تركيا تمدّد تدخلها في العراق رغم رفض حلفاء إيران

تركيا تمدّد تدخلها في العراق رغم رفض حلفاء إيران

23 مارس 2018
يستهدف سلاح الجو التركي مواقع حزب العمال الكردستاني(أوزكان بلجن/الأناضول)
+ الخط -
مع استئناف سلاح الجو التركي قصفه لمواقع حزب العمال الكردستاني داخل بلدات حدودية عراقية تابعة لقضاء سوران وناحية سيدكان، أمس الخميس، والتحشيد التركي على الحدود، عادت ظاهرة نزوح القرويين الأكراد مرة أخرى، وسط غياب تام لقوات البشمركة الكردية الرسمية في إقليم كردستان وسيطرة مسلحي حزب العمال الكردستاني على كامل تلك المناطق. وضع يمكن اعتباره سبباً إضافياً لدفع السكان في تلك المناطق، خصوصاً القرى الحدودية مع تركيا، إلى الفرار نحو أربيل ودهوك. وشوهدت سيارات صغيرة وشاحنات تقل السكان مع ماشيتهم وهي تتجه إلى طريق سيدكان وشلال نشتمان، جنوباً، حيث مدينة أربيل، بعد ساعات من قصف تركي طاول مواقع مفترضة لمسلحي العمال الكردستاني، أمس الخميس.

ووفقاً لمسؤولين أكراد في أربيل ودهوك، تحدثت معهم "العربي الجديد"، فإن البشمركة انسحبت من مناطق حدودية تركية، ولا وجود إلا لمقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي. وجاء ذلك لتجنب الاحتكاك بين الطرفيين ومنعاً لأي صدام مسلح. وفي الوقت الذي يؤكد المسؤولون الأكراد استعداد أربيل للتعاون مع بغداد وأنقرة، يتهمون الحكومة العراقية بأنها وراء تأزيم الموقف وأنها قادرة على حل الموضوع بدون إراقة دماء أو خرق الأتراك للسيادة العراقية. أما في بغداد، فتبدو وجهات النظر مختلفة إزاء التلويح التركي بعملية عسكرية داخل العراق لضرب معاقل حزب العمال الكردستاني، بين رافض لها ومتفهّم لما يصفه البعض بـ"الحق التركي"، وبين ضاغط على حكومة حيدر العبادي لتبادر إلى حل الأزمة التي أثيرت قبل أيام بعد تصعيد العمال الكردستاني هجماته بالانطلاق من العراق ضد القوات التركية.


وتأتي التطورات الحالية عقب هجوم لمسلحي حزب العمال الكردستاني استهدفوا خلاله قوات تركية كانت نقطة انطلاقهم وانسحابهم بعد تنفيذ الهجوم هي الأراضي العراقية، وتحديداً قرى إبراهيم وعبد الله آغا، المجاورة لسفوح جبال قنديل الحدودية العراقية والواقعة على مثلث قاعدته عراقية وأضلاعه إيران وتركيا. وأسفرت عملية حزب العمال الكردستاني عن خسائر في صفوف القوات التركية، ما أدى إلى شن القوات التركية هجوماً معاكساً تمكن فيه من قتل عدد من المهاجمين بعد ملاحقتهم إلى داخل العراق، يوم السبت الماضي. وعقب ذلك، لمّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الاثنين الماضي، إلى احتمال تنفيذ بلاده عملية عسكرية في منطقة قضاء سنجار، من أجل "تطهيرها من عناصر حزب العمال الكردستاني"، فيما أعلن وزير الخارجية، إبراهيم الجعفري، أول أمس الأربعاء، رفض بغداد لأي عملية عسكرية تقوم بها تركيا على الأراضي العراقية.

وقال مسؤول عراقي في بغداد، تحدث مع "العربي الجديد"، إن الجيش التركي وسع أخيراً وجوده في عمق الأراضي العراقية ليصل إلى 27 كيلومتراً، وعلى امتداد الشريط الحدودي بين بلدة سيدكان التابعة لقضاء سوران العراقي والمحاذي لبلدة ألين التركية، وصولاً إلى أطراف بلدة العمادية التي تقابلها مدينة هكاري من الجانب التركي وعلى مسافة تبلغ أكثر من 80 كيلومتراً. ولفت إلى أن الأتراك شيدوا معسكراً لهم داخل الأراضي العراقية في قرية "كويري" العراقية الحدودية، فضلاً عن أكثر من 20 ثكنة. كما أنه يمكن مشاهدة الدبابات والدروع التركية داخل قرى عراقية مختلفة تابعة لناحية سوران وأطراف بلدة سركان.

