الحوثيون وملامح خسارة الحديدة: هل يتغير مسار حرب اليمن؟

الحوثيون وملامح خسارة وشيكة في الحديدة: هل يتغير مسار حرب اليمن؟

29 مايو 2018
مصير الحديدة ينجلي في الأيام المقبلة (جيل كلارك/Getty)
+ الخط -


بين خطابي القيادي البارز صالح الصماد في الساعات الأخيرة قبل مقتله في أبريل/نيسان الماضي، وزعيم جماعة "أنصار الله"، عبدالملك الحوثي، يوم الأحد الماضي، ملامح تحكي رعب ما قد يبدو الأشهر الأخيرة للحوثيين في محافظة الحديدة، إذ يبدو أن الجماعة في طريقها لخسارة ثاني أهم المدن الخاضعة لسيطرتها بعد صنعاء، في تطورٍ يكاد يكون التحول الأهم، الذي سيترك خارطة جديدة للحرب الدائرة منذ سنوات في البلاد، ومعها جهود الحل الرامية لإعادة الأطراف اليمنية قريباً إلى طاولة المشاورات.

ووفقاً لمصادر محلية وعسكرية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن "وحدات قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية ومجاميع القوات المدعومة من التحالف بدعم من التحالف بواجهة إماراتية، باتت على بعد كيلومترات معدودة، من مدينة الحديدة، مركز المحافظة اليمنية الحيوية، بعد أن حققت انتصارات بوتيرة متسارعة، خلال الأيام الأخيرة، إلا أن الحوثيين في المقابل، كثفوا انتشارهم في شوارع المدينة ومناطق متفرقة، استعداداً لما قد يجعل المعركة مكلفة، على الأقل".

وأشارت مجمل الروايات العسكرية المعززة بخارطة ومسار المواجهات خلال الأسابيع الأخيرة، إلى "تضافر عدد من العوامل قادت إلى انتكاسة ميدانية للحوثيين في جنوب الحديدة. أولها الخسائر التي تكبّدتها الجماعة خلال الأشهر الماضية، وجعلت سيطرتها مهددة في كل الأحوال، في ظل الضربات الجوية اليومية التي تتعرض لها مواقعهم دون غطاء جوي. كما تآزر عدد من القوات (أبرزها ألوية العمالقة المؤلفة بالغالب من الجنوبيين أو ما يُسمى بالمقاومة الجنوبية، والمقاومة التهامية والقوات الموالية لطارق صالح)، في مقابل عدم توفر الحاضنة الشعبية الكافية بالنسبة للحوثيين في أوساط سكان مدينة الحديدة كأغلب المدن والمناطق اليمنية التي توسعت فيها الجماعة منذ عام 2014. وما كان لها أن تبقى من دون تحالفها الذي انهار مع حزب المؤتمر برئاسة علي عبدالله صالح. بالتالي فإن خسائر الحديدة، جزء لا يتجزأ من العوامل المنطقية المترتبة على أحداث صنعاء نهاية العام الماضي".

وعلى الرغم من أن تقدم الشرعية، لا يزال مهدداً، مع بقاء سيطرة الحوثيين على أغلب مديريات المحافظة الساحلية الأهم في اليمن، بالنسبة للشمال والغرب، على وجه خاص، إلا أن زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي وفي خطوة غير متوقعة، سارع إلى الإقرار بخسائر تكبدها مقاتلو الجماعة في الساحل الغربي. وتضمن خطابه مساء الأحد الماضي، ما اعتبره مراقبون تمهيداً للإقرار بهزيمته في الحديدة أمام أتباعه، على غرار اعتبار أن التراجع في بعض المحافظات لأسباب موضوعية والاستشهاد بخسارة الجماعة للمحافظات الجنوبية (أواخر 2015)، للدلالة على أن التراجع لا يعني نهاية المعركة، واستخدم عبارات على غرار أن "الاختراقات قابلة للاحتواء"، وأن "التقدم يمكن أن يسقط"، وغيرها من التعبيرات والتصريحات، التي كان مضمونها مؤشرا إلى أن الجماعة في طريقها لخسارة الحديدة وأنها بدأت بتحضير أتباعها لاحتمال حصول ذلك، على الرغم مما تضمنه الخطاب، من أن "العدو يستطيع أن يفتح معركة في الحديدة لكن يستحيل عليه أن يحسمها".



