تكتيكات موسكو بمجلس الأمن لإنقاذ الأسد: قرارات و12 فيتو

تكتيكات موسكو في مجلس الأمن لإنقاذ الأسد: مشاريع قرارات بديلة و12 فيتو

13 ابريل 2018
اتهم نيبينزيا الوفد الأميركي بـ "تضليل المجتمع الدولي" (الأناضول)
+ الخط -
لم تكن السِجالات التي حصلت في جلسات مجلس الأمن خلال الأيام الماضية حول سورية، الأولى من نوعها، لكنها بدت من خلال النبرة المُرتفعة في كلمات مندوبي الدول الأساسية في المجلس حول القضية (روسيا من جهة، والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من جهة أخرى)، أكثر حدةً من قبل، خصوصاً أنّ محور مشاريع القرارات الثلاثة التي قُدّمت يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، تتعلّق بواقعة استخدام السلاح الكيميائي في مدينة دوما مساء 7 أبريل/نيسان الحالي، والتي تأتي في خضّم أزمة مشتعلة بين موسكو من جهة، ولندن والغرب من جهة أخرى، على خلفية محاولة اغتيال الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته، في مقاطعة ويلتشير غرب إنكلترا الشهر الماضي.


ولم يكن استخدام موسكو لحقّ النقض "الفيتو" في جلسة مجلس الأمن في نيويورك مساء الثلاثاء، الأول من نوعه، لتكون المرة الثانية عشرة التي تستخدمهُ لعرقلة قراراتٍ تستهدف نظام بشار الأسد
ويعد استخدام حق النقض جزءاً من تكتيكات روسيا في مجلس الأمن الدولي لتوفير الحماية للنظام السوري، والتي تتضمن أيضاً محاولة الالتفاف على أي مشروع  قرار أممي يتعلق بسورية عبر طرح مشروع قرار بديل إما لإسقاط مشروع القرار الأصلي أو لإدخال تعديلات عليه، على غرار ما حدث أكثر من مرة، وهو ما يؤدي إلى إفراغ القرار من أهدافه. 
واعتمدت روسيا الاستراتجية نفسها قبل أيام  في مجلس الأمن الدولي. وفيما كانت الولايات المتحدة، مدعومة بعدد من الدول، تضغط لتمرير مشروع قرار حول آلية للتحقيق باستخدام السلاح الكيميائي في سورية، قدمت روسيا مشروعي قرار موازيين. 
وفيما أسقطت المشروع الأميركي بعد استخدامها حق النقض فشلت بدورها في الحصول على موافقة تسعة أعضاءٍ في المجلس لعرض، وتمرير قرارين قدمتهما، الأمر الذي أدى إلى فشل  مجلس الأمن في اعتماد أيٍ من المشاريع الثلاثة المُقدمة، بشأن التحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، لتتحقق بذلك الغاية الروسية الهادفة لمنع أي تحقيق في الهجوم الكيميائي.

ويتطلب تمرير أي مشروع قرار في مجلس الأمن موافقة تسعة أعضاء على الأقل، مع عدم استخدام أيّ من الدول الخمس دائمة العضوية حقّ النقض، وهي روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

وأوضح الحقوقي السوري أنور البني، في حديث مع "العربي الجديد"، الفارق بين مشروعي  القرارين الروسيين ومشروع القرار الأميركي بأن "القرارين الروسيين يحملان صيغة عدم تحديد المسؤول عن الهجمات الكيميائية، ويعتمدان أسلوب الدخول بمتاهة التفاصيل في تشكيل لجان التحقيق ودورها وآلية عملها، رغم أنّ ظاهر الكلام الروسي هو السماح بتشكيل لجنة تحقيق، ولكن من دون تحديد الفاعل"، مشيراً إلى أنّ "مشروع القرار الأميركي كان يريد تحديد الفاعل من أجل معاقبته".


