ذوو الموقوفين "الجهاديين" في الأردن: رحمة ملكية وخيارات للتصعيد

ذوو الموقوفين "الجهاديين" في الأردن: رحمة ملكية وخيارات للتصعيد

05 يوليو 2017
شن الأمن حملات اعتقال بعد هجوم الكرك(خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
داخل مزرعة على أطراف العاصمة الأردنية عمّان، التقت، أول من أمس، العشرات من عائلات "الجهاديين" الأردنيين، أو المعتقلين على خلفية اتهامهم بالانتماء أو الترويج أو تمويل التنظيمات الإرهابية، ليعرضوا لعدد محدود من وسائل الإعلام قضيتهم. الاجتماع، الذي انتهى بمناشدة للعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، بإصدار عفو عن مئات المعتقلين بتهم تتصل بالتنظيمات الإرهابية، هو الأول من نوعه، الذي يضم عائلات معتقلين من مختلف محافظات المملكة، تعارفوا خلال الأسابيع والأشهر القليلة الماضية، بعد لقاءت متكررة خلال مراجعتهم الدوائر الأمنية لمتابعة قضايا معتقليهم. وشنت الأجهزة الأمنية الأردنية حملات اعتقال واسعة على المنتمين للتيار السلفي "الجهادي"، طاولت، في كثير من الأحيان، أشخاصاً لمجرد الاشتباه بهم، وذلك في أعقاب الهجوم الإرهابي على مدينة الكرك الجنوبية، في 18 ديسمبر/كانون الأول 2016. وتبنى تنظيم "داعش" هجوم الكرك، الذي ذهب ضحيته 11 من عناصر الأمن والمدنيين وسائحة كندية، وانتهى بالقضاء على 6 إرهابيين نعاهم التنظيم.

وأحيطت حملات الاعتقال بسرية وتكتم كبيرين. وحتى اللحظة لم يعلن رسمياً عن عدد المعتقلين، وسط تقديرات حقوقية تشير إلى تجاوزهم الألف معتقل، حتى أن المركز الوطني لحقوق الإنسان (شبه حكومي) انتقد "توقيف أشخاص بأعداد غير مسبوقة على خلفية العملية الإرهابية في الكرك... كثيرون تم توقيفهم من دون أن يعلن عن ارتكابهم أي جرم محدد، ولم توجه لهم تهم، ولم تتم إحالتهم إلى القضاء". الاجتماع الذي جرى في مزرعة يملكها أحد أفراد عشيرة أردنية، هو محمد الحديد، عضو اللجنة الشعبية للدفاع عن معتقلي الرأي (غير مرخصة)، أثار قلق الأجهزة الأمنية، فانتشرت في محيط المزرعة، قبل أن تعمد إلى إغلاق المداخل المؤدية إليها للحيلولة أمام توافد المزيد من عائلات المعتقلين. ويمثل اللقاء تطوراً على مستوى الشبكات الاجتماعية وتوسعها من "العائلات الجهادية"، لتضم عائلات لا تمتلك تاريخاً مع "الجهادية" السلفية. ويلخص أحد الحاضرين انخراطه في الشبكة الاجتماعية المطالبة بالإفراج عن المعتقلين بالقول "حالنا من بعضه". وكان الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، محمد أبو رمان، قد توقع، خلال حديث سابق مع "العربي الجديد"، بروز شبكات اجتماعية بين عائلات "الجهاديين" أو المعتقلين على خلفية قضايا إرهابية تطالب بالإفراج عن المعتقلين.


ويقول عبد الجبار حسن، وهو والد أحد المعتقلين، "قبل اعتقال ابني لم أكن أعرف أحداً من الحاضرين. بعضهم تعرفت عليه أثناء متابعة قضية ابني، وآخرون تعرفت عليهم اليوم فقط". غالبية الحضور لا ينتمون إلى التيار السلفي "الجهادي"، وهو أمر دل عليه نمط الملابس التي يرتدونها، وسلوكيات مثل التدخين، وعدم بدء حديثهم بالبسملة والصلاة على النبي، كما يفعل السلفيون عادة. وفي ما راعى اللقاء، في بدايته، عدم الاختلاط بين الرجال والنساء، إلا أنه سمح لاحقاً لهن بالجلوس في المكان المخصص للرجال لسرد شهاداتهن. وأبدى المستمعون تعاطفاً واضحاً مع من سرد شهاداته عن الظروف التي أحاطت اعتقال من يخصهم، ولاحقاً أوضاعهم في السجون بعد السماح بزيارتهم.

