ضمّ الضفة أمر واقع

ضمّ الضفة أمر واقع

09 أكتوبر 2019
يُخطط الاحتلال منذ عقود لضمّ الضفة (حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -
لم يعد الحديث حول ضمّ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية تهديداً يندرج ضمن الدعاية الانتخابية للأحزاب الصهيونية، بل هو يشكل خطةً متدرجة منذ عقود، تمهد لعملية الضمّ وتجعلها أمراً واقعاً. يشاهد الفلسطينيون كل يوم تقريباً اقتحام المستوطنين الإسرائيليين لمدنهم وبلداتهم وقراهم تحت سمع السلطة الفلسطينية وتنسيقها الأمني مع الاحتلال. هذه السلطة تسارع للانسحاب على سبيل المثال من مدن فلسطينية مركزية، مثل نابلس، كلّ شهر في موعد تجمع مئات المستوطنين لتأدية صلوات واحتفالات مستفزة في مقام أحد الأولياء الصالحين شرق المدينة، يُدعى "مقام يوسف"، لكن المستوطنين روّجوا لسنوات طويلة روايتهم الدينية بأن القبر يعود للنبي يوسف، وأن لهم أحقية دينية بالمكان.

عشرات الشهداء الفلسطينيين سقطوا في محيط المقام خلال مواجهتهم لجيش الاحتلال، الذي يؤمّن المكان لاقتحام المستوطنين، بعد انسحابٍ كامل لعناصر أمن السلطة من شوارع المدينة والمحيط المقصود، في فعلٍ يدلّ على التسليم بالأمر. عشرات المواقع الأثرية، إن لم يكن المئات منها، التي تعود لعصور الكنعانيين والرومان، والمقامات الإسلامية والمسيحية الموزعة في كل أنحاء الضفة الغربية، يتم اقتحامها بشكل منظم من قبل المستوطنين المسلحين، رجالاً ونساء، مع تدعيم عملية الاقتحام برواية دينية لتبرير سرقة هذه الأماكن ووضع اليد عليها، لتصبح بؤراً استيطانية أولاً، ثم مستوطنات لاحقاً، ما يُفقد الفلسطينيين بموجبه أي حق لهم فيها.

الأمر لا يقتصر على المواقع الأثرية والدينية، بل إن المحميات الطبيعية والأحراج في كل الضفة الغربية التي كان مخططاً لها أن تكون ضمن مناطق "ج"، أي تحت السيطرة الإسرائيلية الأمنية والإدارية الكاملة بحسب تقسيم اتفاق "أوسلو"، باتت ممنوعة على الفلسطينيين، وما وقع منها في مناطق "ب" تحت إدارة السلطة الفلسطينية بحكم الجغرافيا والامتداد الطبيعي، قام الاحتلال بليّ عنق الطبيعة، وألحق هذه الأراضي بالمستوطنات التي تمددت مثل سرطان على هذه الأراضي طيلة السنوات الماضية.

هكذا، تصبح الضفة الغربية عبارةً عن معازل "غيتوهات" إسمنتية تختنق بكتل بشرية ضخمة يغلق عليها الاحتلال بواباته الحديدية بإحكام متى شاء، أو يجعلها تحت "طوق يتنفس" كما هي الحال غالباً في الضفة التي فقدت كل امتداد أخضر لمدنها وقراها بفعل الاستيطان. ويحصل ذلك في ظلّ "حرب عطش" تلوح في الأفق، بعدما أحكم المستوطنون سيطرتهم على أهم ينابيع وعيون الماء.

لا يحتاج المستوطنون إلا لخريطة دقيقة لتحديد أهم عيون الماء وأكثرها تدفقاً في تلال الضفة الغربية، ليحضروا بيوتاً متنقلة ورواية يهودية لا جهد ولا عمق في تأليفها، ويضعوا يدهم على هذه العيون. وتحت حماية جيش الاحتلال، تتمدد هذه المستوطنة، وتنتعش بملايين الدولارات من الحكومة الإسرائيلية، لتكون مستوطنة اقتصادية يتم تعبئة مياه الينابيع التي تجثم عليها وبيعها إما للفلسطينيين العطشانين، أو تصدره إسرائيل لدول العالم.

كل ما يحتاجه الأمر رواية إسرائيلية مفبركة بعناية، وقوة من جنود الاحتلال المدججين بالسلاح، لحماية المستوطنين الغزاة، وحكومة إسرائيلية تدافع عن حقهم في الحياة بدعم أميركي غير محدود وصمتٍ عربي ودولي غير محدود أيضاً.