الجزائر والطاولة البولندية

الجزائر والطاولة البولندية

25 ديسمبر 2018
"النظام في الجزائر لا يزول بالانتخاب ولا بالإرهاب" (Getty)
+ الخط -
بين الجزائر وبولندا مسارات متقاطعة تجعل من التجربة البولندية في التغيير السياسي والانتقال الديمقراطي حالة يمكن الاستفادة منها في الجزائر. فقد قطع البلدان مساراً تاريخياً متشابهاً ومتزامناً أيضاً، والجزائر وبولندا عبَر كلاهما على نظام اشتراكي مسيج بمنظومة أمنية تحتكر الرأي والقرار، ومر كلاهما على دروب من التحولات، بلغت بولندا بموجبها مرحلة متقدمة من الديمقراطية وأصبحت ثامن اقتصاد في أوروبا، بينما ظلت الجزائر في حكم التحول المعطوب.

في أكتوبر/ تشرين الأول 1988، شهدت الجزائر أحداثاً بدأت في مركز لصناعة المركبات بالعاصمة كانت مدخلاً لإصلاحات سياسية. وبعد شهر واحد كانت بولندا تعيش حراكاً عمالياً في مركز لصناعة السفن في غدانسك. وفي فبراير/ شباط 1989، صدقت الجزائر على أول دستور يفتح باب التعددية السياسية، فيما بدأت في بولندا محادثات "الطاولة المستديرة" بين النظام الشيوعي ونقابة تضامن التي قادت التغيير السياسي. وفي سبتمبر/ أيلول 1989، بدأت حكومة مولود حمروش تنفيذ حزمة إصلاحات سياسية، وأطلقت بولندا في ديسمبر/ كانون الأول من السنة نفسها 11 مرسوماً للإصلاحات الاقتصادية. وفي أكتوبر 1991، شهدت بولندا أول انتخابات نيابية حرة، وشهدت الجزائر مثلها في ديسمبر 1991.

خلال هذا المسار المتزامن كانت الجزائر تسبق بولندا ببضعة أشهر في كل استحقاق سياسي وحراك مطلبي له علاقة بالحريات والديمقراطية، واجتماعي متعلق بالأوضاع المعيشية والفساد الاقتصادي (مع تباين الجغرافيا والسياقات المحلية والإقليمية). غير أن بولندا كانت، بعد كل حراك، أكثر تأثيراً في إحداث تحولات إيجابية باتجاه الديمقراطية مقارنة بالجزائر. الحكمة ضالة المؤمن، والحكمة في تجربة التغيير في بولندا أنها كانت قائمة على ثلاثة مرتكزات رئيسية: إقرار النظام الحاكم بوصوله إلى مشارف الإفلاس السياسي وتراكم المخاطر الاقتصادية والإحباط الاجتماعي، وثانياً القبول بالحوار الجاد والشراكة المسؤولة مع المعارضة، وثالثاً أجندة تتيح وضع اتفاقات الانتقال الديمقراطي ونقل السلطة سلمياً عبر الانتخابات موضع التنفيذ. وكانت محادثات الطاولة المستديرة في فبراير 1989 خلاصاً لبولندا والبولنديين وتسليماً بالحقيقة وقطيعة مع سياسات الهروب إلى الأمام.

يقول محفوظ نحناح، وهو سياسي جزائري راحل خَبر تلاعب السلطة بالمسار السياسي والمؤسساتي، إن "النظام الحاكم في الجزائر لا يزول لا بالانتخاب ولا بالإرهاب. جرب الجزائريون مقارعة السلطة بالسلاح مرتين في 1963 و1992، ولم يؤدِّ ذلك إلا إلى دم وآلام، وجربوا المقارعة بالانتخابات في 17 محطة لكنها لم تكن سوى دورة مستمرة في الفراغ، لذلك لم يعد ممكناً الاستمرار في هذا العبث بمستقبل البلد". أكثر من أي وقت مضى، تبدو الفرصة مؤاتية للتجربة البولندية للتغيير السياسي في الجزائر، ولمحادثات "الطاولة المستديرة"، فقد سلمت السلطة وأجهزتها بالإفلاس السياسي وبعدم جدوى الانتخابات في إنتاج مخرج، وتطرح الآن مقترح مؤتمر حوار وطني. ما تبقى فقط أن تصدق النوايا لوضع تفاهمات على المخارج والمحطات، وعدا ذلك فإن السلطة تجمع مزيداً من الحطب لحريق ليس إلا.