المغرب: حملة المقاطعة تربك الحكومة والأحزاب

المغرب: حملة المقاطعة تربك الحكومة والأحزاب

13 مايو 2018
عريضة إلكترونية طالبت بإقالة وزير المالية (بولنت دورك/الأناضول)
+ الخط -
لم يتوقع كثيرون أن تتحوّل حملة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى مقاطعة بعض المنتجات الاستهلاكية في المغرب، إلى قضية سياسية حامية، وصل لهيبها إلى الحكومة، وبات الحديث بقوة عن تداعيات الحملة وما واكبها من ردود فعل على الانتخابات التشريعية المقبلة، وحظوظ عدد من الشخصيات التي لها علاقة بالمقاطعة في هذا الاستحقاق.
واختلطت العديد من الأوراق السياسية في المغرب بسبب انتشار حملة المقاطعة بشكل غير مسبوق، والتي طاولت علامة تجارية لإحدى شركات المياه المعدنية تعود إلى رئيسة الكونفدرالية العامة لشركات المغرب مريم بنصالح بنشقرون، وشركة للحليب، ثم شركة للمحروقات تعود إلى وزير الفلاحة، زعيم حزب "الأحرار"، عزيز أخنوش.

وتعدّت الحملة المذكورة مواقع التواصل الاجتماعي التي انطلقت منها قبل أسابيع قليلة، لتصل إلى قبة البرلمان، وتم بحثها في مجلس حكومي أيضاً، كما أفضت إلى ردود أفعال حادة من قِبل بعض وزراء الحكومة، ثم انتهت بتهديدات من الحكومة، قابلتها دعوات ناشطين في مواقع التواصل برحيل بعض الوزراء بسبب زلاتهم اللسانية في حق الداعين إلى المقاطعة.
وانطلقت القصة من مجرد مطلب ذي صبغة اجتماعية يتمثل في حملة افتراضية لمقاطعة بعض المواد الاستهلاكية بشعار "خليه يريب"، أي "اتركه يفسد" (في إشارة إلى الحليب)، بسبب غلاء ثمنه مقارنة مع دول أخرى، كما شملت الحملة مواد ومنتجات أخرى. وبخلاف ما توقّعه الكثيرون بشأن سرعة انحسار الحملة وعدم تحقيقها نتائج كبيرة، انتشرت حملة المقاطعة بشكل غير مسبوق، وتابعتها وسائل إعلام وطنية ودولية أيضاً، الأمر الذي تسبّب في خسائر مادية للشركات المنتجة لتلك المواد التي شملتها "المقاطعة الشعبية".

ويعزو مراقبون نجاح حملة المقاطعة بهذا الشكل اللافت، إلى "ردود الفعل غير الموفّقة" لعدد من الوزراء والمسؤولين، فوزير المالية والاقتصاد المغربي محمد بوسعيد وصف الداعين إلى المقاطعة، تحت قبة البرلمان، بنعت "المداويخ" (المصابون بدوخة). كما اعتبر وزير الفلاحة عزيز أخنوش أن المقاطعة تضر باقتصاد البلاد وتمس بقوت ملايين الفلاحين، بينما وصف مدير في شركة الحليب، المقاطعة بأنها "خيانة للوطن".

هذه النعوت كانت كافية لتأجيج غضب المغاربة، وأفضت إلى رد فعل عكسي تماماً، إذ انتشرت حملة المقاطعة وسط الناس، إلى حد حصول بعض الانفلاتات كاتهام غير المقاطعين بأنهم لا ينتمون إلى الشعب، أو الاعتداء على من "ضُبطوا متلبسين" باقتناء أو حيازة تلك المنتجات "المغضوب عليها".
وتحوّلت كرة الثلج التي بدأت صغيرة بحملة اجتماعية واقتصادية تبدو بسيطة، إلى "جبل من الردود السياسية العاصفة"، وانطلق الأمر بتبادل ضمني للاتهامات بين حزب "العدالة والتنمية"، وحليفه في الحكومة حزب "الأحرار"، ولمّح قياديون في الحزب الثاني إلى أن الحملة وراءها سياسيون يستهدفون بالخصوص زعيمهم أخنوش.


