"الحرب المنسيّة" إلى الواجهة: خيارات أميركية صعبة في أفغانستان

"الحرب المنسيّة" إلى الواجهة: خيارات أميركية صعبة في أفغانستان

28 ابريل 2017
تتجه واشنطن لزيادة عديد قواتها في أفغانستان(وكيل كوشار/فرانس برس)
+ الخط -

الحرب الأفغانية هي الأطول في سجلّ الحروب الأميركية. بعد أكثر من 15 عاماً على غزو عام 2001، وتكلفة تجاوزت تريليون دولار، ومقتل 2183 جندياً أميركياً، لا يزال تنظيم "القاعدة" ناشطاً، وحافظت حركة "طالبان" على قوّتها، كما برز تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في وقت تبلور فيه تقاطع مصالح بين روسيا وإيران وباكستان لتقليص النفوذ الأميركي في أفغانستان. أمام كل هذه التحديات، ستكون الاستراتيجية التي على وشك أن يبلورها البيت الأبيض حاسمة، ليس فقط لمستقبل النفوذ الأميركي في أفغانستان، بل في جنوب ووسط آسيا أيضاً.
مع أنه من الصعب على أفغانستان كسب اهتمام واشنطن في ظل تحديات سورية والعراق وكوريا الشمالية، كان إبريل/نيسان الحالي شهر أفغانستان بامتياز. عشية مؤتمر موسكو الإقليمي لتشجيع السلام في أفغانستان، رمى الجيش الأميركي أقوى قنبلة غير نووية على أنفاق لـ"داعش" في إقليم نانغهار. بعدها بأيام زار مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، اتش ار مكماستر، كابول، قبل أن تنفذ "طالبان" أكبر اعتداء دموي على الجيش الأفغاني في مزار شريف، ما أدى إلى استقالة كل من وزير الدفاع عبدالله حبيبي ورئيس أركان الجيش قدم شاه شاهيم، بالتزامن مع زيارة مفاجئة لوزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إلى كابول. كل هذه التحوّلات قد تدفع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى حسم موقفها بالموافقة على طلب البنتاغون إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان، لكن هناك تساؤلات حول ماهية الاستراتيجية الأميركية في ظل التطورات المتسارعة على الساحة الأفغانية.
وأتى الاعتداء الأخير على الجيش الأفغاني ليكشف نقاط ضعف المنظومة الأمنية في لحظة مفصلية من النقاش داخل مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وصفت أفغانستان بـ"الحرب المنسيّة" حين وصلت إلى السلطة ورفعت عدد الجنود الأميركيين من 30 ألفاً عام 2009 إلى 100 ألف عام 2011. وبعد تسليم العمليات الأمنية رسمياً إلى القوات الأفغانية نهاية عام 2014، تعهّد أوباما، في يوليو/تموز الماضي، بأن يترك مع نهاية ولايته حوالي 9 آلاف جندي في وضعية غير قتالية لتدريب ومساندة القوات الأفغانية. هذا الجدول الزمني دفع "طالبان" إلى لعب كل أوراقها لإجهاض خطط الانسحاب الأميركي.
نتيجة كل هذه التراكمات، يزداد منذ العام الماضي تعثّر الجيش الأفغاني الذي يجد نفسه في وضع دفاعي أمام هجمات "طالبان". هذا الجمود العسكري يدفع البنتاغون إلى التفكير في إجراءات مثل توفير دعم جوي وتعزيز قدرة القوات الأفغانية على إخلاء الضحايا. كما يبدو أن البنتاغون قد حسم الأمر لصالح رفع عدد الجنود، لكن النقاش يتمحور الآن حول إرسال 3 آلاف أو 5 آلاف جندي إضافي. طبيعة المعركة الأفغانية شديدة الصعوبة، إذ تسيطر "طالبان" على الأرياف، فيما يتركز الدعم الأميركي على حماية المدن، في وقت تسيطر فيه "طالبان" على 43 في المائة من البلاد، أي بزيادة 15 في المائة عن العام الماضي.


أما التحدي على المستوى السياسي فهو ضمان عدم حصول مواجهة بين أشرف غني والرئيس التنفيذي عبدالله عبدالله، ما قد ينعكس سلباً على الاستراتيجية العسكرية. تجمع الرجلين علاقة صعبة، وليست هناك ضمانات ألا تتوتر مرة أخرى. من جهته، بدأ الرئيس الأسبق حميد كرزاي، منذ فترة، التقارب مع موسكو، في ظل برودة علاقته مع واشنطن حتى قبل خروجه من الحكم. وهو وضع أخيراً شرطين لعدم اعتراضه على استمرار نشر القوات الأميركية في بلاده: الامتناع عن استخدام أفغانستان كـ"أرض اختبار" للأسلحة الأميركية، وعدم مواصلة المقاربة العسكرية على حساب الحل السلمي.

