لا صوت يعلو

لا صوت يعلو

02 فبراير 2017
من الاحتجاجات على غلاء المعيشة (صلاح ملكاوي/الأناضول)
+ الخط -

بقدر كبير من الثقة والإيمان بقدرتهم على تحقيق انتصارات، حتى وإن كانت محدودة في المدى المنظور، ينخرط الأردنيون بشكل مطّرد بحملات مقاطعة السلع والخدمات، التي ترتفع أسعارها بفعل جشع التجار أو نتيجة لقرارات الحكومة فرض ضرائب إضافية عليها.

قبل أسابيع انطلقت حملة لمقاطعة بيض المائدة والبطاطا، بعد أن ارتفعت أسعارهما بشكل جنوني. ولقيت الحملة رواجاً واسعاً، ونجحت في تخفيض أسعار بيض المائدة، وبلغت ذروة انتصارها بإجبار وزارة الصناعة والتجارة والتموين، على تحديد سقوف لأسعار البيض الذي تكدّس في المتاجر ومراكز التسوق.

لم تعجب الحملة الجهات الرسمية بالضرورة، بل انبرت وزارة الزارعة لانتقاد حملة المقاطعة، من منطلق حرصها الظاهر على مصالح المنتجين/ المزارعين، وخوفها من أن يلحقهم ضرر نتيجة للمقاطعة، لكنها في باطن الأمر كانت تدافع عن علم أو جهل عن جشع التجار، غير آبهة بمصالح المنتجين أو المستهلكين. غير أنها عجزت عن كسر المقاطعة أو الحد من انتشارها، ولم تجد الجهات الرسمية في النهاية سوى الانصياع لإرادتهم.
النجاح الباهر أغرى القائمين على الحملة التي تنشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي على توسيع نطاق المقاطعة، واختاروا مقاطعة شركات الاتصالات يوماً واحداً يغلقون فيه هواتفهم المحمولة، في رسالة قوية يرفضون من خلالها توجه الحكومة فرض ضريبة شهرية ثابتة على مستخدمي تطبيقات التراسل على خدمتي "الواتساب" و"الفايبر".

على غير المتوقع وجدت الدعوة استجابة عالية، بشكل جعل الشركات القادرة على التأثير على قرارات الحكومة تستشعر الخطر، وتعيد حساباتها لتفادي الخسائر الكبيرة التي ستلحق بها إذا ما أصبحت المقاطعة ثقافة سائدة في المجتمع الأردني. لا تمتلك السلطات الحق في اعتقال من تضبطهم وقد أغلقوا هواتفهم المحمولة، كذلك ليس لها سلطة فرض نمط استهلاكي على من يقررون تغيير أنماطهم استجابة للمقاطعة، لكنها تملك إثارة الذعر وحرف النقاش.

ترجمت ذلك عملياً باعتقالها منشئ صفحة حملة المقاطعة وشيطنته عبر أدواتها الإلكترونية، ليصبح واضحاً المدى الذي وصلته برفض أي صوت مخالف، فهي لا تريد صوتاً يعلو فوق صوتها، في مخالفة جلية للمنطق والتاريخ وإرادة الشعوب.