استثمار الإرهاب

استثمار الإرهاب

13 يناير 2019
تعيد التنظيمات المتطرفة تنظيم صفوفها (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
أظهرت العمليات المستمرة ضد التنظيمات المصنفة إرهابية في سورية، أن الأطراف الفاعلة في المشهد، الدولية والمحلية، والتي تصدرت معركة القضاء على الإرهاب واستئصاله من المنطقة، لم توفر فرصة لاستثمار هذا الإرهاب. وفي ذلك تفسير منطقي لعدم قدرة تحالف من أكثر من خمسين دولة، وقوى على الأرض تضم جيوشاً ومليشيات، من تحقيق نصر كامل على التنظيمات الإرهابية التي تم تشكيلها في سورية، وتمكّن هذه التنظيمات، رغم حصرها ضمن قطاعات ضيقة جداً من إعادة إنتاج نفسها والتمدد مجدداً حسب ما تقتضيه مصالح الدول والمجموعات التي تحاربها.
على مستوى محاربة تنظيم داعش تمكن جيش النظام السوري، المدعوم بغطاء جوي روسي،  من تحقيق انتصار على تنظيم داعش في بادية السويداء وحصر التنظيم في بقعة جغرافية صغيرة جداً إلا أنها لم تكمل مهمتها وتقضي على التنظيم نهائياً في تلك المنطقة، بل تم الإبقاء على جيب صغير بهدف استثماره لاحقاً حسب ما تقتضيه مصلحة النظام وروسيا. وفي منطقة شرق الفرات، تمكنت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب من دحر تنظيم داعش وطرده من نحو ثلث مساحة سورية لينحصر ضمن قريتين صغيرتين لا تتجاوز مساحتهما بضعة كيلومترات، لكن من دون أن تكمل "قسد" مهمتها وتقضي على ما تبقى من التنظيم.
وعلى مستوى محاربة التنظيمات الإرهابية الأخرى في شمال سورية تحديداً تنظيم "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) وأخواتها، يتبين أن التنظيم بدأ بالتمدد بشكل أكبر وتمكن من السيطرة شبه المطلقة على محافظة إدلب في الوقت الذي عُقِدت فيه اتفاقية بين تركيا وروسيا هدفها الأساسي "المعلن" هو القضاء على التنظيمات المتطرفة. كما أن التنظيمات المتطرفة الأخرى كحراس الدين والحزب التركستاني قد نمت بشكل أكبر في الوقت الذي كان يتم فيه الحديث دوليا عن محاربتها.
من كل ما تقدم، يبدو واضحاً أن عدم القضاء على الإرهاب والتنظيمات الإرهابية لا يتعلق بعدم قدرة الأطراف التي تحاربه على القضاء عليه، وإنما يرتبط بشكل أساسي بمصالح تلك الأطراف وبكيفية استثمارها لوجوده ولشكل هذا الوجود. نظام بشار الأسد، الذي يسعى لأن يكون شريكا دولياً في محاربة الإرهاب ويخوف بشكل دائم حاضنته الشعبية من بعبع الإرهاب، سيفقد كل مبرراته وحججه في حال قضى نهائياً على "داعش"، وكذلك قوات سورية الديمقراطية ستفقد كل مبررات دعمها أميركياً ودولياً في حال تم التخلص نهائياً من "داعش"، كما ستفقد مبرر البقاء في المناطق التي استولت عليها بحجة محاربة التنظيم.
أما الدول المتدخلة في الشأن السوري فيبدو أنها تستثمر بالتنظيمات المتطرفة بشكل أكبر من استثمار الأطراف المحلية.