اللقاءات حول سورية: لعبة تقاسم النفوذ الدولي

اللقاءات حول سورية: لعبة تقاسم النفوذ الدولي

09 مارس 2017
رؤساء أركان الجيوش الأميركية والتركية والروسية في أنطاليا (الأناضول)
+ الخط -
ربّما تكون هذه الأيام، أكثر فترة يظهر فيها كم باتت المسألة السورية "مُدوَّلة". فالاجتماعات التركية ــ الأميركية ــ الروسية ــ الإسرائيلية ــ الإيرانية تتسارع وتيرتُها، أكان في أنطاليا أو في موسكو أو في عواصم أخرى، بينما يستشعر طيفٌ واسعٌ من فصائل الثورة السورية وساستها أن كل ما يحصل على الأرض من تقدم للقوات السورية الحكومية ومتعددة الجنسيات التي تقاتل للحفاظ على نظام بشار الأسد في دمشق وأرياف حلب، ليس سوى نتائج مباشرة أو غير مباشرة للقاءات تقاسم النفوذ. وتشهد تلك اللقاءات دفعة قوية في العاصمة الروسية موسكو، اليوم وغداً الجمعة، حين يلتقي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بصديقه وحليفه فلاديمير بوتين، كذلك عندما يجتمع يوم الجمعة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ببوتين، ليكون الملف السوري، في اللقاءين، البند الأول على جدول الأعمال. الحديث عن "الصفقات الكبرى" بات مكرراً وغير مؤكدٍ حيال الملف السوري، لكنه يعود من جديد هذه الأيام من بوابة الكلام عن تقبّلٍ روسي لتحجيم النفوذ الإيراني في سورية، في ظل معلومات غير مؤكدة عن سحب لأعداد كبيرة من مقاتلي حزب الله من سورية إلى الجنوب اللبناني "لإعادة إحياء معسكرات ومقرات عسكرية كانت بحكم النائمة منذ عام 2011"، وهو ما يكون ربما محور لقاء بوتين ــ نتنياهو، إلى جانب ترقب خروج الدخان الأبيض لناحية معرفة هوية "أبطال" معركة الرقة، وسط ترجيح اختيار واشنطن لـ"حليف الميدان" بالنسبة إليها، أي المقاتلين الأكراد على حساب المعارضة السورية وداعمها التركي، بدليل أن السلطات التركية لم تنفِ تسريب وكالة "رويترز" المنقول عن لسان أحد المسؤولين الأتراك، مساء الثلاثاء، عن أن رئيس الأركان الأميركي جوزف دانفورد أبلغ المجتمعين معه في أنطاليا بالفعل بحسم واشنطن خيارها لجهة الاعتماد على المقاتلين الأكراد. وفي حال صحّ هذا الكلام، تكون التخمينات عن توزيع حصص بين الروس والأميركيين والنظام والمعارضة، على الميدان السوري، قد اكتسبت صدقية أكبر، وسط شعور سوداوي يسود غرف اجتماعات معارضين سوريين من داخل الائتلاف والهيئة العليا للتفاوض ومن خارجها، إزاء ما يسمونه "تخلٍّ عالمي عن الشعب السوري".


والزيارة الخامسة لنتنياهو إلى موسكو كرئيس للحكومة استحوذت بالفعل على تصريحات كبار ساسة تل أبيب، بما أن الهدف منها هو "تفاهم روسي ــ إسرائيلي على منع تمكين إيران وحزب الله من تحويل الجولان إلى نقطة انطلاق ضد إسرائيل"، فضلاً عن عزم نتنياهو "قطع الطريق على الإيرانيين من خلال التوصل لتفاهمات مع الروس متسلحاً بدعم أميركي
ضد إيران في سورية"، مع عدم ممانعة دولة الاحتلال لصيغة توافق "مثلى" بين بوتين ودونالد ترامب بشأن سورية، في نظر إسرائيل، تتجسّد في بقاء بشار الأسد على رأس سورية، لكن من دون إيران وحزب الله، بحسب تعبير المعلّق العسكري الإسرائيلي ألون بن دافيد. ويرى كثيرون أن تسارع هذه اللقاءات قبل اجتماع أستانة المقرر في 14 و15 من الشهر الحالي، ثم العودة إلى جنيف في نهاية الشهر، ليس مجرد صدفة، بينما تتسارع التطورات الميدانية في شمالي البلاد وجنوبها لمصلحة معسكر النظام بشكل عام. وفي الوقت الذي اجتمع فيه رؤساء الأركان في الجيوش الأميركية والتركية والروسية في مدينة أنطاليا التركية، لـ "تفادي صدام غير مرغوب فيه"، كانت قوات النظام ومليشيات طائفية موالية لها قد توغلت أكثر في ريف حلب الشرقي، لتصل أمس الأربعاء، إلى ضفاف نهر الفرات للمرة الأولى منذ سنوات عدة، منهية وجود تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

في هذا السياق، رسم أحد مستشاري وفد الفصائل العسكرية إلى مفاوضات أستانة صورة "سوداوية" للواقع السوري، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "كل القوى في العالم اجتمعت على سحقنا". واعتبر أن "اللعبة باتت مكشوفة لدى السوريين". ونوّه إلى أن "ما يجري على الأرض، خصوصاً لجهة تقدم قوات النظام والمليشيات الطائفية، معزول تماماً عن اجتماعات أنطاليا"، مضيفاً بأنه "من الواضح أن النظام والإيرانيين بصدد فرض حقائق ميدانية من الصعب تجاوزها في أي تفاهمات مقبلة". وأوضح أن "هناك تبادل أدوار بين الروس والإيرانيين في سورية، والإيرانيون ليسوا بعيدين عن أنطاليا رغم عدم وجودهم فيها"، معرباً عن قناعته بأن "الروس يحاولون إبعاد الإيرانيين عن المشهد الإعلامي تفادياً لغضب أميركي، ولكن هذا لا يعني أن الإرادة الإيرانية ليست حاضرة وبقوة في التطورات الأخيرة في سورية".