ومن أبرز ما كشف عنه الحوثي في الخطاب الذي وُصف بأنه خطاب إقرار أو تمهيد للهزيمة، التلميح إلى أن "جماعته لا تزال تسيطر على مناطق الثقل الاستراتيجي"، في إشارة إلى المحافظات الشمالية في صنعاء ومحيطها. وكأن الجماعة بدأت بالانتقال إلى مرحلة إحصاء ما تبقّى من مناطق خاضعة لها وما الذي تمثله أو يمكن أن تفعله أمام خسائر كبيرة في الساحل الغربي. وبالإضافة إلى ذلك شدّد الحوثي على أن "معركة الحديدة، معركة أميركية بامتياز". الأمر الذي يسلط الضوء على الموقف الدولي، الذي طالما كان عاملاً رئيسياً في الضغط على التحالف لوقف أي عملية عسكرية نحو الحديدة، باعتبارها الشريان الذي تصل إليه غالبية الواردات التجارية والمساعدات الإنسانية، وخفتت نسبياً لهجة التصريحات الدولية المعارضة للتقدم في الحديدة، في الأسابيع الأخيرة على الأقل، مع تسريبات بـ"ضوء أخضر"، من بعض الأطراف الدولية الفاعلة للتحالف بدعم التقدم نحو الحديدة.

ومن زاوية أخرى، فإن خسارة الحوثيين للحديدة إذا ما اكتملت فعلياً، بدأت ملامحها فعلياً مع مقتل الرئيس السابق لـ"المجلس السياسي الأعلى"، صالح الصماد، كأعلى رجل في واجهة سلطة الحوثيين بمناطق سيطرتها، وفي خطابه الأخير الذي سبق مقتله، بساعتين تقريباً، تحدث الصماد أمام جمع من مسؤولي السلطة المحلية والأجهزة الأمنية والعسكرية في مدينة الحديدة. وكانت ملامح الاستنفار والخوف واضحة على ملامحه قائلاً: "من المهم جداً أن يستوعب الإخوة في الحديدة هذه التطورات الجديدة، أنه لا بد أن يشهد هذان الشهران زخماً قوياً، وحالةَ استنفارٍ من الجميع رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً"، فيما كانت طائرات التحالف تستعد لاستهدافه بضربة نوعية بعد خروجه من مكان الاجتماع.

ومع تواتر مؤشرات خسارة الحوثيين للحديدة، بعد أكثر من عام على إعلان التحالف والحكومة، أنها الهدف التالي للعمليات العسكرية في الساحل الغربي، بعد المناطق الساحلية لتعز (المخا وذوباب قرب باب المندب)، فإن تحولاً محورياً على صعيد الحرب اليمنية ظهرت ملامحه، فتطورات الأيام الأخيرة، هي الحدث الأهم منذ انهيار تحالف الحوثيين وصالح ومقتل الأخير، كما أن خسارة الحديدة، يمكن أن تكون التطور الميداني الأهم على مسار الحرب اليمنية، منذ انسحاب الحوثيين وحلفائهم من عدن ومحيطها في النصف الأخير من عام 2015.



