دي ميستورا يضغط على المعارضة... والضربات للفرقة الرابعة تتوالى

دي ميستورا يضغط على المعارضة... والضربات للفرقة الرابعة تتوالى

18 اغسطس 2017
تحولت أغلب أحياء الرقة إلى ركام (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
رفع المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، من مستوى ضغوطه على المعارضة السورية، معلناً تأجيل المشاورات الفنية، التي كانت مقررة معها في جنيف في 22 أغسطس/آب الحالي، معرباً عن أمله في إجراء "تفاوض جاد" بين النظام السوري ووفد موحد للمعارضة في أكتوبر/تشرين الأول أو نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. واعتبر أن إعلان مناطق تخفيف التصعيد في سورية "أمر إيجابي إلى حد كبير". في هذا الوقت، تحقق قوات يدعمها التحالف الدولي، ويشكل فصيل كردي ثقلها الرئيسي، تقدماً داخل مدينة الرقة السورية لاستعادة السيطرة عليها من تنظيم "داعش"، الذي بدأ يتراجع وينكمش داخل أحياء وحارات ضيقة، معتمداً على الهجمات المعاكسة، فيما يواصل طيران التحالف عملية "تدمير" المدينة، وهو ما يؤدي إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين يومياً، ودمار كبير. وتأتي التطورات الميدانية في شرق البلاد، في وقت تواصل فيه المعارضة السورية المسلحة في الغوطة الشرقية لدمشق استنزاف فرقة عسكرية تتبع لقوات النظام، يقودها شقيق رأس النظام، ماهر الأسد، موقعة فيها خسائر فادحة، بالأرواح والعتاد العسكري.

وأعلن دي ميستورا، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس فريق العمل الإنساني التابع للأمم المتحدة في سورية، يان إيغلاند، في جنيف، تأجيل المشاورات الفنية مع المعارضة، والتي كانت مقررة في جنيف في 22 أغسطس/آب الحالي. وأوضح دي ميستورا أن تأجيل المشاورات جاء بقرار شخصي منه، مشيراً إلى أنه لم يوجه الدعوة إلى النظام السوري للمشاركة في المشاورات الفنية، لأن النظام يرفض خوض أي لقاءات فنية خارج المفاوضات الرسمية. وأوضح أنه قرر تأجيل المشاورات لأن أطياف المعارضة تمر حالياً بمرحلة صعبة في مناقشاتها الداخلية. وتابع "لا داعي لإجبارهم إذا كانوا غير جاهزين حتى الآن".

وأعرب دي ميستورا عن أمله في إجراء "تفاوض جاد" بين النظام السوري ووفد موحد للمعارضة في أكتوبر أو نوفمبر. وقال "فيما يتعلق بالحكومة (السورية) نعول كثيراً على روسيا وعلى إيران، وعلى أي طرف له نفوذ كبير، وعلى الحكومة السورية كي تكون مستعدة عند دعوتها إلى جنيف لبدء تفاوض حقيقي ومباشر مع أي منبر للمعارضة يحضر (المفاوضات)". واعتبر أن "سبتمبر وأكتوبر سيصبحان شهرين حاسمين للتسوية السورية". وقال "الأزمة السورية ستشهد تحولات نوعية خلال الأشهر القليلة المقبلة". وأكّد أن جولة جديدة من محادثات أستانة ستُعقد نهاية الشهر الحالي. وأشار إلى أن مناطق تخفيف التصعيد في سورية "أمر إيجابي إلى حد كبير". وأشاد بالمبادرة الروسية للمساعدة في تقديم مساعدات للسوريين المحاصرين، موضحاً أن خطاباً من وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في أغسطس الحالي مهد السبيل أمام نشر أفراد من الشرطة العسكرية الروسية على طريق مرور قافلة من الأمم المتحدة ومنظمة الصليب الأحمر وصلت دوما في الغوطة الشرقية أمس الخميس، وذلك للمرة الأولى منذ مايو/أيار الماضي. من جانبه، قال إيغلاند إن عدد "المناطق الهادئة" يتزايد في سورية. وحث قوات التحالف على تجنب وقوع ضحايا بين المدنيين، متحدثاً عن التكلفة البشرية الهائلة للحرب، لا سيما في مدينة الرقة حيث يقال إن المدنيين يستخدمون "كدروع بشرية". وحث المسلحين على السماح للمدنيين المحاصرين في مدينة الرقة بالفرار. وفي موسكو، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن موسكو ستواصل في إطار عملية أستانة الجهود الرامية إلى تنفيذ الاتفاق الخاص بإقامة منطقة خفض التصعيد في إدلب وإنقاذ سكانها من عنف الإرهابيين.


معركة الرقة

ودخلت عملية استعادة السيطرة على مدينة الرقة، أبرز معاقل "داعش" في سورية، يومها الـ72، في ظل تقدم ميداني تحققه "قوات سورية الديمقراطية" التي تهاجم تحت غطاء ناري كثيف من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وأوضح نوري محمود، المتحدث باسم الوحدات الكردية، التي تمثل الثقل الرئيسي في "سورية الديمقراطية" (قسد)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مقاتلي "سورية الديمقراطية" يحققون تقدماً في أحياء المدينة، مشيراً إلى أن اشتباكات، وصفها بـ"العنيفة"، تدور في حيي المنصورة والرشيد شرقي المدينة، أسفرت عن مقتل 13 من مسلحي "داعش"، بعد يوم من مقتل 19 عنصراً في حي الرشيد. وأشار محمود إلى أن حي نزلة شحادة جنوبي المدينة، وحي الدرعية غربها، يشهدان اشتباكات "عنيفة" أسفرت عن مقتل عدد من مسلحي "داعش"، وتدمير سيارات مفخخة يستخدمها التنظيم كوسيلة لردع "قوات سورية الديمقراطية" التي تؤكد أنها باتت تسيطر على نحو 70 في المائة من مساحة المدينة. وتعد مدينة الرقة من المدن السورية الصغيرة نسبياً، وتمتد على مسافة تقدر بنحو 8 كيلومترات من الشرق للغرب، و4 كيلومترات من الجنوب إلى الشمال، وتضم أكثر من 20 حياً و"حارة" تنسب لعائلات تقطنها.

