الاتفاق التركي الأميركي حول منبج: التفاصيل إلى 4 يونيو

الاتفاق التركي الأميركي حول منبج: التفاصيل إلى 4 يونيو

27 مايو 2018
للقوات الأميركية وجود مهم في منبج (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
اقتربت تركيا والولايات المتحدة الأميركية من حسم مصير مدينة منبج، وهي واحدة من أكبر مدن الشمال السوري، بعد سجال سياسي طويل هددت فيه أنقرة أكثر من مرة بالتقدّم باتجاه المدينة لطرد الوحدات الكردية التي تدعمها واشنطن وتفرض سيطرتها على المدينة، فيما تنظر تركيا إلى هذه السيطرة كخطر مباشر على أمنها القومي، مع اتهامها الوحدات الكردية بالسعي لإقامة إقليم ذي صبغة كردية في شمال سورية.

وأعلنت تركيا والولايات المتحدة، في بيان، أن مجموعات عمل تركية وأميركية اتفقت في أنقرة الجمعة على خارطة طريق للتعاون لضمان الأمن والاستقرار في منبج، لكنهما لم تخوضا في مضمون وتفاصيل هذا الاتفاق. وبحسب بيان صادر عن الخارجية التركية، فإن اجتماع مجموعة العمل بين تركيا وأميركا، الذي جرى في العاصمة أنقرة، "تطرّق إلى المواضيع التي تهم كل طرف في ما يتعلق بسورية، وتناول سبل التعاون المشتركة". ولفت البيان إلى أنه "ضمن آفاق التعاون ومواصلة اللقاءات المشتركة، فإن مجموعة العمل وضعت الخطوط الأساسية من أجل خارطة الطريق للعمل المشترك حول إعادة الأمن والاستقرار بين الأطراف في منبج".

وجاء الاتفاق قبيل أيام من لقاء يجمع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الأميركي مايك بومبيو، في الرابع من يونيو/ حزيران المقبل، لبحث توصيات مجموعات العمل. كذلك يأتي الاتفاق الجديد تأكيداً لاتفاق أبرمته أنقرة مع وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون، نصّ على انسحاب عناصر "وحدات حماية الشعب" الكردية المصنفة إرهابية في تركيا إلى شرق نهر الفرات، على أن تعود إدارة المدينة إلى أهلها من العرب، وأن تكون مسؤولية الحماية الأمنية تركية أميركية مشتركة.

ومن شأن الاتفاق الجديد نزع فتيل صراع جديد كان من الممكن أن يندلع في ريف حلب الشمالي الشرقي، إذ تصر أنقرة على طرد الوحدات الكردية التي تشكل النواة الصلبة لـ"قوات سورية الديمقراطية"، من منطقة غربي الفرات إلى شرقه. ولطالما اتهمت أنقرة الولايات المتحدة بدعم "تنظيم إرهابي"، وهو الوحدات الكردية التي تتلقّى دعماً كبيراً من واشنطن التي اتخذت من هذا التنظيم رأس حربة في محاربة تنظيم "داعش" في شرقي سورية.

وكاد موقف واشنطن من مدينة منبج يفجّر العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، التي أقامت قواعد عسكرية عديدة في منطقة شرقي الفرات التي باتت منطقة نفوذ أميركي مطلق.
وحاول الجيش السوري الحر، بمساندة من الجيش التركي، التقدّم باتجاه منبج في بدايات العام الماضي، ولكن قوات أميركية تنتشر في ريف منبج حالت دون استمرار هذا التقدّم، ما فتح باب سجال سياسي بين أنقرة وواشنطن، وأعلنت الأخيرة عبر مسؤولين عسكريين أن القوات الأميركية ستبقى في مدينة منبج لفترة طويلة. وعادت أنقرة أخيراً لتطلق تهديدات بالتقدّم نحو منبج إثر السيطرة على منطقة عفرين هذا العام، بعد طرد الوحدات الكردية منها، ولكن يبدو أن الطرفين التركي والأميركي يسعيان إلى حل سياسي يجنّب المنطقة المزيد من التوتر العسكري الذي قد يخرج عن نطاق السيطرة. وتقع مدينة منبج في قلب الحسابات التركية في ما يخص الشمال السوري، الذي تحوّل إلى منطقة نفوذ تركي في سياق التفاهمات الإقليمية الدولية غير المعلنة بشكل رسمي على الجغرافيا السورية.


وتدرك أنقرة أن سيطرة فصائل المعارضة السورية المدعومة منها على المدينة الاستراتيجية هي بمثابة القضاء على مشروع إقامة إقليم انفصالي يعمل حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذي يتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية له، وهو النسخة السورية من حزب "العمال الكردستاني"، على تشكيله في شمال، وشمال شرقي سورية، وهو ما تعتبره أنقرة التهديد الأكبر لأمنها القومي. كما أن السيطرة على مدينة منبج تفرض تركيا لاعباً لا يمكن تجاوزه في رسم مستقبل الشمال السوري الذي بات من الواضح أنه يقع في "الحدود العاطفية" والاستراتيجية التركية.

وفقدت منبج أهميتها الاستراتيجية بالنسبة إلى الوحدات الكردية، إثر طردها أخيراً من منطقة عفرين شمال غربي سورية من قبل الجيش التركي وفصائل تابعة للجيش السوري الحر، فقد كانت منبج تصل برياً بين مناطق سيطرة الوحدات في شرقي نهر الفرات وغربه. وباتت هذه الوحدات الذراع البرية للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، فيما بدا أن الأخيرة رجحت كفة مصالحها مع أنقرة التي تسعى إلى تفاهم أكبر مع الأميركيين يشمل الشريط الحدودي شرقي الفرات الذي تسيطر عليه الوحدات الكردية، ويُعدّ خطره أكبر على تركيا كونه يتاخم جنوب تركيا، حيث الحضور السكاني الأكبر للأكراد في تركيا.

وتقع مدينة منبج إلى الشمال الشرقي من مدينة حلب بنحو 80 كيلومتراً على أرض فسيحة غير بعيدة عن نهر الفرات الذي يمر شرقي المدينة بنحو 25 كيلومتراً، وهو ما يُكسب المدينة أهمية كبيرة في سياق الصراع على سورية. وتُعدّ منبج من كبريات المدن السورية، ويتبع لها ما يقرب من ألف قرية وبلدة، تقطنها أشهر القبائل العربية، فهي من المدن العربية التي لا وجود كردياً أصيلاً فيها. ولا تبعد منبج عن الخط الحدودي بين سورية وتركيا سوى ثلاثين كيلومتراً، وتتمتع المدينة بموقع جغرافي فريد، فهي في منتصف الطريق بين آلاف القرى والبلدات والمدن في شمال وشرقي حلب، وغربي الرقة. وكان تنظيم "داعش" قد استولى عليها أواخر عام 2014، لتتحوّل إلى أهم معاقله في شمال شرقي حلب. ولكن الوحدات الكردية انتزعت السيطرة على المدينة في منتصف عام 2016، بعد 56 يوماً من الحصار والقصف المكثف من طيران التحالف الدولي بقيادة واشنطن.