"روسيا ــ غيت"... بين محكمتي القانون والشارع

"روسيا ــ غيت"... بين محكمتي القانون والشارع

06 مايو 2018
يتخوف فريق ترامب الحقوقي من تقلبات الرئيس(أندرو راينولدز/فرانس برس)
+ الخط -


بعد نحو أسبوع، يقرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الملف النووي الإيراني. وبعده بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع، من المتوقع أن تنعقد قمة ترامب – وزعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، حول الملف النووي الكوري الشمالي. ومن المفترض أن تكون واشنطن مشغولة الآن بالملفين الخطيرين. لكن على الساحة ما هو أخطر، إذ خطفت "روسيا ــ غيت" الأضواء والاهتمامات من الاثنين، وتطغى سيرتها على كل ما عداها في اللحظة الراهنة، وهي قد بلغت محطة قد تتحول معها إلى "نووي" قانوني وسياسي، يؤدي انفجاره إلى وضع واشنطن في ورطة مستعصية تثير مخاوف حقيقية.

والمفاوضات الجارية منذ أشهر بين مكتب المحقق الخاص بالتدخل الروسي المحتمل بالانتخابات الرئاسية في العام 2016، روبرت مولر، وبين فريق محامي ترامب، حول استجواب الأخير في قضية التدخل الروسي في الانتخابات، قد وصلت إلى طريق مسدود. ففي البداية أعرب ترامب عن ترحيبه واستعداده للجلوس مع المحققين والإدلاء بإفادته، لكن فريق محاميه انقسم حول الموضوع، إذ نصح معظمه، بل وأصرّ على اكتفاء الرئيس بالإجابة على أسئلة خطية. لكن الصيغة لم تحظ بالقبول واستقر الرأي، بعد تغييرات في فريقه القانوني، على صرف النظر عن صيغة الاستجواب الشخصي المباشر خشية تفوه الرئيس، بحكم تقلباته وتسرعه في سرد الوقائع، بشهادة مغايرة للحقيقة تؤدي إلى إدانته.

لكن مولر لم يصرف النظر عنها، خصوصاً بعد تكشف المزيد من التوابع المتناسلة من أو المتداخلة مع الملف. وقبل أيام جرى تمرير معلومات إلى صحيفة "نيويورك تايمز" بأن المحقق ينوي طرح 49 سؤالاً  على ترامب، وأنه يعتزم تسطير مذكرة استدعاء قضائي للرئيس يلزمه بالاستجواب. قامت الدنيا في أوساط المحافظين وأنصار الرئيس الذي بادروا إلى تطويق هذا الاحتمال بالعمل على خطين: الأول تمثل بقيام كتلة نيابية من أقصى اليمين بطرح مشروع قرار في مجلس النواب لعزل نائب وزير العدل، رود روزنستاين، المشرف على تحقيقات مولر. والإطاحة به تفسح المجال لتعيين مناصر للرئيس مكانه ليقوم بإقالة مولر. لكن المشروع يلزمه موافقة ثلثي مجلس الشيوخ، وبالتالي فإنه محكوم بالفشل. والثاني، تجلّى في خوض معركة قانونية ــ دستورية على يد محامين ومسؤولين سابقين كبار مثل رئيس بلدية نيويورك السابق، رودي جولياني، ومساعد الرئيسين السابقين، ريتشارد نيكسون ورونالد ريغان والمرشح الرئاسي السابق باتريك بوكانان، لنسف مسوغات الاستدعاء بذريعة لا قانونيته وادعاء بطلانه، وبالتالي دعوة الرئيس إلى تجاهل المذكرة وعدم التجاوب معها لو صدرت.

وهنا تكمن بدايات أزمة مفتوحة. ففي هذه الحالة يبقى أمام مولر دعوة الرئيس الرافض، الحضور أمام هيئة محلفين للإدلاء بما لديه من معلومات في القضية. وحيث أن الشاهد يقدم إفادته أمام هذه الهيئة تحت اليمين، فإن التحريف خلالها يعتبر شهادة زور يعاقب عليها القانون كجريمة. وفي ذلك بداية لمحاكمة الرئيس في الكونغرس. ويزعم فريق ترامب أن للرئيس امتيازا خاصا يستثنيه من المثول أمام هذه الهيئة. صحيح أن الدستور يخلو من نص يتعامل مع هذه الحالة، لكن سبق للمحكمة العليا أن حسمت في هذا الخصوص، حين قضت بالإجماع، 8 مقابل صفر، في العام 1974 بضرورة مثول نيكسون والاستجابة لمثل هذا الاستدعاء. وحسمها هذا يمنح طلب مولر، حين يصدر، قوة قانونية تكفل تنفيذه. ومع ذلك، وحتى لو وصل التقاضي إلى المحكمة العليا وقضت هذه الأخيرة بوجوب حضور الرئيس أمام هيئة المحلفين (وهو ما يرجحه المراقبون) فإن أنصاره مصرون على مطالبته بالتمرد، حتى على المحكمة العليا ونقل المسألة إلى محكمة "الشارع" كما يقول بوكانان. في "بلد القانون" يجري الحض علناً على القانون. يؤشر ذلك ليس فقط إلى مدى التهاب أزمة "روسيا ــ غيت" بل أيضاً إلى مدى التدهور الخطير في النظام الأميركي الذي يقول التاريخ إن الغلبة تبقى له في نهاية المطاف، كما أثبتت تجربة الحرب الأهلية بين العامين 1860 و1865. لكن ذلك لا يقلل من خطورة التجربة الراهنة.

المساهمون