مصر: أزمة مالية جديدة بين القضاة والحكومة

مصر: أزمة مالية جديدة بين القضاة والحكومة بسبب "بدل العلاج"

19 يوليو 2017
من إحدى المحاكمات في مصر (حسن محمد/الأناضول)
+ الخط -
استمراراً للمشاكل بين حكومة الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، من ناحية والقضاة من ناحية أخرى خصوصاً في ما يتعلق بالأمور المالية، كشفت مصادر قضائية في محكمتي النقض واستئناف القاهرة عن توقف صرف بدل العلاج لجميع أعضاء الهيئات القضائية منذ يونيو/ حزيران الماضي.

وذكرت المصادر، أن عدداً من القضاة وأعضاء النيابة على رأسهم، المستشار محمود الشريف، مساعد وزير العدل حسام عبدالرحيم وشقيق النائب محمود الشريف، وكذلك القاضي محمد عبدالهادي المقرب من وزير العدل السابق، أحمد الزند، أقاموا دعوى قضائية أمام دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة استئناف القاهرة لإلزام رئيس الوزراء ووزير المالية ورئيس موازنة القضاء والنيابة العامة، ورئيس الإدارة المالية للاستحقاقات، بصرف بدل الدواء الشهري المقرر للقضاة وأعضاء النيابة العامة من الخزانة العامة، وذلك ابتداء من شهر يونيو/ حزيران الماضي الذي أوقفت فيه الحكومة صرف البدل.

كما طالبت الدعوى القضائية بإدراج بدل الدواء الشهري المقرر للقضاة وأعضاء النيابة العامة ضمن موازنة القضاء والنيابة العامة باعتباره جزءاً من الراتب. وذكرت الدعوى أنه تم صرف بدل دواء شهري للقضاة وأعضاء النيابة العامة بمختلف درجاتهم بصفة دورية وبانتظام لمدة 30 عاماً، وأن ذلك البدل أدرج في بيان صرف مفردات الراتب ببند مستقل تحت مسمى "مقابل الدواء".

إلا أنه في الآونة الأخيرة - والكلام لنص الدعوى - تم وقف صرف هذا البدل لمدة تجاوزت الشهرين بدعوى عدم وجود موارد في الصندوق تغطي صرفه، ثم قدمت وزارة المالية إعانات مالية لتغطي الصرف ولكن من دون الالتزام بمواعيد الاستحقاق، حتى تم تعطيل صرف هذا البدل لمدد طويلة مما أدى إلى تراكم مستحقات القضاة وأعضاء النيابة العامة المالية الناشئة عن هذا البدل، وبالتالي ألحق أضراراً مادية بالغة بهم، باعتبار أن ذلك البدل يعتبر جزءاً من الراتب الشهري، وقد اتخذه بعض القضاة وأعضاء النيابة العامة كضمانة لسداد أقساط قروض بنكية حصلوا عليها لتعينهم على التزاماتهم الاجتماعية.

وتوقعت المصادر القضائية، أن تقبل المحكمة هذه الدعوى بما يرفع سقف التحدي بين الحكومة والقضاة، لا سيما أن المشاكل المالية هي أحد الأسباب الرئيسية لرغبة السيسي في السيطرة على الهيئات القضائية للحد من إنفاقها المكفول استقلاله وفقاً للدستور.

وكان "العربي الجديد" قد نشر في مايو/ أيار الماضي معلومات على لسان مصادر حكومية في وزارة المالية حول إبلاغ الهيئات القضائية بعدم إمكانية فتح اعتمادات إضافية للموازنات الخاصة بها من بداية العام المالي 2017/ 2018، في ما يعتبر خطوة لخفض المصروفات التي تتكبدها الدولة لتغطية عجز الموازنات الخاصة بالقضاء والإنفاق عليه.

وكشفت المصادر عن صدور تعليمات مشددة من رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، لوزيري المالية عمرو الجارحي، والعدل حسام عبد الرحيم، بضرورة عدم فتح أي اعتمادات إضافية للموازنات، تحت أي بند، بما في ذلك بند تنفيذ الأحكام القضائية التي يحصل عليها القضاة، عبر صرف مستحقات أو معاشات أو بدلات أو مكافآت، طالما لم يتم تضمينها الموازنة المحددة سلفاً، والتي سيعتمدها مجلس النواب خلال أيام. وبلغت موازنة ديوان وزارة العدل للعام المقبل ملياراً و956 مليون جنيه، وموازنة المحكمة الدستورية 119 مليوناً و920 ألف جنيه، بزيادة 26 مليوناً و200 ألف جنيه، وموازنة مجلس الدولة ملياراً و677 مليون جنيه، بزيادة 180 مليون جنيه، وموازنة هيئة قضايا الدولة ملياراً و465 مليون جنيه، بزيادة 215 مليون جنيه، والنيابة الإدارية ملياراً و972 مليون جنيه، بزيادة 440 مليون جنيه.

وأوضحت المصادر أن السيسي "غضب بشدة" من تفاصيل الإنفاق داخل الهيئات القضائية بعد عرضها عليه من قبل وزير المالية، عمرو الجارحي، خلال الشهر الماضي، لا سيما بعدما تبين أن كلاً من القضاء العادي ومجلس الدولة يلزمان الحكومة بفتح اعتمادات إضافية لسداد مستحقات مالية للقضاة، بحجة تنفيذ أحكام قضائية، عبر صرف بدلات أو مكافآت جهود غير عادية، كان آخرها استصدار قضاة محكمة النقض حكماً بصرف مكافأة جهود غير عادية لهم، نظير قيامهم بالنظر في الطعون الانتخابية الخاصة بأعضاء مجلس النواب والفصل فيها، رغم أن هذا الاختصاص منوط بهم بموجب الدستور.

كما استصدر قضاة بمجلس الدولة حكمين قضائيين بصرف بدلات إدارية، يتقاضاها القضاة الذين يقومون بوظائف تنفيذية داخل المجلس، رغم عدم ممارستهم هذه الوظائف، وهو ما وصفته المصادر بـ"مبالغ مالية ضخمة قد تربك الموازنة العامة بشكل عام"، مشيرة إلى أنه في ما مضى كان القضاة يلزمون الحكومة بتنفيذ مثل هذه الأحكام من خلال فتح اعتمادات إضافية لموازناتهم. وشددت المصادر على أن الزيادات التي طرأت على موازنات الهيئات القضائية هي في حدود تنفيذ أحكام قديمة بالمعاشات والبدلات والتعويضات للقضاة والعاملين الإداريين، وأنه لن يتم تنفيذ أي حكم يصدر مستقبلاً إلا بالنسبة للحالات الفردية المتضررة من قرارات إدارية بعينها، وليس للحالات الجماعية كما جرت العادة سلفاً.