وشهد البرلمان المغربي جدلاً حاداً بسبب وصف وزير المالية، المنتسب بدوره إلى حزب "الأحرار"، للمقاطعين بـ"المداويخ"، فاستغل حزب "الأصالة والمعاصرة" المعارض الأمر، ليوجّه انتقادات حادة إلى الحكومة لأن "وزراء يسبّون الشعب ويصفونهم بالمداويخ والقطيع".
وصف "المداويخ" استدعى مطالبات من ناشطين مغاربة بإقالة وزير المالية محمد بوسعيد، من خلال عريضة إلكترونية واسعة النطاق تم نشرها على موقع "أفاز"، بل جلب أيضاً انتقادات قياديين من حزب "العدالة والتنمية" الذي يقود الحكومة بسبب كلام وزير ينتمي إلى "حليفه" في الحكومة. واختلطت الأوراق أكثر عندما حاول لحسن الداوي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة، تبرئة الحكومة من سب المقاطعين، وألصق المسؤولية بوزير المالية الذي صدر منه ذلك الوصف، قبل أن تتخذ الحكومة موقفاً أكثر "سخونة" في المجلس الحكومي الأخير.

وهددت الحكومة في بيان رسمي بمقاضاة من ينشر أخباراً زائفة من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني، مثل الترويج للزيادة في أسعار الحليب أو غير ذلك، بينما هذه المادة حافظت على السعر نفسه منذ سنوات، مشيرة إلى أن شركة الحليب المشمولة بحملة المقاطعة تنتج 50 في المائة من المنتوج الوطني، وتشغل 6 آلاف شخص، و120 ألف فلاح، وتخشى الحكومة أن تغلق أبوابها، وتحدث أزمة اقتصادية واجتماعية كبيرة.

التلويح بالقضاء والتماس العذر لشركة الحليب من الحكومة، لم يجلب سوى الانتقادات الحادة من قِبل قياديين داخل "العدالة والتنمية" الذي يقود الحكومة نفسها، وهو ما ينذر بشرخ جديد وسط الحزب الأغلبي يضاف إلى التأثيرات السلبية لما بعد إعفاء عبدالإله بنكيران من منصبه كرئيس للحكومة، وتولي سعد الدين العثماني دفتها بقبول دخول حزب كان قد رفضه بنكيران، وتسبّب في تعثر تشكيل الحكومة الثانية بعد "الربيع المغربي".

وهكذا اعتبرت القيادية في "العدالة والتنمية"، أمينة ماء العينين، أن "التلويح بالملاحقات القضائية ليس من اختصاص الحكومات، لأن القانون نفسه أوكل المهمة إلى أجهزة أخرى محكومة بالدستور والقانون، وأن التهديد بمراجعة القوانين للمزيد من التضييق على حرية التعبير والنقد، بمبرر ترويج أخبار زائفة، هو مغامرة غير محسوبة العواقب".
من جهته، خاطب القيادي في الحزب ذاته، خالد البوقرعي، المسؤولين في "العدالة والتنمية"، بأن "الحزب الحقيقي هو محامٍ يترافع عن مصالح الشعب، فلا تتخلَّوا عنه وهو الذي أوصلكم للمكانة التي تحتلُّونها الآن"، مضيفاً "الحكومة الحقيقية هي التي تسمع لنبض المواطن وآهاته وآلامه وتُسخِّر كل ما تملك من أجل أن تحميه من جشع الجشعين".

وما زاد من حماوة الموضوع هو طرح محللين احتمال التأثير السلبي لتداعيات هذه المقاطعة، على طموحات حزب "الأحرار"، الذي ينتمي إليه وزيرا الفلاحة والمالية، في تبوء الصدارة في الانتخابات البرلمانية المقبلة عام 2021، خصوصاً بعد أن توسع حضوره وبدا مستعداً منذ استلام أخنوش قيادته لاكتساح الانتخابات المقبلة وقيادة الحكومة الجديدة.

المساهمون