صراع مادورو والمعارضة: فنزويلا دولة برأسين

صراع مادورو والمعارضة: فنزويلا دولة برأسين

25 يناير 2019
مصير مجهول أمام فنزويلا (رومان كاماشو/Getty)
+ الخط -



كان متوقعاً أن تصل فنزويلا إلى ما وصلت إليه في اليومين الماضيين. تراكمات السنوات الماضية، سواء بعد وفاة الرئيس هوغو تشافيز في عام 2013، أو لضعف شخصية خلفه نيكولاس مادورو، معطوفة على الفساد الهائل الذي ينخر البلاد والعقوبات الأميركية المثقلة عليها، دفعت كاراكاس إلى مستوى جديد مع انقسام الشارع بين مادورو و"الرئيس بالوكالة" رئيس البرلمان، خوان غوايدو، الذي أقسم اليمين الدستورية أمس الخميس. بذلك، باتت فنزويلا عملياً أمام أحد الحلول الثلاثة: تنحّي مادورو، أو عقد حوار سياسي بين الرئيس والمعارضة قد يتضمن إجراء انتخابات جديدة، أو الانزلاق نحو الحرب الأهلية.

بدأ كل شيء يوم الأربعاء، مع انفجار الوضع بين مادورو والمعارضة بقيادة غوايدو. تسارعت الأحداث. سقط قتلى في مواجهات بين المحتجين ورجال الأمن. أعلن رئيس البرلمان نفسه "رئيساً بالوكالة". إعلان غوايدو جاء على خلفية ما اعتبرته المعارضة "انتهاء عهد مادورو في 10 يناير/كانون الثاني الحالي". المعارضة أصلاً لم تعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية، التي جرت في مايو/أيار الماضي، وفاز بها مادورو لولاية جديدة من 6 سنوات. قبل إعلان غوايدو "رئاسته" أمام أنصاره وبعده، تلقى دعماً غير مسبوق، من الولايات المتحدة تحديداً، ومن كندا. على أن الدعم الأبرز كان من 7 دول أميركية جنوبية، وهي: البرازيل، والأرجنتين، وتشيلي، والإكوادور، والبيرو، والباراغواي، وفيما اختارت الأوروغواي البقاء على الحياد، أيدت بوليفيا مادورو، الذي تلقى دعماً روسياً وتركياً وإيرانياً ومن النظام السوري، ومكسيكياً.

للأميركيين خيارهم: لا يريدون مادورو، وتؤيدهم في ذلك معظم دول أميركا الجنوبية، التي تحوّلت في الأعوام الماضية من معاقل اليسار إلى حصون يمينية، خصوصاً الأرجنتين والبرازيل. كما أن من هو مصنّف في اليسار، كالرئيس الإكوادوري، لينين مورينو، اختار الجانب الأميركي، في ظلّ صفقات عسكرية وُقّعت أخيراً. أما روسيا، التي تستثمر في قطاع النفط في فنزويلا، وسبق لها أن أرسلت قاذفات استراتيجية من طراز "تو-160" الشهر الماضي إلى هناك، فأعلنت دعمها لمادورو ووصفته بـ"الرئيس الشرعي". ووصفت كوبا ما يجري بأنه "محاولة انقلاب".

بالنسبة إلى المكسيك، فإن احتمال تدفق المزيد من اللاجئين إليها، على وقع تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتشييد جدار على الحدود بين البلدين، قد يؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية فيها. مع العلم أن مادورو قطع العلاقات مع الأميركيين، غداة دعم ترامب لغوايدو، وأعطى دبلوماسييها 72 ساعة لمغادرة البلاد.

أما بالنسبة للأوروبيين، فإن لكل منهم حساباته. إسبانيا التي اعتبرت أن "الانتخابات هي الحل الوحيد الممكن في فنزويلا"، صبّت اهتمامها تجاه أمن 200 ألف إسباني يعيشون هناك. أما فرنسا فقد أشاد رئيسها، إيمانويل ماكرون، أمس الخميس، بـ"شجاعة مئات الآلاف من الفنزويليين الذين يتظاهرون من أجل حريتهم"، في مواجهة "الانتخاب غير الشرعي لنيكولاس مادورو"، مؤكداً أن أوروبا "تدعم إعادة الديمقراطية إلى فنزويلا". من جهته، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى "الحوار في فنزويلا لمنع تصعيد يمكن أن يؤدي إلى كارثة". وقال على هامش منتدى دافوس الاقتصادي العالمي: "نأمل أن يكون الحوار ممكناً لتجنب تصعيد يؤدي إلى نزاع سيكون كارثياً لسكان البلاد والمنطقة". كما طالب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، بـ"إجراء تحقيق مستقل، وحثّ جميع الأطراف على إجراء حوار سلمي". وأضاف أن "الأمين العام يؤكد الحاجة الملحة لالتزام كل الأطراف المعنية بحوار سياسي شامل ذي مصداقية لعلاج الأزمة طويلة الأمد في البلاد".


