خارطة "مناطق التهدئة": لهذه الأسباب تخشى المعارضة السورية التقسيم

خارطة "مناطق التهدئة": لهذه الأسباب تخشى المعارضة السورية التقسيم

06 مايو 2017
ألكسندر لافرنتييف (يمين) عرّاب مناطق تخفيف التصعيد (فرانس برس)
+ الخط -
يثير اتفاق إنشاء "مناطق تخفيف التصعيد" ارتباكاً في الساحة السورية. وعلى الرغم من أن فرض مناطق آمنة في بعض المناطق هو مطلب قديم للمعارضة السورية، بغية تحييد المدنيين عن القصف الجوي، إلا أن الصيغة التي تمخض عنها اجتماع أستانة الأخير لم تكن هي ما أرادته المعارضة، في ظل مخاوف من أن يكرس الاتفاق مناطق نفوذ محلية وخارجية تكون مقدمة لتقسيم البلاد، إضافة إلى توجسها من دور إيران، خصوصاً أنه لم يتم التشاور مع المعارضة بشأن هذه الخطط. ولعل العنصر الأخطر الذي نص عليه الاتفاق بكل وضوح هو ضرورة مواصلة القتال ضد تنظيمي "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً)، ما قد يعني إثارة احتراب داخل المعارضة السورية التي تتداخل فيها مناطق نفوذ الفصائل مع "جبهة فتح الشام"، على غرار ما يحصل حالياً في الغوطة الشرقية. وأعطت الخطة تاريخاً حتى 4 يونيو/ حزيران المقبل لتحقيق الفصل بين فصائل المعارضة "المعتدلة" و"جبهة فتح الشام". ويعيش في الغوطة التي شملها اتفاق مناطق تخفيف التصعيد حالياً قرابة 350 ألف نسمة من أصل نحو مليونين قبل الحرب، وقد استطاعت قوات النظام في الفترات الأخيرة أن تقلص المساحة التي تسيطر عليها قوات المعارضة في المنطقة، بعد أن بلغت أكثر من 185 كيلومتراً مربعاً في أوج توسعها قبل عامين. ولجأت قوات النظام في الأسابيع الأخيرة إلى تشديد الحصار على الغوطة من خلال إغلاق الأنفاق التي تربطها مع منطقتي برزة والقابون الخاضعتين للمعارضة في شرق دمشق، ما تسبب في ارتفاع كبير في أسعار كل البضائع. ووقف القتال مع قوات النظام في الغوطة، يعني على الأرجح توجيه البنادق نحو "جبهة فتح الشام" وهو ما حصل أخيراً، وهذا يريح النظام.
المنطقة الثانية التي يشملها الاتفاق هي محافظة إدلب وأجزاء من المحافظات المجاورة اللاذقية، وحماة، وحلب. وإذا كانت الخرائط التفصيلية لحدود المناطق المشمولة بالاتفاق لم توضع بعد أو لم يجر تسريبها على الأقل، فإن المحتمل أن المقصود بالمناطق المجاورة لمحافظة إدلب هي تلك الخاضعة لسيطرة المعارضة في المحافظات الثلاث، أو أجزاء منها على الأقل. وفي كل هذه المناطق هناك وجود قوي لـ"جبهة فتح الشام"، بل لعل الوجود الأقوى في محافظة إدلب، ما يعني أن أي تطبيق للاتفاق سوف يعني احتراباً فصائلياً. تزيد مساحة محافظة إدلب عن ستة آلاف كيلومتر مربع بشريط حدودي مع تركيا يبلغ 129 كيلومتراً. وهي تحاذي محافظات حلب واللاذقية وحماة. ويعيش فيها اليوم نحو مليون نسمة بحسب بعض التقديرات (كان عدد سكانها قبل الثورة 1.5 مليون نسمة)، وهي تستقبل مئات آلاف النازحين من المحافظات الأخرى، فيما فرّ عشرات الآلاف من سكانها الأصليين إلى خارج البلاد.



وتُعتبر محافظة إدلب مدينة وريفاً من أكثر المناطق التي تتعرض للقصف الجوي، سواء من طيران النظام أو الطيران الروسي أو حتى طيران التحالف، وكل ذلك بحجة استهداف "جبهة فتح الشام" فيها، ومن غير المعروف حتى الآن ما إذا كان القصف سيتوقف على المحافظة بموجب الاتفاق أم سيتواصل بالحجة نفسها، علماً أن القليل من الغارات كانت تستهدف مقرات للجبهة، وأغلبها موجّه لأهداف مدنية أو تابعة للفصائل الأخرى.

والمنطقة الثالثة المشمولة بالاتفاق هي "مناطق معيّنة من شمال محافظة حمص" ويُقصد بها على الأرجح مناطق سيطرة المعارضة في ريف حمص الشمالي، مثل الحولة والرستن وتلبيسة وتيرمعلة. يقيم في هذه المناطق اليوم نحو 350 ألف نسمة، كثير منهم نازحون إليها من خارج المنطقة، من أصل نحو نصف مليون نسمة كانوا يقطنونها قبل الثورة.



وعلى غرار مناطق المعارضة الأخرى، تخضع المنطقة للحصار من جانب قوات النظام، فضلاً عن تعرضها للقصف المستمر بالطيران والمدفعية، خصوصاً بعد أن استقبلت معظم المسلحين الذين تم إخراجهم في أوقات سابقة من محافظة حمص، بموجب اتفاقات مع النظام. وهذه المنطقة تُعتبر حيوية للنظام، نظراً إلى توسطها بين مناطق سيطرته في حمص ومعاقله في الساحل وفي ريف حماة الغربي. وهي وإن كانت لا تشكل خطورة عسكرية على النظام، فإن موقعها يحظى بأهمية كبيرة.



