هذه الخلافات والصراعات كادت تُفقد الحزب هويته، على الرغم من أن التيار الذي دعا إلى تغيير تشكيلة نواة الحزب لا يقصد بالضرورة التأثير على واقع الحزب الحاكم، بل إن رؤيته قد تكون استشرافية للمستقبل، تعكس طموح الشخصيات التي برزت في الحملة الانتخابية للرئيس ودعمته بقوة، وفي الوقت ذاته فهي تسعى إلى خلق تحالف يجمع كافة القوى الحزبية والمبادرات السياسية الداعمة للنظام".



 

المساهمون