دور أميركي مبهم في العراق: إدارة الأزمة بلا حلول

دور أميركي مبهم في العراق: إدارة الأزمة بلا حلول

19 يوليو 2017
حسمت واشنطن قرارها بإبقاء قوات في العراق(صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -


حصلت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الغارقة بهمومها ومشاكلها الداخلية، على شحنة من الزخم بعد استرجاع مدينة الموصل العراقية من سيطرة تنظيم "داعش" بمساعدة أميركية، إذ بدت المعركة كترجمة وإن جزئية لوعد ترامب بهزيمة التنظيم. لكن في الوقت نفسه فرض حسم المعركة طرح سؤال أساسي: ما هو الدور الأميركي في العراق بعد هذا النصر العسكري؟

الواضح أن هناك شبه إجماع في واشنطن بأن الانسحاب من العراق هذه المرة غير وارد. وزير الدفاع جيمس ماتيس شدد على هذا الأمر منذ فترة، فالقوات الأميركية باقية في العراق "والمعركة طويلة" كما قال. بينما تبدو وزارة الخارجية مغيّبة عن هذا الملف، فيما البيت الأبيض لا يعتبره من بين أولوياته، إلا بقدر ما يتعلق الأمر بالحضور الإيراني في العراق. ولهذا تُرك القرار لوزارة الدفاع بشأن تحديد الدور الجديد للقوات الأميركية في العراق وهي التي ساعدت في معركة الموصل. ومن هذا المنطلق فإن احتمال تكرار التخبط والفشل وارد، فدور القوة العسكرية في مثل هذه الحالة يتحدد تبعاً لمستلزمات وضع سياسة متماسكة وهادفة موضع التنفيذ. وغياب هذه السياسة يحوّل الوجود العسكري الأميركي في أحسن أحواله إلى قوة أمنية رادعة نسبياً وفي مواقع محددة. بذلك تبقى الساحة العراقية جاهزة ليس فقط للانفجار، بل أيضاً لتفريخ العنف وتجمّع البؤر الإرهابية فيها من جديد.

ويدرك الأميركيون أن معضلة العراق أعمق من مسألة أمن، هي في صميمها سياسية وعنها تتفرع الجوانب الطائفية والإثنية والمحلية والإقليمية. هذا الواقع يفرض تحديات صعبة على الأرض، لا تملك واشنطن التصور والرؤية ولا الرغبة ربما، للمساعدة الفاعلة على مواجهتها والتغلب عليها. وإذ لا ينكر أحد صعوبة تخطّي العوائق الداخلية، إلا أن أخطاء واشنطن وباعتراف أوساط أميركية ناقدة، أدت إلى مفاقمة هذه العوائق، من خلال الغزو الذي فتح أبواب العراق أمام الخارج المجاور الذي دخل وعمل على ترسيخ الخلل في المعادلة المحلية.


اليوم بعد حسم معركة الموصل، لا يبدو أن إدارة ترامب عازمة على أكثر من مواصلة التعامل مع معادلة الأمر الواقع وإدارة الأزمة بما يضبط التوازنات ما أمكن. والمتداول الآن في هذا الخصوص، لا يختلف لجهة تشخيص الأزمة وتوصيف معالجاتها، عما كان مطروحاً في زمن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. ربما الفارق اليوم أن استعادة الموصل شكّلت "نقطة تحوّل"، كما قال نائب وزير الخارجية السابق انطوني بلانكيت في ندوة موسعة أخيراً في مركز "وودرو ولسون" للدراسات والأبحاث في واشنطن. وشدد في هذا السياق، كما غيره من المشاركين في الندوة، على الأهمية البالغة لمعالجة الأساسيات، مثل "استعادة المكوّن السني" إلى المعادلة و"اعتماد اللامركزية" التي توفر صلاحيات واسعة للسلطات المحلية في المناطق "من ضمن عراق موحّد"، فضلاً عن ضرورة إبقاء قوات أميركية في العراق إلى حين.

مع ذلك حذر روبرت مالي، المسؤول السابق في إدارة أوباما، من "احتمال تفاقم اللاستقرار بعد الموصل في ضوء تعقيدات الوضع والخصومات العربية والكردية والشيعية والسنّية والتداخلات التركية والإيرانية". الضمانة التي قد تخفف من حدة هذا الخطر تتمثّل في "قيام حكومة وحدة وطنية شاملة". هذه الفكرة مطروحة منذ فترة سابقة وتعذر تحقيقها بسبب ثقل الحضور الإيراني في العراق "الذي يشكّل التحدي الأكبر" على ما قال السفير الأميركي السابق في بغداد وأنقرة جيمس جيفري. وتحدث بقية المشاركين في الندوة باللغة نفسها تقريباً عن هذا الدور الإيراني الذي "ينبغي على واشنطن التصدي له لكن من غير الاصطدام به، عن طريق الانخراط المتواصل مع العراقيين" مع بذل الجهود اللازمة لحملهم "على تصديق واشنطن" بعد أن تخلّت عنهم في السابق، كما قال جيفري.

وكان من اللافت أن المشاركين في الندوة نأوا عن توجيه انتقادات لاستعدادات إقليم كردستان للانفصال، على الرغم من حديثهم عن الحرص على وحدة العراق. لكن الأستاذ الجامعي، كولن كال، حذر من هذه الخطوة "لأنها غير قابلة للحياة اقتصادياً" وليس لأنها انفصالية. والمعروف أن الطموح الكردي بالاستقلال يحظى بتأييد وتعاطف واسعين في واشنطن. يقابل ذلك رفض عارم لنفوذ إيران في العراق. لكن مع ذلك ليس في الأفق ما يشير إلى تحوّل هذا الرفض إلى أكثر من محاولة احتوائه.