الاستراتيجية الأميركية الجديدة إزاء أفغانستان: ترحيب ومخاوف

الاستراتيجية الأميركية الجديدة إزاء أفغانستان بين ترحيب كابول ومخاوف إسلام أباد

24 يوليو 2017
القوات الأميركية في أفغانستان (وكيل كوهسار/فرانس برس)
+ الخط -


طُرحت تساؤلات كثيرة حول استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة إزاء أفغانستان تحديداً والمنطقة عموماً. وهي في الواقع إستراتيجية حكومة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أن وُصفت استراتيجية سلفه باراك أوباما بـ"غير المجدية". وأظهرت أحداث وتصريحات لمسؤولين أميركيين بأن الإستراتيجية الجديدة قد تشمل المنطقة بأسرها، تحديداً المناطق القبلية الباكستانية"، بعد أن كانت استراتيجية أوباما تركز على أفغانستان، مع الاعتماد على باكستان كحليف استراتيجي مهم له.

المواقف الأميركية الأخيرة ومجريات الأحداث الأفغانية، أبرزت جانباً من الاستراتيجية الأميركية المرتقبة، التي أقلقت باكستان وأثارت غضبها. بدورها، رحّبت كابول بتلك المواقف، في ظلّ توقعها بأن تصبّ سياسات ترامب المقبلة في صالحها ووفق مطالبها. وعندما أكدت الخارجية الأميركية، يوم الأربعاء الماضي، أن "في باكستان ملاذات آمنة للحركات الجهادية، لا سيما طالبان وشبكة حقاني وهما تربكان الأمن في أفغانستان"، أعربت إسلام أباد عن حفيظتها. وذكرت الخارجية الباكستانية في هذا الصدد، أن "سياسة باكستان الدائمة هي العمل ضد جميع الجماعات المسلّحة بما فيها طالبان وشبكة حقاني"، مشدّدة على أن "بلادها لن تفرّق بين الجماعات المسلحة". واعتبرت أن "جميع تلك الجماعات خطر لأمن المنطقة".

في هذا السياق، أفاد المتحدث باسم الخارجية الباكستانية، نفيس زكريا، بأن "القوات المسلحة استأصلت جذور الجماعات الإرهابية خلال عملياتها الأخيرة وقتلت الكثير من قيادات شبكة حقاني". كما أكد المتحدث باسم الجيش أصف غفور، أن "القوات المسلحة الباكستانية استهدفت، وما زالت، جميع الجماعات المسلحة من دون استثاء، وفي كافة أرجاء البلاد".

وعكس باكستان، لاقى بيان الخارجية الأميركية قبولاً واسعاً في الأوساط الأفغانية، الشعبية والسياسية، بل طالب البعض بأن تكون باكستان من ضمن الدول التي تموّل الإرهاب. وكانت وزارة الدفاع الأفغانية أول من رحب بالبيان، مطالبة الولايات المتحدة وحلفاءها بـ"العمل ضد مراكز المسلحين الآمنة في باكستان، وأن تضغط على إسلام أباد أكثر كي تتخلى عن دعم المسلحين"، مشيرة إلى أن "المعضلة الرئيسية والخطر الحقيقي هو دعم باكستان للجماعات المسلحة". كما طلب السياسيون من الحكومة الأفغانية أن "تستغل هذه الفرصة وأن تعمل لأجل القضاء على مراكز المسلحين الآمنة على الجانب الثاني من الحدود".



