مقدونيا تلد مقدونيا الشمالية: الإسكندر الذي أعاق العضوية الأوروبية

مقدونيا تلد مقدونيا الشمالية: الإسكندر الذي أعاق العضوية الأوروبية

18 يونيو 2018
وقع تسيبراس وزايف الاتفاق (ماجا زلاتفسكا/ فرانس برس)
+ الخط -
لم يشفع مرور 27 سنة لحل الخلاف بين أثينا وسكوبيي بشأن اسم دولة مقدونيا، حتى اضطرت السلطات إلى تعديل اسم الدولة من "جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة" إلى "مقدونيا الشمالية"، كمقدمة لرفع الحظر اليوناني عن دخولها إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. ويهدف الاتفاق إلى تكريس تخلي مقدونيا عن أي مطمع بالإقليم اليوناني الذي يحمل الاسم نفسه، وكذلك عن استيلائها على جزء من الإرث التاريخي لمقدونيا القديمة التي يجسدها الإسكندر (المقدوني) الأكبر. واتفق الطرفان على استخدام الاسم الجديد دولياً وفيما بينهما أيضاً، حتى تتبنى الدول التي اعترفت بها، والتي يبلغ عددها أكثر من 140 دولة، الاسم الجديد، أي مقدونيا الشمالية. واتفقا كذلك على استخدام الاسم الإنكليزي، والمصطلح السلافي أيضاً. وكانت الدولتان قد رفضتا عدداً من الأسماء البديلة، من بينها مقدونيا العليا، ومقدونيا الجديدة.

ومنذ أعلنت مقدونيا استقلالها في عام 1991، عارضت أثينا استخدام جارتها اسم مقدونيا، لأنها تعتبر أن هذه التسمية تعود لإقليم يقع في شمال اليونان، الذي كان في الماضي مهد إمبراطورية الإسكندر المقدوني الذي لا يزال مصدر فخر كبيراً لليونانيين. واليونان على خلاف مع مقدونيا منذ 1991 بسبب اسم الجمهورية اليوغوسلافية السابقة وتقول إن الاسم قد يتضمن مطالبة بأراضٍ في إقليم مقدونيا اليوناني وسلب ثقافة وحضارة اليونان. واسم مقدونيا مستخدم بالفعل في المنطقة الشمالية من اليونان، التي تشمل ثاني أكبر مدينة في البلاد، وهي تسالونيك. ومع تبني الأمة السلافية الوليدة عقب انهيار يوغوسلافيا في عام 1991 الاسم نفسه، شعر كثير من اليونانيين بالغضب، وساورتهم شكوك بشأن طموحات جارتهم في بعض الأراضي. ولم يهدئ سلوك المقدونيين الجدد الأمر، بل زاده اشتعالاً عندما أطلقوا على المطار الرئيسي في العاصمة سكوبيي، اسم البطل الإسكندر المقدوني، واستخدموا الاسم نفسه لتسمية الطريق السريع المار من صربيا إلى حدود اليونان، لكن مقدونيا عادت وغيرت اسم المطار، كما غيرت اسم الطريق السريع إلى "الصداقة". وكانت مقدونيا، في عهد الإسكندر، تهيمن على اليونان وما وراءها أيضاً. وقد أوضح الاتفاق أن شعب مقدونيا الشمالية لا علاقة له بالحضارة اليونانية القديمة، وأن لغتها تنتمي إلى الأسرة السلافية، ولا علاقة لها بالتراث اليوناني القديم.