وتؤكد مصادر محلية أن "قسد" استطاعت الوصول إلى قلب مدينة الرقة، وسيطرت على شارع القوتلي، أشهر شوارع المدينة، فيما تتضارب الأنباء حول وصول هذه القوات، مساء أول من أمس، إلى شارع الوادي، و"دوار الساعة" أشهر ميادين الرقة، والذي تعني السيطرة عليه تضييق الخناق على مسلحي التنظيم وحصرهم ضمن أحياء وحارات ضيقة لا تمكنهم من القيام بمناورة عسكرية تحد من تقدم القوات المهاجمة. وخسر التنظيم منذ السادس من يونيو/حزيران الماضي عدة أحياء من المدينة، هي السباهية، والرومانية، واليرموك، والقادسية، وبريد الدرعية، وقسم من نزلة شحادة، والمشلب، والصناعة، وأجزاء من المدينة القديمة، والبتاني، وتل البيعة، وأجزاء من هشام بن عبد الملك، والجسر الجديد المقام على نهر الفرات الذي يحاذي مدينة الرقة من الجهة الجنوبية. في غضون ذلك، لا يزال قصف طيران التحالف الدولي يحصد أرواح عشرات المدنيين يومياً في الرقة، أغلبهم أطفال ونساء، ومن بينهم عائلات كاملة. وذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أنه تم انتشال جثامين 21 مدنياً، بينهم 11 طفلاً و5 نساء، جراء قصف طيران التحالف الدولي مساء الثلاثاء الماضي لشارع المعتز في منطقة الرشيد في المدينة القديمة وسط الرقة، مؤكداً مقتل 25 على الأقل في القصف المذكور، فيما أكد نشطاء أن عدد القتلى يصل إلى 30، إذ أبيدت ثلاث عائلات بالقصف. وأكد نوري محمود أن "قوات سورية الديمقراطية" قامت صباح أمس الخميس "بإجلاء 250 إلى 300 مدني، بينهم 10 أطفال، من مدينة الرقة. وتم نقل جرحى إلى مراكز تقديم الإسعافات بغية نقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج، فيما تم تسليم الباقي إلى الجهات المختصة لإيوائهم". ونشر نشطاء محليون صوراً على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر حجم الدمار الكبير الذي تعرضت له الرقة جراء القصف المتواصل من طيران التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، مشيرين إلى أن هناك عملية تدمير واضحة للمدينة، التي تحول أغلب أحيائها إلى ركام.

معارك الغوطة

ولا تزال الاشتباكات العنيفة تدور على جبهتي عين ترما في الغوطة الشرقية، وحي جوبر الدمشقي، إذ تواصل قوات المعارضة السورية التصدي لمحاولات ما يُسمّى بـ"قوات النخبة" في الفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، اقتحام الغوطة، متجاوزة اتفاق "خفض التصعيد" الموقع في القاهرة بين روسيا والمعارضة في العشرين من الشهر الماضي. وذكر "فيلق الرحمن"، أمس الخميس، إنه تصدى لمحاولة اقتحام من قوات الفرقة الرابعة على جبهة عين ترما، مشيراً إلى أن مقاتليه قتلوا خمسة من القوات المهاجمة، وأصابوا العشرات، ما أدى لتراجعها. وأشار "الفيلق"، وهو أبرز فصائل الغوطة الشرقية وحي جوبر، إلى أنه قام، على مدى الأيام الماضية، بعمليات استدراج لقوات الفرقة الرابعة إلى عدة كمائن في جوبر، ما أدى إلى مقتل العشرات، بينهم ضباط، وتدمير عدة دبابات.

وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن "جيش الإسلام"، وهو من فصائل الغوطة البارزة، هاجم أمس مقرات لـ"فيلق الرحمن" قرب الأشعري والمحمدية، بالتزامن مع المعارك ضد قوات الفرقة الرابعة، مشيرة إلى أن "جيش الإسلام" اقتحم غرفة عمليات "الفيلق"، موضحة أن هناك حالة استياء داخل الغوطة نتيجة الاحتراب الداخلي الذي يتزامن مع محاولات اقتحام قوات النظام للغوطة. ودخلت أمس ست شاحنات روسية، محملة بنحو 30 طناً من المساعدات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة، مناطق في الغوطة الشرقية. وقال الناشط الإعلامي، محمد الغوطاني، الموجود داخل الغوطة، إن المساعدات دخلت من معبر حي الوافدين، مشيراً، لـ"العربي الجديد"، إلى أن المساعدات موجهة إلى مدينة دوما ومحيطها، إضافة إلى منطقتي الشوفونية والريحان. وتحاصر قوات النظام الغوطة الشرقية منذ أكثر من أربع سنوات، وهو ما أدى إلى خلق أزمات إنسانية تطاول أكثر من نصف مليون مدني داخل مدنها وبلداتها وقراها.