روايات من جانب واحد
كان مقرراً أن يتخرج أحمد عبد الجبار حسن من كلية العلوم في الجامعة الهاشمية تخصص فيزياء، الشهر الماضي، لكن اعتقاله من قبل دائرة الاستخبارات العامة، مطلع مارس/آذار الماضي، حال دون ذلك، وهو موقوف حتى اليوم، إذ يواجه تهمة الترويج لـ تنظيم "داعش". ويصف والده التهم بـ"الافتراءات"، مؤكداً أنه ليس لدى ابنه ميول متشددة. ومكث أحمد لدى الاستخبارات نحو 45 يوماً، زارته خلالها بعثة الصليب الأحمر ثلاث مرات، ونقلت منه رسائل إلى أسرته، اطلعت عليها "العربي الجديد"، يبلغهم فيها تحياته ويعبر عن حبه لهم ويؤكد فيها أنه مظلوم. وفيما أشارت تقارير الصليب الأحمر إلى أن الشاب كان يتمتع بحالة صحية جيدة، فوجىء والده عندما زاره في السجن بأنه قد فقد الذاكرة. ويقول "ابني لا يعرف أي شيء، لا أنا ولا أمه ولا إخوانه ... إنني في حالة نفسية وجسدية صعبة". ويدعي الوالد أن ذلك ناتج عن التعذيب القاسي الذي تعرض له في دائرة الاستخبارات العامة. كذلك اعتقلت الدائرة طالب الجامعة في مرحلة التخرج من تخصص الكيمياء، أحمد شحادة، ووجهت له تهمة الانتماء إلى "داعش". وقال والده حسام شحادة "اعتقلوا أحمد من داخل الحرم الجامعي. ابني ليس متديناً. من جديد صار يصلي". يصر الأب على أن ابنه بريء، وهو يعتقد من خلال العلاقات التي كونها مع أهالي المعتقلين أن "غالبية المعتقلين أبرياء". وناشد الملك التدخل للإفراج عن ابنه وغيره من المعتقلين، مؤكداً "نحن ننتمي إلى هذا الوطن والعائلة الهاشمية (العائلة المالكة)، وندافع عن بلادنا بأرواحنا".

وخلافاً لجميع قصص العائلات التي اعتقل أبناؤها بعد هجوم الكرك الإرهابي، فإن نضال قزاز اعتقل في 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل أحداث الكرك بقرابة الشهرين. ويواجه نضال (40 سنة)، تهمة تمويل جماعات إرهابية. وتقول زوجته "مشكلة زوجي أنه قدم مساعدة مالية لأسرة تعاني أوضاعاً مالية صعبة، وكانت مهددة بالطرد من منزلها المستأجر نتيجة لتراكم الأجرة. وتبين لاحقاً أن رب تلك الأسرة كان يقاتل في سورية وعاد" إلى الأردن. وتؤكد أن "المال الذي قدمه لهم كان قرضاً وأعادوه، لكنه اعتقل واتهم بتمويل الإرهاب". ومكث نضال لدى دائرة الاستخبارات قرابة 70 يوماً، بعد نقله إلى أحد السجون. وتدعي زوجته أنه أخبرها، عند زيارته، عن تعرضه للتعذيب، مشيرة إلى أنه يعاني وضعاً صحياً حرجاً يتطلب نقله إلى المستشفى بشكل عاجل. وترفض الجهات الرسمية الرد على تلك الروايات، فيما تكتفي مصادر أمنية بنفي تعرض أي من المعتقلين للتعذيب.

طلب الرحمة وخيارات التصعيد
وغلب "التذلل" واستدرار العطف على خطابات عائلات المعتقلين. وفي لغة لا يعرفها أتباع التيار السلفي الجهادي، ناشدوا الملك إصدار عفو عن أبنائهم وعن جميع المعتقلين "ظلماً" كما يقولون. ورفعوا لافتات تتحدث عن الرحمة التي يمتاز بها الهاشميون، والتي يرجونها في الملك. رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن معتقلي الرأي، أبو عبده الكاتب، أحد المقربين من التيار السلفي "الجهادي"، أكد استمرار مطالبة اللجنة بالإفراج عن جميع المعتقلين، مشيراً إلى أن المطالبة لن تنحصر مستقبلاً بإطلاق المناشدات. وقال "سنبقى نطالب، لكن في المرات المقبلة لن نعقد لقاءاتنا في مكان معزول، سنخرج إلى الشارع، سنقف أمام الديوان الملكي حتى يسمعونا. سنصعّد". وختمت عائلات المعتقلين اللقاء بتبادل أرقام الهواتف بين من تعارفوا للمرة الأولى، ووعود بتبادل الزيارات بين من تعارفوا سابقاً، وتبادل الأمنيات بأن تنتهي محنتهم قريباً.

دلالات