ووقع وزيرا خارجية اليونان، ألكسيس تسيبراس، ومقدونيا، زوران زايف، في قرية بساراديس الحدودية أمس الأحد، اتفاقاً تاريخياً ينهي خلافاً استمر 27 سنة ويقضي بتغيير اسم "جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة" إلى "مقدونيا الشمالية". ومن المفترض أن يسمح هذا الاتفاق الذي يدخل حيّز التنفيذ بعد ستة أشهر مبدئياً، برفع الحظر اليوناني عن انضمام سكوبيي إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. من الجانب المقدوني، يجب أن يصادق عليه البرلمان وأن تتم الموافقة عليه عبر استفتاء وأن يسجّل رسمياً عبر مراجعة دستورية. وبعدها، يفترض أن يقرّه البرلمان اليوناني. وشاركت جهات راعية للاتفاق في الحفل الذي أقيم على ضفاف بحيرة بريسبس الحدودية، بينها تسيبراس وزايف بالإضافة إلى مفاوض الأمم المتحدة، ماثيو نيميتز، ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني. وقال تسيبراس "نقوم في هذا اليوم بواجبنا الوطني. خطوة تاريخية لختم جراح الماضي، فتح الطريق إلى التنسيق بين بلدينا، البلقان وكل أوروبا". وأضاف "هذه الخطوة لا يجب أن تبقى معلقة، لأننا نعطي مثالاً لبناء المستقبل ضد الكراهية". وحذر من أنه في حال تمت عرقلة الاتفاق من الجانب المقدوني، سيتوقف انضمام سكوبيي إلى الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الأطلسي. واعتبر زايف، من جهته، أن لهذا الاتفاق "أهمية استراتيجية ويمكنه أن يهزّ جبالاً" لتحقيق الاستقرار والازدهار.

لكن الأجواء السياسية تشهد توتراً شديداً في البلدين. وتثير القضية مشاعر العديد من اليونانيين. وكان تسيبراس قد نجا من اقتراع على سحب الثقة نظمته المعارضة في البرلمان، لكن المعارضة الشعبية للخطوة قوية. وجاء التصويت بواقع 153 مقابل 127 في البرلمان المكون من 300 مقعد، أول من أمس، ضد اقتراح حجب الثقة عن الحكومة التي يقودها اليساريون بشأن اتفاق إعادة تسمية الجمهورية الاشتراكية السابقة إلى مقدونيا الشمالية. وصوت مشرع واحد من الشريك الأصغر في الحكومة الائتلافية، حزب اليونانيين المستقلين القومي، لصالح الاقتراح. ويعد الحزب منتقداً بشدة لاتفاق الاسم. وقدم مذكرة حجب الثقة حزب الديموقراطية الجديدة المحافظ الذي يعتبر أن التسوية التي تم التوصل إليها تشكل "تراجعاً وطنيا". وقال زعيمه كيرياكوس ميتسوتاكيس في البرلمان "لن نقسم اليونانيين من أجل توحيد" المقدونيين. ويرى محللون أن ميتسوتاكيس الذي يتقدم على تسيبراس في استطلاعات الرأي، يريد الاستفادة من غضب الناخبين القوميين. وشدد حزب الديموقراطية الجديدة خلال سنوات حكمه من 2004 إلى 2009 على ضرورة تسوية الخلاف حول تقاسم اسم مقدونيا، لكنه يرى الآن أن حكومة تسيبراس قدمت تنازلات أكبر في هذا الملف "بقبولها بلغة وجنسية مقدونيتين" تبناهما الجيران بحكم الأمر الواقع منذ أكثر من نصف قرن. وأظهر استطلاع رأي، نشرته صحيفة "بورتو ثيما" أول من أمس، أن نحو 70 في المائة من اليونانيين يعارضون التنازلات المقدمة في هذا الاتفاق. واحتشد آلاف المحتجين أمام مبنى البرلمان ورددوا هتافات تقول "خائن"، في إشارة إلى تسيبراس، في حين كان النواب يتباحثون بالداخل. كما تخللت المظاهرة هتافات مثل "مقدونيا يونانية". وهذه التظاهرة هي الثانية بعد أن خرج نحو 300 ألف شخص للاحتجاج في 21 يناير/ كانون الثاني الماضي في سالونيك عاصمة منطقة مقدونيا اليونانية.

في الجانب المقدوني تبدو تسوية القضية نهائياً بعيدة، إذ إن اليمين القومي الذي يعارض الاتفاق أكد تصميمه على إفشاله. وكان قد تظاهر آلاف من مؤيدي اليمين القومي في سكوبيي، أخيراً، ضد تغيير اسم بلدهم. وجرت التظاهرة بدعوة من "المنظمة الثورية المقدونية الداخلية-الحزب الديموقراطي للوحدة الوطنية لمقدونيا" (يمين القومي)، أكبر حزب معارض في مقدونيا. وقال زعيم الحزب هريستيان ميتسكوسكي إن حزبه "لن يدعم تعديلاً للدستور لتغيير الاسم الدستوري لمقدونيا ونحن واضحون جداً في هذا الشأن".

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)