في هذا السياق، اعتبر الباحث علي محمد الذهب، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أهمية تقدم الجيش في جبهة الساحل تتحدد بأمرين رئيسين، هما موقع الحديدة في أجندات قوى التنافس الدولي على البحر الأحمر، وارتباط بقائها في قبضة الحوثيين، باستمرار تهديد الصواريخ للسعودية، لما تؤديه موانئ الساحل الغربي من دور في تهريب الصواريخ وتقنياتها". ورأى أن "أي تهديد يمكن أن يشكله الحوثيون على التقدم الذي حصل الأيام الأخيرة  لن يكون كبيراً إذا ما نقلت المواجهة شمالاً، إلى ما بعد مدينة باجل، وتطوير المعركة باتجاه العاصمة من أي نقطة تقرّب، سواء من هذه الجبهة أو من نهم أو غيرها". وأضاف أن "السيطرة على الحديدة تعني فقدان الحوثيين 70 في المائة من قدرتهم على الصمود، لكنهم سيقاومون لفترة محددة، وسيلجأون إلى المناورة السياسية لتفادي المزيد من الانكسارات".

الحديدة أهم المدن الحيوية على مستوى البلاد، والشريان الأساسي في المناطق الخاضعة للحوثيين، وهي المشكّلة إجمالاً معظم الكثافة السكانية في اليمن. وإذا فقدت الجماعة المدينة وواصلت قوات الشرعية التقدم بإكمال الشريط الساحلي لمحافظة حجة الحدودية مع السعودية، حينها تُعزل الجماعة عن البحر الأحمر، وهو أحد العناوين الاستراتيجية في الصراع الدائر منذ سنوات. وعبره هدّد الحوثيون بنقل المعركة بحراً واتهم التحالف الجماعة باستخدامه لتهديد الملاحة ولتهريب الأسلحة. كل هذه العوامل تؤدي إلى خسارة حوثية عسكرياً واقتصادياً واستراتيجياً وتجعل بقاء سيطرة الجماعة، في صنعاء ومحيطها مهددا، بفعل تحولها إلى منطقة محاصرة في مقابل اتساع نطاق المناطق الخاضعة لسيطرة خصومها، إذ إن كل منطقة تفقدها، تتحول إلى نقطة استقطاب لخصومها للتجنيد عسكرياً وسياسياً، بما في ذلك، ما يتعلق بالمحسوبين على حزب صالح، بعد الضربة القاصمة في ديسمبر/تشرين الأول الماضي.

اقتصادياً، فإن الحديدة هي أبرز مصادر الدخل التي يعتمد عليها الحوثيون، من الجمارك المفروضة على الواردات التجارية، التي تغطي بالمجمل المواد الغذائية والواردات المتنوعة، لأغلب سكان البلاد، وبالتالي فإن وضع سيطرة الجماعة فيما تبقى من المناطق الخاضعة لها أصبحت محفوفة بالمخاطر في أغلب الأحوال. ومن المرجح أن تسعى الجماعة للمناورة سياسياً وتكثيف جهود إعادة ترتيب صفوفها عسكرياً، بما يبقي على سيطرتها في صنعاء، قدر الإمكان، باعتبار أنها تبقى مركز الدولة اليمنية، التي تمنح السيطرة عليها الكثير جداً بما لا يٌقارن مع أي محافظة أخرى.

وعلى الصعيد العسكري، فإن خسارة الحديدة يمكن أن تصل تبعاتها إلى المناطق الحدودية وعلى مختلف جبهات القتال في البلاد، على أنها بالنسبة للجماعة لا تفقدها الانتصار الكبير ضد طرف صالح، الذي كان أيضاً يهدد سيطرتها في العاصمة ومحيطها بما في ذلك محافظة الحديدة، فيما الخسائر بعد ثلاث سنوات من الحرب غير المتكافئة تمثل نتيجة منطقية وموضوعية، إلى حد كبير. ويبقى سؤال المرحلة المقبلة، عن حدود خسائر الحوثيين بسبب تطورات الحديدة، وعن تأثيرها على سير عملية السلام التي يرعاها المبعوث الأممي الجديد، مارتن غريفيث، والتي سيقدم بموجبها خطة لمجلس الأمن الدولي بعد نحو أسبوعين، وغير ذلك من التبعات.