طور قانوني للأزمة الخليجية: بداية الحسم القضائي الأسبوع المقبل

طور قانوني للأزمة الخليجية: بداية الحسم القضائي الأسبوع المقبل

22 يونيو 2018
حكم المحكمة ملزم لقطر والإمارات (يان هينوب/فرانس برس)
+ الخط -


تدخل الأزمة الخليجية، التي تشهد جموداً سياسياً بانتظار سبتمبر/ أيلول المقبل، الموعد المرتقب وغير المؤكد للقمة الخليجية ــ الأميركية، طوراً قانونياً، ببدء محكمة العدل الدولية في لاهاي النظر، يوم الأربعاء المقبل، في جلسات استماع علنية، في القضية التي رفعتها قطر ضد الإمارات، متهمة إياها بالتمييز ضد رعاياها.

وفي الوقت الذي تتواجه فيه قطر والإمارات قانونياً، لا توجد أية مؤشرات توحي بأن ثمة حلحلة في الأزمة، التي دخلت عامها الثاني، إذ تتمترس دول الحصار خلف مطالبها الـ13 التي ترفضها الدوحة، وترى فيها انتهاكاً لسيادتها وفرضاً للوصاية عليها، وتدعو، في الوقت ذاته، للجلوس حول طاولة الحوار من دون شروط مسبقة. وحسب بيان لمحكمة العدل الدولية، ستعقد المحكمة جلساتها من 27 إلى 29 يونيو/ حزيران الحالي، وستستمع إلى مرافعات الطرفين لكشف ملابسات القضية، كما ستنشر المحكمة بيانا بعد كل جلسة. وكانت قطر قد رفعت دعوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، تنص على أن إجراءات الإمارات بحق الرعايا القطريين "أدت إلى تأثير مدمر على حقوق الإنسان بالنسبة للقطريين والمقيمين في قطر"، واعتبرت تلك الإجراءات انتهاكاً للقانون الدولي.

وتطالب الدوحة بإلغاء الإجراءات التي اتخذتها أبوظبي على خلفية قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر منذ 5 يونيو/ حزيران العام 2017، وطلبت من المحكمة أن تأمر الإمارات بتنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاقية، وذلك بوقف العمل بهذه الإجراءات وإلغائها وإعادة حقوق القطريين، وأن تصلح الإمارات الأضرار، بما يشمل التعويض. واعتبرت الحكومة القطرية أن "الإمارات طبقت سلسلة إجراءات تمييزية ضد القطريين، شملت طردهم من الإمارات، ومنعهم من دخولها أو المرور بها، وإصدار أوامر لمواطني الإمارات بمغادرة قطر، وإغلاق المجال الجوي والموانئ البحرية الإماراتية أمام الدوحة". وأكدت قطر أن هذه الإجراءات شكلت انتهاكاً للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، بما فيه التمييز على أساس الجنسية، وهي اتفاقية وقعت عليها الإمارات وقطر. وكانت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية القطرية، لولوة راشد الخاطر، قد قالت، في تصريحات صحافية، إن "الدعوى التي أقامتها دولة قطر أمام محكمة العدل الدولية كانت بموجب اتفاقية القضاء على التمييز العنصري، التي وقعت عليها الدولتان، وبالتالي فكلتاهما خاضعة لإجراءات هذه المحكمة وقوانينها بموجب هذه الاتفاقية". وأوضحت أن الملف قائم على أسس قانونية صرف "وبالتالي فنحن واثقون من موقفنا في هذا المجال لصالح استعادة حقوق المواطنين القطريين".


قرار ملزم للمحكمة

ووفق عضو مجلس إدارة جمعية المحامين القطريين حواس الشمري، فإن الحكم المتوقع لمحكمة العدل الدولية في هذه القضية ملزم للطرفين، قطر والإمارات. وأوضح الشمري، لـ"العربي الجديد"، أن "المادة 94 من الفصل الرابع عشر من ميثاق الأمم المتحدة، تنص على تعهد كل عضو من أعضاء الأمم المتحدة أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفاً فيها"، وأنه "إذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا المجلس، إذا رأى ضرورة لذلك، أن يقدم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم". وأضاف الشمري "رتبت المادة ذاتها في الفقرة الثانية منها الإجراء المتبع من الطرف المحكوم له في حال امتناع الطرف المحكوم عليه تنفيذ الحكم، ويتمثل هذا الإجراء في لجوء الطرف المحكوم له إلى مجلس الأمن، والذي بدوره سيقدم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ حكم محكمة العدل الدولية. فمجلس الأمن ملزم بأن يوصي أو يتخذ ما يراه مناسباً من تدابير وفق قرار يصدر عنه حال لجوء الطرف المحكوم له لمجلس الأمن بسبب امتناع الطرف المحكوم عليه عن تنفيذ الحكم".

