أميركا: حروب كسر عظام من البيت الأبيض إلى الكونغرس

أميركا: حروب كسر عظام من البيت الأبيض إلى الكونغرس

07 سبتمبر 2018
وضع "مضطرب" لإدارة ترامب (كالا كيسلر/Getty)
+ الخط -

واشنطن مرتبكة اليوم كما لم تكن في أي وقت مضى. يسودها خوف حقيقي من انفجار أزمة طاحنة يحتاج اجتنابها إلى ما يشبه الأعجوبة. الكل يحذر ويتوقع الأسوأ في المدى القريب. حتى المقرّبين من الرئيس الأميركي دونالد ترامب والعاملين معه.

المقالة التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، قبل يومين، لأحد أركان إدارة ترامب من غير ذكر اسمه، تنطق بذلك. فقد كشفت أنّ الاعتراض على أدائه وصل إلى داخل مطبخ قراره، بعدما طفح كيل المحسوبين عليه.

المقالة التي طغت سيرتها على المشهد، في اليومين الماضيين، جمعت بين محاكمة رئاسة ترامب وتحديد أعطابها، والتحذير ودق جرس الإنذار من عواقب ممارساتها. وفي هذا السياق، لمّح الكاتب المجهول، الذي يجري البحث عن هويته، إلى احتمال نشوب أزمة دستورية إذا ما جرى اللجوء إلى خيار عزل الرئيس "بموجب التعديل الدستوري الـ25" الذي قال إنّه خيار "جرى همس بشأنه داخل الحكومة"، أي بين بعض الوزراء.

والمعروف أنّ هذا الإجراء شديد التعقيد؛ إذ يستوجب قيام نائب الرئيس، والوزراء، بطرح الموضوع على الكونغرس الذي تنبغي موافقته بثلثي مجلسي النواب والشيوخ. غالبية غير واردة في التركيبة الحالية للكونغرس، وعلى الأرجح لن تتوفر في تركيبته المتوقعة، بعد انتخابات 6 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إلا إذا كانت الحيثيات من النوع الذي لا جدال فيه.

السيناريوهات كثيرة حول شخص الكاتب الذي زعم أنّ غرضه التصحيح والتطمين بأنّ وجوده مع آخرين أمثاله إلى جانب الرئيس، ضمانة لضبط الشطط. يرجّح، بل يؤكد، أنّه من داخل الإدارة ومطلع عن قرب على الخلل وعارف بمواطنه ومخاطره.

التقديرات ترجّح أن يكون الكاتب من درجة وزير، مثل دان كوتس، مدير الوكالة الوطنية للاستخبارات، المشرفة على كافة الأجهزة الاستخباراتية الـ16. وثمة من لا يستبعد أن يكون جون كيلي رئيس جهاز الموظفين في البيت الأبيض، هو صاحب الاسم المكتوم. وقد يكون من رتبة مدير ومن جهاز البيت الأبيض.

التكهنات كثيرة. المؤكد تقريباً أنّ "نيويورك تايمز" لم تكن لتذكر أنّ صاحب المقالة "مسؤول كبير" لو كان أقل من وزير أو مدير عام. كما يُعتقد بأنّ مجهول الاسم ينتمي إلى فريق السياسة الخارجية وشؤون الأمن القومي، إذ أفرد في مقالته لهذا الملف حصة بارزة تناول فيها قضايا هامة، مثل العلاقات مع موسكو.


في هذا الإطار، انقسمت الردود بين من أثنوا على صاحب المقالة، من زاوية أنّه أطلق صرخة تحذير، علّها تؤدي إلى استدراك الأمور، وبين الذين وصفوا صاحب الصرخة بـ"الجبان" الذي آثر التخفّي والبقاء في الإدارة، بدل الاستقالة ومكاشفة الشعب الأميركي بالحقائق التي زعمها.

ثمة سيناريو آخر، لا يستبعد أن تكون المقالة لعبة لجأ إليها البيت الأبيض لتغيير الحديث، وإزاحة الأضواء عن كتاب بوب وودورد "الخوف: ترامب في البيت الأبيض"، الحافل بقصص المناكفات والنفور والطعن والتراشق بالألقاب المسيئة بين ترامب وأركان الإدارة، وبما يعزّز صدقية التحقيقات الروسية وما قد تنتهي إليه من خلاصات كاسرة. لكن هذا الاحتمال ضعيف من باب أنّ مثل هذا التكتيك لا ينطلي على "نيويورك تايمز" التي لا بد أن تكون قد تأكدت من هوية الكاتب وموقعه، قبل الموافقة على النشر.

البيت الأبيض اعتبر القصة كلها ملفّقة، وأن كاتبها ليس سوى "خائن" ومفبرك لمزاعمه، وأنّ العملية ليست سوى انقلاب داخلي ومؤامرة على الرئيس. لكن علامات الضيق والارتباك لم تكن خافية على الإدارة، وبما يدل على أنّ المقالة كتبت بقلم واحد من أهل البيت.

يعزز ذلك أنّ البيت الأبيض دارت شكوكه، كما تردد، حول بعض الأسماء من كبار المسؤولين الذين سارعوا إلى التبرؤ من المقالة. من بينهم نائب الرئيس مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو الذي يقوم بزيارة للهند.


المهم في الأمر ليس الكاتب بل المكتوب، وموقع صاحبه كمسؤول في الإدارة، بصرف النظر عن اسمه. فما قيل من شأنه تعزيز الصورة السائدة عما يجري داخل البيت الأبيض، وبما يعطي شحنة من الزخم لخصوم الرئيس، خاصة إذا فازوا في الانتخابات، بعد شهرين، بالأكثرية على الأقل في مجلس النواب.

في هذه الحالة، تنتقل الأزمة من التوتر إلى حرب كسر عظم، وتصفية سياسية واسعة، ليس فقط مع البيت الأبيض، بل أيضاً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في الكونغرس. والبوادر تتراكم بسرعة. أمس، في جلسة الاستماع والاستجواب مع القاضي بريت كافانو الذي رشّحه ترامب لعضوية المحكمة العليا، هدّد الجمهوريون أحد أعضاء اللجنة، السيناتور الديمقراطي كوري بوكر، بالطرد من مجلس الشيوخ إذا كشف عن معلومات مصنفة سرية عن القاضي.

في سابقة من نوعها، تحدّى بوكر الجمهوريين وكشف عن الوثائق التي حجبها الجمهوريون، لئلا تؤثر في موافقة مجلس الشيوخ على التعيين، بينما لم يتضح بعد ما إذا كان الجانب الجمهوري ينوي المضي بإجراءات الطرد التي قد تصب الزيت على النار.

المشهد ملتهب من كافة جوانبه. تداخلت فيه تطورات التحقيقات الروسية المثيرة لقلق البيت الأبيض، مع الانتخابات القريبة للكونغرس المتأزم أصلاً، مع وضع الإدارة المضطرب، لتنتج معادلة يجمع المراقبون على وصفها بأنّها "لا تحتمل... ولا تتحمل الاستمرار فيها".