تعاون روسي-إيراني في أفغانستان
في وقت دعمت فيه طهران عام 2001 السعي الأميركي لإطاحة "طالبان" من السلطة، تنتقد موسكو، منذ سنوات، المقاربة الأميركية في أفغانستان. هذه المعادلة تغيّرت الآن. فالتعاون الروسي-الإيراني لم يعد يقتصر على سورية، بل انتقل أخيراً إلى أفغانستان، على الأقل هذا ما يؤكده البنتاغون. قائد القوات الأميركية في أفغانستان، الجنرال جون نيكولسون، أبلغ الكونغرس، في شهر فبراير/شباط الماضي، أن موسكو "بدأت إضفاء الشرعية علناً على طالبان"، مشيراً إلى أن الأنشطة الروسية-الإيرانية في أفغانستان تسعى لـ"تقويض الولايات المتحدة والحلف الأطلسي". الاعتقاد السائد في البنتاغون أن الأسلحة الروسية تصل إلى "طالبان" عبر الحدود مع إيران في غرب أفغانستان.
في المقابل، اعتبر السفير الروسي في كابول، الشهر الماضي، أن هذه الاتصالات تقتصر على توفير حماية المواطنين الروس في أفغانستان، وتشجيع "طالبان" على التفاوض مع الحكومة الأفغانية. لكن كل تبريرات التدخّل الروسي-الإيراني، في الفترة الأخيرة، تمحورت حول خطر "داعش". تقول موسكو إن الحكومة الأفغانية غير قادرة على هزيمة التنظيم، وبالتالي تقترح روسيا دعم "طالبان" لخوض معركة ضد "داعش". موسكو تخشى أيضاً انتقال "داعش" إلى الجمهوريات السوفييتية السابقة على الحدود مع أفغانستان (طاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان)، فيما تحذّر طهران من انتقال مقاتلي التنظيم من أفغانستان إلى سورية والعراق.
تكتيك موسكو حتى الآن يقتصر على محاولة تحجيم الدور الأميركي، والانفتاح على "طالبان"، ونشر قوات روسية على حدود طاجكستان مع أفغانستان. في المقابل، الرد التكتيكي الأميركي هو محاولة الحد من النفوذ الروسي على الحكومة الأفغانية. ويسعى البنتاغون حالياً إلى إنهاء الاعتماد الأفغاني على الطائرات المروحية الروسية (ميل مي-17) التي تشتريها كابول من موسكو بأموال أميركية.
وهناك تقاطع مصالح بين روسيا وإيران وباكستان و"طالبان" لتقليص النفوذ الأميركي، مقابل تحالف مضاد تقوده الولايات المتحدة مع الهند والحكومة الأفغانية. أما الصين، التي نشرت أخيراً لأول مرة قوات على الأرض في أفغانستان، فتؤدي دوراً وسطياً إلى حد ما بين طرفي النزاع. المبادرات الروسية، منذ نهاية العام الماضي، ساهمت في بلورة هذا المشهد. الاجتماع الثلاثي بين روسيا والصين وباكستان، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مهّد لمؤتمر موسكو في شهر فبراير/شباط الماضي، الذي ضم أيضاً إيران والهند والحكومة الأفغانية، من دون توجيه دعوة إلى واشنطن. المحطة الثالثة كانت المؤتمر الذي استضافته موسكو، في 14 إبريل/نيسان. إدارة ترامب رفضت تلبية دعوة المشاركة، كما وصفت المؤتمر عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية، مارك تونر، بأنه "محاولة روسية أحادية الجانب لتأكيد النفوذ في المنطقة، شعرنا بأنها ليست بناءة في هذا الوقت". وفي ظل فشل الجهود الأميركية مع الصين، العام الماضي، في تحقيق اختراق في أفغانستان، قد تتردد واشنطن في التخلي عن دورها القيادي في أفغانستان لصالح موسكو.

تحديات ودروس السياسة الأميركية

التحدي الأبرز لأي سياسة سيعتمدها البيت الأبيض أن الحكومة الأفغانية تعاني من ضعف القيادة والفساد والمحسوبية، ما يقوّض قدرتها على تنفيذ استراتيجية أمنية فعالة، وعلى فرض الاستقرار في المناطق التي تحررها. وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يرى البنتاغون أن حكومة الرئيس أشرف غني "شريك موثوق به". لكن لا القنابل الكبيرة ولا زيادة عدد الجنود سيضمن ردع "طالبان". ومع أن هزيمة "داعش" قابلة للتحقيق، ليست هناك نهاية في الأفق للحرب مع "طالبان". أقصى ما يمكن لإدارة ترامب تحقيقه عبر نشر قوات إضافية بوضع غير قتالي، هو منع انهيار الوضع الأفغاني أكثر. لدى القوات الأميركية نافذة محدودة للتصرف، لأن الحكومة الأفغانية تحت الضغط وقد لا تتمكن طويلاً من الدفاع عن مواقعها.
البنتاغون ينظر إلى أفغانستان على أنها جزء لا يتجزأ من حماية الأمن الداخلي الأميركي، لكن الحكومة الأفغانية تتوقع دعماً عسكرياً إضافياً وموقفاً أميركياً أكثر صرامة من باكستان، ولا يبدو أن إدارة ترامب في هذا الاتجاه. وإذا كانت هزيمة "طالبان" غير ممكنة، فهل المقاربة الأميركية هي توجيه ضربة تدفع بالحركة إلى المفاوضات، أو التعاون مع موسكو لإقناعها؟ وهل ستتخذ إدارة ترامب قراراً بالمواجهة المفتوحة مع روسيا وإيران في أفغانستان؟ والسؤال الأهم هو إذا ما كانت واشنطن لا تزال ترى أن أفغانستان قضية تستحق القتال من أجلها.

المساهمون