وحسب قانونيين قطريين، فإن الجلسة الأولى لمحكمة العدل الدولية في هذه القضية، المقرر عقدها في 27 يونيو الحالي، ستكون عامة للاستماع إلى مرافعة قطر، التي سيقدمها الوكيل القانوني لدولة قطر، محمد الخليفي، التي توثق الانتهاكات التي ارتكبتها الإمارات في حق دولة قطر وشعبها، استناداً إلى تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وعدد من المنظمات الحقوقية الدولية، فضلاً عن شهادات حية وموثقة لضحايا الانتهاكات الإماراتية. واعتذر وكيل دولة قطر، محمد الخليفي، عن الرد على أسئلة "العربي الجديد" حول القضية، وقال في رد مكتوب إنه "من غير الممكن لوكيل الدولة التصريح قبل البدء بالقضية". وستخصص المحكمة جلساتها في اليوم الثاني للاستماع إلى الرد الإماراتي، من خلال وكيلها القانوني، على الدعوى القطرية، فيما تعقد المحكمة جلستي استماع في 29 يونيو الحالي للاستماع لكل من قطر والإمارات واستكمال الدفوع وتقديم الوثائق والمستندات للرد على ما يثيره كل طرف من وقائع واتهامات، قبل تحديد موعد للإعلان عن قرار المحكمة، والذي سيصدر، حسب قانونيين، خلال بضعة أسابيع. ولا تستطيع الإمارات في مرافعتها الدفع بعدم اختصاص المحكمة الدولية، لأنها قبلت سلفاً باختصاصها، ولا يمكنها نفي وقائع الدعوى القطرية، مع العلم أن السعودية والبحرين ومصر وقعت على الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري لكنها لم تقبل باختصاص محكمة العدل الدولية وتحفظت عليه، وهو ما دفع قطر إلى رفع الدعوى القضائية ضد الإمارات فقط. لكن صدور حكم ضد الإمارات من قبل المحكمة سيكون بمثابة إدانة سياسية تلقائية للسعودية والبحرين ومصر، لأن هذه الدول اتخذت الإجراءات التمييزية نفسها ضد قطر.

ووفقاً للنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، فإنه "إذا تخلف أحد الطرفين عن الحضور، أو عجز عن الدفاع عن مدَّعاه، جاز للطرف الآخر أن يطلب إلى المحكمة أن تحكم له بطلباته"، وتفصل المحكمة في القضية "برأي الأغلبية من القضاة الحاضرين، فيما يكون الحكم نهائياً وغير قابل للاستئناف"، و"لا يقبل التماس إعادة النظر في الحكم إلا بسبب تكشف واقعة حاسمة في الدعوى كان يجهلها عند صدور الحكم كل من المحكمة والطرف الذي يلتمس إعادة النظر، على ألا يكون جهل الطرف المذكور لهذه الواقعة ناشئاً عن إهمال منه". وتتشكل محكمة العدل الدولية من 15 قاضياً تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لولاية من تسع سنوات، وتجرى انتخابات كل ثلاث سنوات على ثلث المقاعد، ويجوز إعادة ترشيح القضاة المتقاعدين، ولا يمثل أعضاء المحكمة حكوماتهم، لكنهم قضاة مستقلون. ويتعين على القضاة أن تكون لديهم المؤهلات المطلوبة لشغل أعلى المناصب القضائية في بلادهم، أو أن يكونوا رجال قانون ذوي كفاءة معتبرة في القانون الدولي. ويجب أن تعكس تشكيلة المحكمة تمثيل الحضارات الرئيسية والأنظمة القانونية الأساسية في العالم. ويترأس محكمة العدل الدولية القاضي الصومالي عبد القوي أحمد يوسف، ونائبته الصينية شاو هانكين، وتضم المحكمة 13 عضواً آخرين، منهم القاضي المغربي محمد بنونة، والقاضي اللبناني نواف سلام.

توثيق قطري للانتهاكات

ووثقت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، منذ الخامس من يونيو 2017، في تقارير رسمية أصدرتها، الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون القطريون والمقيمون في قطر، وكذلك مواطنو دول الحصار، بسبب الإجراءات التي قامت بها الإمارات، ومعها السعودية والبحرين ومصر. ووفق بيانات رسمية للجنة، فقد حرمت الإمارات 936 قطرياً من الحقوق المدنية المكفولة لهم بموجب القوانين الدولية، ومنعت 458 مواطناً من التصرف في ممتلكاتهم العقارية، ببيعها أو تأجيرها أو تحصيل أرباحها، ومنعت 348 قطرياً من التنقل بحرية وحرمتهم من الاستفادة من عوائد المصالح التجارية التي كانوا يعملون فيها، ومزقت النسيج الاجتماعي لـ82 أسرة قطرية مختلطة، وأغلقت الحسابات الجامعية لـ148 طالباً قطرياً يدرسون في جامعات الإمارات. وحسب إحصاءات صادرة عن الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، فقد بلغ المجموع التراكمي للقطريين الذين يمتلكون عقارات في دول المجلس نحو 16834 قطرياً، منهم 12112 تملكوا في الإمارات، فيما بلغ عدد عقارات المستثمرين القطريين في دبي وحدها 1006 عقارات في العام 2016، ولامست قيمة الاستثمارات العقارية القطرية في الإمارة نحو ملياري درهم إماراتي. ووثقت اللجنة الوطنية في تقاريرها المواد القانونية التي تجاوزتها الإمارات، وأهمها خرق 12 مادة قانونية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و8 مواد قانونية في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، و4 مواد قانونية للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والمادة 4 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وخرق 13 مادة في الميثاق العربي لحقوق الإنسان، و6 مواد قانونية لإعلان حقوق الإنسان بمجلس التعاون الخليجي.