الإجراءات التصعيدية ضد قطر: الكويت تتوسّط والدوحة ترفض الوصاية

الإجراءات التصعيدية ضد قطر: الكويت تتوسّط والدوحة ترفض الوصاية

06 يونيو 2017
أجّل أمير قطر خطابه بناءً على طلب أمير الكويت(Getty)
+ الخط -
دخلت الأزمة التي تسببت بها قرارات كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين ضد قطر، سريعاً، مرحلة الاتصالات لاحتواء التوتر الناجم عن قطع العلاقات مع الدوحة وإغلاق الحدود معها وسحب الرعايا منها. وتسارعت الاتصالات العُمانية والكويتية والأميركية للتهدئة، بعدما أعلنت قطر، ممثلة بحكومتها وبوزارة خارجيتها، أنها لن تتنازل عن سيادتها وأنها لن تسمح بفرض الوصاية عليها. وبينما كان القطريون والرأي العام في انتظار كلمة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فقد قرر الأخير تأجيل الخطاب، بناءً على طلب قدمه الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، لأمير قطر، خلال اتصال هاتفي بينهما، مساء الاثنين، لإتاح المجال للاتصالات. وفي إطار هذه الاتصالات، يتوجه أمير الكويت يوم الثلاثاء إلى الرياض.


وبدا أن القرارات السعودية ــ الإماراتية ــ المصرية ــ البحرينية لم تجد الصدى الذي تأمل به أطراف الحملة، لا في واشنطن، حيث أعلنت وزارة الدفاع أنها ممتنة لدور قطر في الحفاظ على الأمن الإقليمي، بموازاة إعلان البيت الأبيض نيته إجراء اتصالات مع كافة الأطراف للتهدئة، ولا في عواصم خليجية مثل الكويت وعُمان، والأهم أنّ الموقف الشعبي في الخليج قابل الإجراءات التصعيدية باستياء، وهو ما ظهر في وسائل التواصل الاجتماعي خصوصاً، من دون أن يحول ذلك دون مواصلة وسائل إعلام محسوبة على الرياض وأبو ظبي حملتها التي تخللتها إساءات بحق شعب قطر، لا قيادتها السياسية فحسب.

وقد وجدت الحملة الإعلامية العنيفة التي تشنها وسائل إعلام محسوبة على السعودية والإمارات ومصر ضد دولة قطر، منذ نحو أسبوعين، ترجمتها السياسية، فجر الاثنين، على شاكلة قرارات تصعيدية غير مسبوقة، اتخذتها السعودية أولاً، لتلتحق بها حليفاتها من الإمارات إلى مصر فالبحرين طبعاً ودول أخرى تبلغت بالقرار أو عرفت به من وسائل الإعلام، فنسخته بدورها، مثلما فعلت حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وتلك التابعة لبرلمان طبرق في ليبيا، والمالديف وجزر موريس. إجراءات تصعيدية اتخذتها ضد قطر دول المحور السعودي ــ الإماراتي ــ المصري على المستويات السياسية والاقتصادية، من شأنها التأثير جدياً على حياة المواطنين والرعايا الخليجيين في قطر، بشكل يخالف أنظمة مجلس التعاون الخليجي، إذ لم تعرض تلك الإجراءات على المجلس، واقتصرت الدول التي اتخذتها على ثلاث، من دون سلطنة عمان ودولة الكويت. هكذا، تكون الحملة التي بدأت ضد قطر منذ الرابع والعشرين من مايو/ أيار الماضي، قد دخلت مرحلة التهديد بانهيار منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقطعت الرياض وأبوظبي والقاهرة والمنامة، في بيانات رسمية، علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وقررت إغلاق الحدود البرية السعودية والبحرية والمجال الجوي معها، وأمرت سفراءها بالعودة من الدوحة ومنع رعايا الدول الخليجية الثلاث من التوجه إلى قطر والطلب من رعايا قطر المقيمين والزائرين في الدول الخليجية الثلاث مغادرة أراضيها في مهلة 14 يوماً، بما يخالف أيضاً اتفاق حرية التنقل داخل دول مجلس التعاون الخليجي، وهو تصعيد غير مسبوق يضرب العلاقات بين شعوب دول الخليج. واستثنت السعودية الحجاج والمعتمرين القطريين من إجراءات منع دخول المملكة.