ويربط المسؤول نفسه الموقف الرسمي العراقي بالتوجهات الإيرانية وعلاقة الحشد الشعبي مع مسلحي العمال الكردستاني، قائلاً إن "فصائل عديدة من حزب العمال تملك علاقات وطيدة مع الجانب الإيراني، ويضبط الكردستاني من خلال ذلك حركات وأحزاباً كردية داخل إيران، وهو ما يفسر موقف قيادات الحشد الشعبي تجاه أي عمل عراقي ضد احتلال مسلحي حزب العمال مناطق عدة شمال العراق". ولفت المسؤول إلى أن رئيس الوزراء حيدر العبادي مع طرد مقاتلي الكردستاني وتجنيب شمال العراق عملية عسكرية كبيرة، لكنه يحاول استثمار ذلك بشكل قد يسمح بإدخال الجيش العراقي لتلك المنطقة وفرض السلطة الاتحادية عليها، بعد رفض أربيل ذلك طيلة الفترة الماضية. لكن الموضوع يشهد انقساماً سياسياً داخل بغداد يحول دون تحرك مريح للحكومة، وفقاً لوصفه.

وتعتبر جبال قنديل معقل الحزب الرئيسي منذ تأسيسه نهاية السبعينيات، لكن القوات العراقية تمكنت من طرد عناصر الحزب منه، إلا أنهم سرعان ما عادوا بعد الغزو العراقي للكويت واندلاع حرب الخليج الأولى والتي فرض فيها مجلس الأمن منطقة حظر جوي على بغداد وأخرج المحافظات الكردية الثلاث من سيطرة نظام صدام حسين.

وبعد اجتياح تنظيم "داعش" للعراق، توسّع الحزب إلى مناطق أخرى داخل العراق، أهمها سنجار، غرب الموصل، فضلاً عن بلدات وقرى قرب العمادية وعقرة بإقليم كردستان، عدا عن تواجده القديم في جبال قنديل. وتحولت تلك المناطق إلى قواعد لمهاجمة القوات التركية داخل أراضيها. وفي السياق، قال رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حاكم الزاملي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المعلومات المتوفرة تؤكد أن الأتراك توغلوا داخل الأرضي العراقية وشيدوا معسكراً جديداً في دهوك وثكنات لهم، وتحاول أنقرة اليوم تكرار عمليتها في سورية داخل العراق لملاحقة العمال الكردستاني، وهو ما نرفضه جملة وتفصيلاً". ولفت الزاملي إلى أنه "حتى الآن، لا يوجد موقف نهائي، والعمل مستمر من قبل بغداد على تحديد النوايا التركية، لكن أعتقد أن الموقف العراقي لن يكون موقف المتفرج إذا ما نفّذت أنقرة هجومها"، وفقاً لقوله.

من جهته، ذكّر النائب العراقي، عبد الكريم عبطان، بأن العراق وتركيا وقعا اتفاقية سابقة لا تزال سارية المفعول تسمح للأتراك بدخول مناطق حدودية عراقية لملاحقة الكردستاني، وتعود إلى عام 1995. وأعرب عبطان، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "الحكومة ستباشر التفاوض على مستوى وزارة الدفاع، ونأمل ألا يكون هناك توغل أكثر مما تنص عليه الاتفاقية الموقعة بين البلدين".

في غضون ذلك، أكد كفاح محمود، المستشار الإعلامي لرئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المشكلة الحالية تكمن في موقف بغداد، مشيراً إلى أن الأخيرة "مطلعة على وجود تنسيق بين الحشد الشعبي والعمال الكردستاني، وهناك ما بين 1800 إلى 2200 عنصر من العمال الكردستاني يتلقون دعماً من الحشد". ولفت إلى وجود "مليشيات كردية (العمال الكردستاني) في قنديل وسنجار"، محذراً من أن الصراع ربما سيتحول إلى إقليمي. واعتبر أن "وجود هذه المليشيات هو الذي يعطي الذريعة للأتراك للتدخل، والحكومة العراقية لم تعالج هذا الملف إطلاقاً، وبقيت أربيل تتحمل عبء ذلك".

كما أشار إلى أنه يوجد مواطنون يقتلون ويُصابون بفعل القصف، من دون أن تكترث بهم بغداد "التي عليها أن تنهي الموضوع بالتحرك لطردهم". وتحدث عن عدم وجود أي قوات نظامية في المناطق التي توجد فيها المليشيات الكردية (العمال الكردستاني) في الوقت الحالي بعد انسحاب البشمركة منها. وأكد أن "حكومة إقليم كردستان مستعدة للتعاون في هذا الملف مع بغداد وأنقرة وبشكل كامل".

وأفاد المواطن دلير سعيد، من المنطقة الحدودية، بأن السكان يغادرون منطقة العمليات، لافتاً إلى أن "تصرفات العمال الكردستاني تذكرنا بتصرفات داعش التي كنا نسمع عنها في المدن العراقية الأخرى". وأضاف "يهاجمون الأتراك على الحدود ثم يأتون للاختباء داخل القرية، ولا توجد قوة أخرى غيرهم في المنطقة". ولفت إلى أن القصف التركي يحدث بعد كل هجوم لمسلحي الكردستاني عليهم، وعادة ما يقتل مدنيون أو تكون هناك خسائر مادية.