في هذا الإطار، ذكرت عضوة البرلمان أريون يون، أنه "يتوجب على الحكومة الأفغانية أن تبادر لتقديم الأدلة والشواهد التي تؤكد ضلوع الجيش الباكستاني في العبث بأمن أفغانستان، وأن حمام الدم المتواصل في بلادنا هو نتيجة التدخل الباكستاني". وأضافت أنه "على المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة ممارسة المزيد من الضغط اقتصادياً وعسكرياً، كي تتخلى هي عن دعم الجماعات المسلحة التي تعبث بأمن المنطقة بأسرها وليست أفغانستان فحسب". ولكن لدى الباكستانيين وجهة نظر أخرى، وهي أنه مهما مارست الولايات المتحدة وحلفاؤها الضغوط إلا أن لدى باكستان ظروفا خاصة، وهي كلما تعمل ضد المسلحين تطالب واشنطن بالمزيد. في هذا الصدد، اعتبر المحلل السياسي الباكستاني طاهر خان، أنه "كلما رضخت إسلام أباد للضغوط الأميركية، تطالب الأخيرة بالمزيد. لذلك فإن الأحوال الباكستانية الداخلية هي المؤثر الأقوى في تعيين سياسات البلاد.

وهذا ما أشار إليه مستشار رئيس الوزراء الباكستاني في الشؤون الخارجية سرتاج عزيز أكثر من مرة بالقول: إننا لن نعمل ضد طالبان التي تنشط في أفغانستان، لأننا لن نتحمل أن نجعلها أعداء لنا، والأحرى أن نعمل ضد من يعبث بأمن بلادنا".



وبعد قرار الولايات المتحدة إرسال خمسة آلاف جندي إضافي إلى أفغانستان، رأى الصحافي الباكستاني طلعت حسين، أن "هذا العدد من الجنود، وقد يكون أكثر، ليس لأجل الحرب في أفغانستان بل لأجل المخططات الأميركية في المنطقة عموماً وفي باكستان خصوصاً". وأوضح أن "الخطة المقبلة لواشنطن تكمن هي زيادة عدد الغارات الجوية ضد المسلحين في باكستان، وامتدادها إلى المدن، بعد أن كانت تركز في السابق على منطقة القبائل، وشنّ القوات الأميركية عمليات عسكرية مباشرة على غرار عملية مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، بذريعة استهداف قيادات طالبان وشبكة حقاني".

وجاء كل ذلك في خضم الملفات الداخلية الباكستانية الآخذة في التبلور، كالصدام بين المؤسسة العسكرية والحكومة المدنية على خلفية "أوراق بنما"، التي اتهمت رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف بالفساد. وقد أكدت اللجنة الخاصة ذلك وأحيلت القضية إلى المحكمة العليا وهي تنظر فيها. الزعم السائد لدى الحزب الحاكم أن الجيش وراء ذلك.

فضلاً عن ذلك، فإن موجة جديدة من العنف بدأت مع استهداف الجماعات الانفصالية البلوشية مواقع عسكرية ومنشآت حكومية باكستانية في الآونة الأخيرة وهي ظاهرة خطيرة، يخشى من تبلورها في الأيام القليلة المقبلة.

وعلى وقع التغيير في إستراتيجية واشنطن، شهدت الحدود الغربية لباكستان مع الهند والحدود الشرقية مع أفغانستان تواتراً متزايداً، فاستدعت الخارجية الباكستانية خلال الأيام الماضية مرتين نائب السفير الهندي جبي بي سنك، بعد مقتل عدد من المدنيين والجنود إثر نيران هندية. كما استهدفت القوات الهندية بنيران مباشرة سيارات ومدرعات الجيش الباكستاني. وقال الجيش الباكستاني إنه قتل جنوداً هنوداً رداً على تلك الهجمات مدمّراً عدداً من مواقعهم.

أيضا، أثار قيام السلطات الباكستانية بنصب جدار وأسلاك شائكة على الحدود مع أفغانستان حفيظة الأفغان، وقد توعدت القبائل الأفغانية خلال اجتماعات متتالية القضاء على تلك الأسلاك مهما تكون النتيجة. كما عدت الحكومة الأفغانية الخطوة خلافا للعادات القبلية والاتفاقيات الموجودة بين الدولتين. ولكن باكستان تدعي أنها تفعل ذلك لقطع الطريق على المسلحين، ولمنع الهجمات التي يقوم بها المسلحون على المواقع الباكستانية من الجانب الأفغاني.


المساهمون