والمنطقة الرابعة والأخيرة هي "مناطق معيّنة من جنوب سورية في محافظتي درعا والقنيطرة". والأرجح أن إدراج هذه المنطقة له علاقة بمحاذاتها لفلسطين المحتلة، إذ تتفق روسيا مع الولايات المتحدة على ضرورة تأمين الحد المطلوب من الهدوء والاستقرار في هذه المنطقة. ومن هنا برزت أخيراً تسريبات عدة عن خطط أردنية - بريطانية - أميركية للقيام بعمليات عسكرية مشتركة في هذه المنطقة، بهدف تطهيرها من تنظيم "داعش" والتنظيمات المتطرفة، ورسم قواعد صارمة للاشتباك هناك ضمن توازن لا يتيح انتصار أي من النظام أو المعارضة على الطرف الآخر. وقد سعت قوى إلى طرح مشاريع للإدارة الذاتية في مناطق الجنوب، فيما عمد النظام لأول مرة إلى إقامة "معابر نظامية" تفصل مناطق سيطرته عن مناطق سيطرة المعارضة في بلدتي خربة غزالة وداعل.


وما لا يخفى عن الملاحظة في هذا التوزيع الجغرافي للمناطق التي ستشملها الخطة، أنها تستثني كل مناطق شرق البلاد، سواء تلك التي تخضع لسيطرة تنظيم "داعش" أم سيطرة الوحدات الكردية. هذه المناطق هي تقريباً تخضع لنفوذ الولايات المتحدة التي تدعم بشكل علني المليشيات الكردية هناك وتعتبرها الشريك الأساسي لها في محاربة تنظيم "داعش". كذلك تستثني الخطة شمال سورية الأوسط، حيث النفوذ الرئيسي لتركيا، والتي تدعم مجموعات من "الجيش السوري الحر" إضافة للمكوّن العربي والتركماني، بما يضمن عدم اتصال الكانتونات الكردية ببعضها بعضاً. يضاف إلى ذلك، غرب حلب، حيث القصف مستمر، ودمشق ومحيطها والمناطق المحاذية للبنان من الزبداني إلى القصير حيث يوجد حزب الله وإيران.

ورأى عضو القيادة العسكرية في المنطقة الجنوبية أيمن العاسمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن أخطر ما في الخطة هو قضية المعابر بين مناطق النظام والمعارضة، والتي قد تكون مقدّمة للتقسيم في حال طال الوضع الراهن، وتراجعت فرص الحل السياسي، خصوصاً أن هذه المعابر ستكون خاضعة لقوى أجنبية وهم بشكل أساسي الروس والإيرانيون والأتراك. واعتبر العاسمي أن عدم شمول الاتفاق كل المناطق السورية يعدّ بمثابة قنابل موقوتة قد تنفجر في أي وقت وتطيح الخطة كلها. ورأى أن الخطة الروسية قد تكون مقدمة لتطبيق خطة أميركية كانت قيد الإعداد وألمح إليها الرئيس دونالد ترامب في أكثر من تصريح، إذ إن الأولوية عند الأميركيين هي محاربة تنظيم "داعش" وتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، معتبراً أن هذه الخطة، وعلى الرغم من اعترافها بإيران كدولة ضامنة للاتفاق، لكنها في المحصلة قد تقود إلى تقليص الدور الإيراني، خصوصاً مع دخول أطراف أخرى إلى المعادلة مثل الولايات المتحدة وقطر والأردن والسعودية، في مراحل لاحقة عند التطبيق العملي للخطة. وأضاف أن ما يدعم ذلك حديث روسيا أنه بعد ستة أشهر، أي مع نهاية المرحلة الأولى من الخطة، سيتم التفكير بوضع جدول زمني لسحب المليشيات التي تدعمها إيران من الأراضي السورية.



وكان اللواء المنشق محمد حاج علي، قد صرّح لـ"العربي الجديد" أن "المشكلة في هذا الاتفاق تكمن في مسائل عدة، أولاها كيف يمكن أن يكون العدو هو ضامن. والمسألة الأخرى هي ضرورة أن يتبع الاتفاق التوصل إلى حل سياسي دائم، لأننا نخشى أن تطول مدة إقامة هذه المناطق وتصبح عنواناً للتقسيم". وأضاف حاج علي أنه "ليس لدى المعارضة ثقة بالروس والإيرانيين، ولا حتى الأتراك، في ضمان وقف إطلاق النار، لذلك فهي تريد أن يكون الاتفاق نتاج اتفاق دولي، وتشرف الأمم المتحدة على تطبيقه"، مشيراً أيضاً إلى وجود تعقيدات كثيرة تعترض الاتفاق من الناحية التنفيذية والميدانية.



من جهتها، طالبت فصائل المعارضة في بيان مشترك لها أمس أن يشمل أي وقف لإطلاق النار كل المناطق و"فصائل الثورة بلا استثناء، وقد تجاوبت الفصائل الثورية المسلحة بطريقة إيجابية مع عملية وقف إطلاق النار، إلا أن الدولة الضامنة لنظام الأسد لم تستطع إلزامه بتطبيق بنود اتفاق أنقرة الموقع في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2016"، حسب تعبيرها.

المساهمون