وفي حين ظهر بوضوح أن مجموعة القرارات المعادية ضد قطر هدفها محاولة إرغام الدوحة على التخلي عن سياستها الخارجية المستقلة، وفرض الإملاءات والوصاية عليها، مثلما أوضح بيان لوزارة الخارجية القطرية ولمجلس الوزراء من بعده، أعرب عن الأسف لهذه القرارات التي اعتبرها غير مبررة، مثلها مثل الحملة الإعلامية "الواسعةٍ والظالمة" والمستمرة منذ أسبوعين، فإن الدوحة بدت في وضع يرفض بالكامل الخضوع للتهديدات وللابتزاز وللترهيب بسلاح الحصار، وهو ما اختصرته الحكومة القطرية بإصرارها على "رفض التنازل عن القرار السيادي، ورفض انتهاك السيادة"، مع بقائها متمسكة بمبادئ منظومة مجلس التعاون. وبادر مجلس الوزراء إلى طمأنة المواطنين والمقيمين على أراضيها بأن "الحياة اليومية في البلاد لن تتأثر بالخطوات السعودية والبحرينية والإماراتية المستهجنة". وقد أبدى مجلس الوزراء القطري استغرابه من قرار الرياض وأبوظبي والمنامة، ووصفه بأنه غير مبرر، و"يهدف لممارسة الضغوط على قطر لتتنازل عن قرارها الوطني". وأكد مجلس الوزراء أن قطر ستبقى وفيّة لمبادئ مجلس التعاون، وتجدّد التزامها بالعمل مع المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب، ولفت إلى أنه اتخذ كل ما يلزم من احتياطات لضمان سير الحياة الطبيعية، مطمئناً إلى أن "المجالين البحري والجوي سيظلان مفتوحين للاستيراد والتنقل".


وكانت وزارة الخارجية القطرية قد اعتبرت أن القرارات ضد قطر، "غير مبرّرة، وتقوم على مزاعم وادعاءاتٍ لا أساس لها من الصحة". وأوضحت الوزارة أن دولة قطر تتعرّض "إلى حملة تحريض تقوم على افتراءاتٍ وصلت حد الفبركة الكاملة، ما يدل على نوايا مبيتة للإضرار بالدولة، علما بأن دولة قطر عضو فاعل في مجلس التعاون الخليجي، وملتزمة بميثاقه، وتحترم سيادة الدول الأخرى، ولا تتدخل في شؤونها الداخلية، كما تقوم بواجباتها في محاربة الإرهاب والتطرّف". ولفت بيان الوزارة إلى أن الحملة الإعلامية "فشلت في إقناع الرأي العام في المنطقة، وفي دول الخليج بشكل خاص، وهذا ما يفسّر التصعيد المتواصل".
وفي رد على إعلان السعودية والإمارات والبحرين، قالت وزارة الخارجية القطرية إن "اختلاق أسبابٍ لاتخاذ إجراءاتٍ ضد دولة شقيقة في مجلس التعاون لهو دليل ساطع على عدم وجود مبرّرات شرعية لهذه الإجراءات التي اتخذت بالتنسيق مع مصر، والهدف منها واضح، وهو فرض الوصاية على الدولة، وهذا بحد ذاته انتهاكٌ لسيادتها كدولة، وهو أمر مرفوض قطعيا". وأفادت الوزارة بأن الادعاءات التي وردت في بيانات قطع العلاقات التي أصدرتها الدول الثلاث "تمثل سعياً مكشوفاً يؤكد التخطيط المسبق للحملات الإعلامية التي تضمنت افتراءات كثيرة". وأكدت أن "هذه الإجراءات التي اتخذت ضد دولة قطر لن تؤثر على سير الحياة الطبيعية للمواطنين والمقيمين في الدولة، وأن الحكومة القطرية ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لضمان ذلك، ولإفشال محاولات التأثير على المجتمع والاقتصاد القطريين والمساس بهما". وأعربت الخارجية القطرية عن أسفها من "أن الدول الثلاث لم تجد، في هذه المرحلة الخطيرة، تحدياً أكثر أهميةً ومصيرية لشعوبها من التعرض لدولة قطر ومحاولة إلحاق الأذى بها".


