ملامح سياسة بريطانية للخروج من الاتحاد الأوروبي

ملامح سياسة بريطانية للخروج من الاتحاد الأوروبي

21 اغسطس 2017
يضغط رافضو بريكست على الحكومة (دانيال ليال أوليفاس/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من تفاؤل الوزير البريطاني لشؤون بريكست ديفيد ديفيس، بالنتيجة النهائية لمفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا تزال الحكومة تعاني من انتقادات حول جاهزيتها لإتمام العملية. كما أن المناوشات الكلامية والانتقادات انتقلت إلى داخل الحكومة البريطانية نفسها منذ أن فقدت رئيسة الوزراء تيريزا ماي أغلبيتها البرلمانية في الانتخابات العامة في يونيو/ حزيران الماضي. وقد حاولت الحكومة تجاوز هذا الوضع بثلاث طرق.

أول هذه الطرق كان نشر "وثائق شراكة" تحدد موقف بريطانيا من الاتحاد الجمركي المستقبلي وحدود أيرلندا الشمالية. ثانيها تمثل في مقال مشترك كتبه كل من وزير المالية في الحكومة البريطانية، فيليب هاموند، وهو من مؤيّدي "بريكست مخفف"، ووزير التجارة الدولية، وليام فوكس، والذي يعد من أكبر المدافعين عن "بريكست".

طرح كلاهما في هذه الورقة فكرة وجود مرحلة انتقالية محددة لتجنب الانفصال المباشر في مارس/ آذار 2019. خلال هذه الفترة، ستخرج بريطانيا من السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الجمركي. أما الورقة الثالثة التي تحضر بريطانيا لاستخدامها تتمثل في خطاب ستلقيه رئيسة الوزراء الشهر المقبل قبل مؤتمر حزب المحافظين حول أهداف بريطانيا من "بريكست".

على الرغم من الترحيب الواسع بهذه الأفكار، فإنها لا تتعدى كونها تطلعات تفتقر لأية خطوات عملية. تقترح وثيقة الجمارك تبنياً طويل الأمد لتفاهم جمركي عام أو "لشراكة جمركية" جديدة وغير مجرّبة. يتضمن هذا الاقتراح أن تقوم بريطانيا بتحصيل ضرائب الاتحاد الأوروبي على البضائع التي تمرّ عبرها. سيعتمد الطرفان على تقنية معلوماتية جديدة تمتلكها الحكومة البريطانية.

كما أن الوثيقة تقترح تشكيل اتحاد جمركي مؤقت مع الاتحاد الأوروبي بعد مارس/ آذار 2019. وهو ما يناقض تماماً مقترح هاموند وفوكس، إذ إن الأخير، كونه وزير التجارة الخارجية لن يستطيع توقيع أية اتفاقية تجارة حرة مع أي طرف ثالث في تلك الحالة. في محاولة لرأب الاختلاف بين المقترحين، يعتقد المحافظون أن الاتحاد الجمركي المؤقت سيختلف عن الاتحاد الجمركي الحالي. ولكن هذا الطرح يضع جدية الرغبة في الخروج من الاتحاد الجمركي محط تساؤل، إذ لا تبرز أية خطوات على الأرض للتحكم بالحدود أو أية تعديلات على المنافذ الحدودية مثل ميناء دوفر. 

أما في ما يتعلق بالورقة الثانية، فإن هناك فجوات كبيرة فيها، تحديداً في ما يتعلق بأيرلندا الشمالية. الحفاظ على الحدود المفتوحة مع جمهورية أيرلندا يتفق عليه الجميع، سواء في لندن أو دبلن أو بلفاست أو بروكسل. تعتقد جميع الأطراف بإمكانية التكنولوجيا توفير حل لهذه المسألة. ولكن تبرز هنا مسألة أخرى. ففي حال خروج بريطانيا من الاتحاد الجمركي الأوروبي وتوقيعها اتفاقية اتحاد جمركي مع دولة مثل الولايات المتحدة واستيرادها المنتجات الزراعية، فإنه من المستحيل عدم التحكم في الحدود لتجنب دخول هذه البضائع للاتحاد الأوروبي عبر أيرلندا كما وضع رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فارادكار. 

ولكن ما تعكسه أفكار هاموند وفوكس، كما يشير مجتبى رحمان من مجموعة أوراسيا الاستشارية، هو وجود فرق بين الخروج من منظومة قوانين الاتحاد الأوروبي والإفلات من قوانينه عملياً. ولربما يرضى مناصرو "بريكست" بموعد الخروج الرسمي في مارس/ آذار 2019 ويقبلون بفترة اتحاد جمركي انتقالية كما أشار إليها فوكس وهاموند وحتى وزير الخارجية بوريس جونسون. لكن يبقى التساؤل إلى متى سيستطيعون التعايش مع هذا الوضع.

يكمن الجواب الجزئي لهذه المعضلة في التوجه نحو تفاصيل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي على المدى البعيد، وهو ما ستطرحه رئيسة الوزراء تيريزا ماي في خطابها الموعود. فقد اتفقت لندن وبروكسل على خطوات التفاوض، والتي تتطلب "تقدماً كافياً" في المحادثات حول حقوق المواطنين الأوروبيين والحدود الأيرلندية وتسوية الحسابات قبل البدء بنقاش العلاقات التجارية. لكن ماي تجادل بأن جميع الأمور مرتبط بعضها ببعض. 

لكن الصعوبات لا تنتهي عند هذا الحد. فدول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون ترى في الوحدة عاملاً أساسياً ولا ترغب في تقويض دور وفدها المفاوض، وسترفض غالباً التقدم في المحادثات وفقاً لرؤية ماي. التوقعات تصب في خانة أن المجلس الأوروبي الذي سيجتمع في أكتوبر/ تشرين الأول سيرى التقدم في المفاوضات غير كافٍ، تحديداً في ما يتعلق بفاتورة "بريكست". ويعني هذا عملياً تأجيل أية محادثات حول العلاقة طويلة الأمد إلى ما بعد ديسمبر/ كانون الأول.

يضاف إلى ذلك أن بروكسل على اطلاع بالتغيرات السياسية الحاصلة في بريطانيا بعد الانتخابات العامة الماضية. فالاتحاد الأوروبي على علم بمدى صعوبة إقناع البرلمان البريطاني حالياً بقبول "بريكست قاسٍ" يضع بريطانيا خارج السوق المشتركة والاتحاد الجمركي. فقد صرحت النائب عن حزب المحافظين آنا سوبري المؤيدة للاتحاد الأوروبي، أنها ستضع مصلحة البلاد فوق مصلحة الحزب.