وأكّد البني أنّ "روسيا تريد قرارات يُمكن تأويلها، وتطرح صياغة قرارات تخدم هذا الهدف. وقد شهدت مرحلة ما قبل صدور القرار 2401 (في شباط الماضي والذي طالب بهدنة إنسانية لمدة 30 يوماً في سورية)، سجالاتٍ عدّة، قبل أن يتمّ إقرار صيغة وسطية، استثمرتها روسيا، وواصلت مع النظام الحملة العسكرية على الغوطة الشرقية كما رأينا".

وأبدى البني، وهو رئيس "المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية"، أسفه لـ "عجز مجلس الأمن عن القيام بواجبه الأساسي في حفظ السلام والأمن الدوليين"، وقال إن "مجلس الأمن، والأمم المتحدة عموماً، هي ساحة لخدمة مصالح الدول الكبرى، أكثر من كونها لخدمة قضايا الشعوب، أو حتى لتحقيق المبادئ التي قامت عليها أساساً". واعتبر في هذا السياق، أن "روسيا تُظهر تفاعلاً في المنظمة الدولية ومجلس الأمن بهدف تحقيق مصالحها، كما الولايات المتحدة"، مضيفاً أنّ "الدول كلّها وليست روسيا والولايات المتحدة فقط، تلعب هذه اللعبة في المنظمات الدولية التي تعجز فعلياً على حلّ النزاعات في العالم، بسبب آلية عملها القانونية".

وختم البني حديثه بالقول، إنه "بدون وجود إرادة دولية حقيقة لحلّ القضية السورية، وبدون أن يترافق الحديث عن أيّ حلّ سياسي مع ضرورة خلق عدالة حقيقة واستبعاد مجرمي الحرب من أي دور في مستقبل سورية، لا يمكن الوصول إلى حل سياسي حقيقي، لأن مشاركة المجرمين في مستقبل البلاد، يُمكن اعتبارها إشارة خضراء لمواصلة سياستهم الإجرامية، وهذا فعلاً يهدد السلم والأمن الدوليين".


وكان المندوب الروسي في نيويورك، فاسيلي نيبينزيا، برّر رفضه مشروع القرار الأميركي بأنه "يتضمّن جميع أوجه القصور في آليات التحقيق المشتركة السابقة"، متهماً الوفد الأميركي في مجلس الأمن بـ "تضليل المجتمع الدولي"، وبأن "الغرب يحاول تبرير ضربة عسكرية ضد سورية"، مجدداً مزاعم بلاده بأنه "لم يتم العثور على آثار لاستخدام السلاح الكيميائي في سورية".

وفيما ادعى نيبينزيا، بأن بلاده استخدمت حق الفيتو الثلاثاء لـ "حماية السلم والأمن الدوليين"، قالت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، إن "موسكو دمّرت مصداقية مجلس الأمن واختارت الوقوف إلى جانب الأسد"، مضيفةً أن "مشروع القرار الروسي لا يمنح استقلالية للجنة التحقيق بشأن استخدام الكيميائي في سورية"، لكون "روسيا تريد أن تختار بنفسها الخبراء في لجنة التحقيق". وأكّدت هايلي أن "علينا وقف الهجمات التي يتعرّض لها المدنيون".

وتُذكّر الأجواء في مجلس الأمن حول سورية أخيراً، وتدفّق التصريحات الأميركية والغربية في اليومين الأخيرين، حول ضرورة محاسبة نظام الأسد على تجاوزه "الخط الأحمر" باستخدامه السلاح الكيميائي، إضافة إلى التصريحات الروسية التي رفضت الاتهامات للأسد وحذّرت من توجيه ضربة عسكرية ضد سورية، بأجواء ما بعد مجزرة الكيميائي في مدينة خان شيخون جنوبي إدلب في الرابع من أبريل/نيسان الماضي، والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين، مما دفع الولايات المتحدة في السابع من الشهر ذاته، لشنّ ضربة عسكرية استهدفت مطار الشعيرات العسكري في ريف حمص.

وبعدها، وفي الثاني عشر من نيسان، قدّمت موسكو مسودة قرار لمجلس الأمن، يخلو من إدانة الهجمات الكيميائية في خان شيخون، وكان مضاداً لمقترح قرار بريطاني-أميركي، قوضته موسكو حينها باستخدام الفيتو.