وأكد المستشار بأن "الفصائل العسكرية ستعقد خلال الأيام القليلة المقبلة اجتماعات للخروج بموقف من مفاوضات أستانة 3، المقررة منتصف الشهر الحالي"، مضيفاً بأن "سقف الآمال منخفض كثيراً، ولكننا لن نترك ذريعة لأحد للفتك أكثر بالمدنيين السوريين، بحجة قيامنا بتعطيل مساري التفاوض، سواء في أستانة أو جنيف". ورأى بأن "الملف السوري بات معقّداً وخيوطه متشابكة، تنتظر انخراطاً فعلياً من قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب، ربما يسهم في فرض حلّ على الجانب الروسي"، مضيفاً بأنه "إذا لم تتبلور سياسة أميركية واضحة حيال سورية، فلا ضوء حقيقياً في نهاية نفق مظلم".

وكان مؤتمر أستانة 2، قد عُقد منتصف الشهر الماضي من دون الخروج بآليات واضحة لتثبيت وقف إطلاق النار في سورية. وهو ما أتاح لقوات النظام ومليشيات طائفية الاستمرار في خرقه على نطاق واسع، مستغلة الثغرة الكبيرة في اتفاق التهدئة، لجهة استثناء "جبهة تحرير الشام" من الاتفاق الذي دخل حيّز التطبيق في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي.


في هذا الإطار، سعت روسيا عبر فرض إيقاف العمليات العسكرية في غوطة دمشق الشرقية حتى العشرين من الشهر الحالي، لدفع المعارضة للمشاركة في أستانة 3، مع استمرار خروق النظام لاتفاق التهدئة الأساسي. وذكرت مصادر في وفد الفصائل لـ"العربي الجديد" أنه "جرى إيصال رسالة للروس مفادها أن مسار أستانة كله في خطر، طالما بقيت الوعود الروسية بلا تنفيذ"، مؤكدة أن "الروس وعدوا بتهدئة في كل المناطق تبدأ في الخامس من الشهر الحالي، ولكنها تأخرت أياماً عدة". وقبل أيام من أستانة 3 وقّعت الفصائل العسكرية في حي الوعر الحمصي، على "وثيقة وقف إطلاق النار" مع الجانب الروسي لوقف القصف على الحي، الذي يتعرّض لهجمة عسكرية شرسة من قبل النظام منذ 7 فبراير/شباط الماضي. وذكر أحد أعضاء المجلس المحلي أسامة أبو زيد لـ"العربي الجديد"، أن "الروس فرضوا على النظام وقف إطلاق النار الأربعاء، مع إدخال قوافل مساعدات إنسانية لعشرات آلاف المحاصرين منذ أشهر عدة"، مشيراً إلى أن "التفاوض لا يزال جارياً مع الجانب الروسي لبلورة اتفاق كامل يحدد مصير الحي".

من جهته، يحاول النظام فرض إرادته على جنيف 5 المرتقبة في 23 الشهر الحالي، من خلال الادّعاء بمحاربة تنظيم "داعش" في شرقي حلب وتحقيق انتصارات عليه، في وقت يؤكد ناشطون محليون أنه "لم تجر معارك حقيقية بين قوات النظام المندفعة وبين داعش الذي سحب مقاتليه إلى بلدتي دير حافر ومسكنة، مخلياً مواقعه لقوات النظام في الخفسة".

وفي أنطاليا، انتهت الاجتماعات التي بدأت يوم الثلاثاء بين كل من رئيس الأركان التركي، الجنرال خلوصي أكار، ورئيس الأركان الروسي، الجنرال فاليري جوزيف غيراسيموف، ورئيس الأركان الأميركي، الجنرال جوزيف دانفورد، بمغادرة الوفود المشاركة من مركز بيلك السياحي في مدينة أنطاليا. وكان لافتاً صعود الجنرالين الأميركي والتركي في سيارة واحدة قبل صدور بيان ختامي مقتضب اقتصر كلامه على تفاهمات ثلاثية "لتفادي الصدامات غير المرغوبة" في الميدان السوري الذي تجتمع فيه أطراف من هذه البلدان الثلاثة، أو محسوبة على هذه العواصم على الأقل.

في هذا السياق، أشار المحلل السياسي التركي أوكتاي يلماز في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "هناك استياءً تركياً من قرار الولايات المتحدة الاعتماد على مليشيا الوحدات الكردية، في خطة انتزاع السيطرة على الرقة وريفها"، مشدّداً على أن "مصير مدينة مَنبج أولوية لدى الجانب التركي"، موضحاً أن "أنقرة تصر على خروج مليشيا الوحدات الكردية منها لصالح الجيش السوري الحر، وأن عملية درع الفرات غير مكتملة من دون استرداد منبج". وذكرت مصادر في "الائتلاف الوطني السوري" لـ "العربي الجديد" أن "الهيئة العليا للمفاوضات ستعقد اجتماعات في مقرها بالعاصمة السعودية الرياض يومي 17 و18 الحالي لتقييم الجولة السابقة، والاستعداد للجولة المقبلة". وأشارت إلى أن "وفد المعارضة سيصل جنيف في العشرين من الشهر الحالي لعقد لقاءات تمهيدية قبل بدء جلسات التفاوض غير المباشر مع وفد النظام".


المساهمون