وفي ظلّ المخاوف من احتمال تدهور الوضع نحو الصدام العسكري، أعلن الجيش دعمه "الثابت" لمادورو ورفضه إعلان غوايدو. وقال وزير الدفاع الجنرال فلاديمير بادرينو لوبيز، إن "الجيش يدافع عن دستورنا وهو ضامن السيادة الوطنية". كما ذكرت الحكومة أن "وزير الدفاع وكبار القادة العسكريين في المناطق سيعلنون دعمهم للرئيس الدستوري وللحفاظ على سيادة البلاد".

وسبق أن حاولت مجموعة من 27 جندياً التمرّد في ثكنة في شمال كاراكاس، لكن سرعان ما تم اعتقالهم. وفي أعقاب ذلك، سُجّل حوالي ثلاثين من أعمال الشغب في الأحياء الشعبية في كاراكاس وضواحيها. ومنذ الثلاثاء، ندد مادورو بما وصفه بأنه دعوة إلى "انقلاب فاشي" بعد التضامن الذي عبر عنه نائب الرئيس الأميركي مايك بنس مع المعارضة. وذكرت مؤسسة "أوراسيا غروب" أن "دعم القيادة العسكرية العليا هو شرط مسبق كي يتمكن غوايدو من قيادة عملية انتقال، وأن سقوط مادورو لا يبدو وشيكاً".

وفي ظلّ تأييد الجيش لمادورو، فإن تدخلاً ما من الفاتيكان أو النرويج قد يكون خطوة أساسية في تعبيد الطريق أمام حوار سياسي يفضي إلى انتخابات جديدة. وخبرة الكرسي الرسولي وأوسلو، تنبع من قيامهما بتنظيم الحوار الكولومبي ـ الكولومبي، منذ سنوات، ونجاحهما في تذليل العقبات بين بوغوتا والمسلّحين المعارضين لها. أما في حال تنحّى مادورو، وهو أمر لن يحصل، قياساً على الدعم الخارجي الذي تلقاه، فإنه سيُنهي التوترات فوراً. وفي حال قرر المواجهة العسكرية مع المعارضة، فإن مادورو سيواجه تدخلاً عسكرياً أميركياً، حذّرت منه روسيا. فالولايات المتحدة تريد حلاً سريعاً في فنزويلا، يُبقي على دائرة الأمان في قناة بنما من جهة، وعلى عدم تفاقم مشكلة اللجوء الفنزويلي في أميركا الجنوبية، حديقتها الخلفية، من جهة أخرى. الوقت هو عامل أساسي للأميركيين المستعجلين عكس الروس.

الأهم أن التصعيد الداخلي الفنزويلي، قد يؤدي إلى مشاكل في دول الجوار، فالبرازيل مثلاً، التي اختارت رئيساً يمينياً متطرفاً، تسعى لـ"مكافحة الإرهاب"، أي تحديداً المثلث الحدودي بين الأرجنتين والبرازيل والباراغواي، حيث ينشط أعضاء من حزب الله، بحسب الأميركيين. لا تريد برازيليا قضية "تعرقل" مهامها. بالنسبة إلى الأرجنتين، فإن التوترات الفنزويلية ستؤثر حكماً على الاقتصاد المتداعي أصلاً في بوينس أيريس، على المدى الطويل. أما كولومبيا، فإن حدودها الطويلة نسبياً مع فنزويلا، لا تسمح لها بتحولها لساحة قتال طويلة، تعرقل مساراً طموحاً صنعه السلام الكولومبي. ومع أن بعض الأنباء تحدثت عن أن "أي غزو أميركي لفنزويلا قد يأتي من كولومبيا"، إلا أن لا تأكيدات على ذلك، فضلاً عن أنه لا يمكن التنبؤ بمدى استعداد الولايات المتحدة أساساً لحرب طويلة الأمد على فم أميركا الجنوبية. الأكيد، أن فنزويلا اليوم لم تعد تشبه فنزويلا ما قبل يوم الأربعاء الماضي.



المساهمون