وبدا واضحاً أن إعلانات السعودية والإمارات والبحرين، ومعها مصر، قطع العلاقات وإغلاق المنافذ، أعدّ لها سلفاً، بعد فشل الحملة الإعلامية في تحقيق مرادها. وزعمت الرياض على لسان مصدر مسؤول أنها اتخذت القرار "نتيجة للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة، سراً وعلناً، طوال السنوات الماضية، بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الدولة، والمساس بسيادتها، واحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة". وادعت الإمارات بدورها أنها اتخذت هذا الإجراء الحاسم نتيجة عدم التزام السلطات القطرية باتفاق الرياض لإعادة السفراء والاتفاق التكميلي له 2014، ومواصلة دعمها وتمويلها واحتضانها للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة والطائفية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين. واتهمت البحرين دولة قطر "بالمضي في زعزعة الأمن والاستقرار في مملكة البحرين، والتدخل في شؤونها والاستمرار في التصعيد والتحريض الإعلامي، ودعم الأنشطة الإرهابية المسلحة وتمويل الجماعات المرتبطة بإيران، للقيام بالتخريب ونشر الفوضى في البحرين". في المقابل، أعلنت القاهرة قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر، بدعوى "إصرار قطر على اتخاذ مسلك معادٍ لمصر، وفشل المحاولات لإثنائها عن دعم التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم الإخوان الإرهابي، وإيواء قياداته الصادرة بحقهم أحكام قضائية في عمليات إرهابية استهدفت أمن وسلامة مصر". وقد ردت الدوحة على هذه الادعاءات والمزاعم في بيانات الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة بالتأكيد على "أن هذه الإجراءات غير مبرّرة، وتقوم على مزاعم وادعاءاتٍ لا أساس لها من الصحة". وأعلنت الحكومة اليمنية انضمامها للدول الأربع، وقطع العلاقات مع قطر وتأييد إقصاء هذه الدولة من التحالف العربي، بعد أن كانت قد نشرت بياناً رسمياً على وكالة الأنباء اليمنية "سبأ"، تستنكر فيه "حملة الافتراء والتضليل التي تستهدف قطر"، قبل أن تحذفه من الموقع بضغط من الرياض. وكانت الحكومة اليمنية، التي يتواجد أغلب مسؤوليها في العاصمة السعودية الرياض، قد تبنت الاتهامات الموجهة إلى قطر بزعمها، في بيانها، أن خطوتها تأتي "بعد اتضاح ممارسات قطر وتعاملها مع المليشيات الانقلابية ودعمها للجماعات المتطرفة في اليمن، مما يتناقض مع الأهداف التي اتفقت عليها الدول الداعمة للحكومة اليمنية الشرعية".


وفي إطار الإجراءات التصعيدية، أعلنت قيادة التحالف العربي الذي تقوده السعودية إنهاء مشاركة القوات القطرية في التحالف في اليمن، فيما أعلن نادي الأهلي السعودي فسخ عقد الرعاية مع الخطوط الجوية القطرية. وعلقت شركات طيران خليجية رحلاتها الجوية من قطر وإليها، ابتداء من صباح اليوم، السادس من يونيو/ حزيران، إلى إشعار آخر. بدورها، أعلنت الخطوط الجوية القطرية تعليق كل رحلاتها إلى السعودية بعد قرار مماثل اتخذته الخطوط السعودية إثر قطع الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة. ودعت السفارة القطرية في أبوظبي المواطنين القطريين إلى مغادرة دولة الإمارات خلال 14 يوماً، حسب البيان الصادر من الجهات الإماراتية المختصة. وأفادت في تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، بأن الجهات المختصة في دولة الإمارات بينت أن المنافذ البرية والبحرية والجوية سوف تغلق أمام الحركة القادمة والمغادرة لقطر خلال 24 ساعة، وأنه في حالة تعذر السفر المباشر من الإمارات إلى قطر، فإنها تنصح القطريين بالسفر عبر دولة الكويت أو سلطنة عمان.

وباستثناء الدول القليلة المحسوبة على المحور السعودي ــ الإماراتي ــ المصري، ممن تبنت القرارات التصعيدية ضد قطر، غلبت دعوات التهدئة والحوار من عواصم إقليمية وعالمية، كالكلام الصادر عن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، الذي دعا الدول الخليجية إلى "الحفاظ على وحدتها، والعمل على تسوية الخلافات بينها"، على وقع تداعي وزراء خارجية تركيا والعراق وإيران لاجتماع مخصص لموضوع القرارات التصعيدية ضد قطر، بينما كان الموقف الأردني الرسمي يعول على "حكمة قادة الخليج" في حل خلافاتهم، على حد تعبير مصدر رسمي أردني، بينما كان موقف الأمين العام لجامعة الدول العربية أقرب إلى مواقف مراقب أجنبي، إذ أعرب، في بيان، عن أسفه "لوصول الأمور إلى هذه النقطة".

المساهمون