تراجع شفيق: خسارة الدور السياسي أم خطوة بانتظار التفاهمات؟

تراجع شفيق: خسارة الدور السياسي أم خطوة بانتظار التفاهمات؟

05 ديسمبر 2017
تظاهرة في القاهرة ضد شفيق عام 2012(محمد عبد/فرانس برس)
+ الخط -
كان وارداً أن يصبح حديث رئيس الوزراء المصري الأسبق أحمد شفيق عن عدم احتجازه في فندق "جي دبليو ماريوت" في القاهرة، وأنه حر الحركة، منطقياً، لو لم يعلن بشكل صريح إعادة التفكير في خوض الانتخابات الرئاسية، بعد أقل من 36 ساعة من عودته إلى مصر قادماً من الإمارات، بقرار ترحيل مفاجئ، حاول شفيق نفسه مع بعض الإعلاميين الإماراتيين تجميله ووصفه بـ"الترحيل استجابة لمطلبه"، على الرغم من الوصف التفصيلي الذي أدلت به بناته عن واقعة القبض عليه واصطحابه من منزله في أبوظبي إلى المطار.

جاء تراجع شفيق في المداخلة الهاتفية المطولة التي أجراها مع الإعلامي وائل الإبراشي على قناة "دريم 2"، مساء أول من أمس الأحد، ليثبت صحة حديث المصادر القانونية والقضائية لـ"العربي الجديد"، عن تعرضه لضغوط شديدة فور عودته إلى القاهرة باستخدام القضايا والبلاغات المقدّمة ضده والموجودة بحوزة النيابة العامة وكذلك قضايا الكسب غير المشروع وتقارير الرقابة الإدارية الموجودة بحوزة النيابة العسكرية، لثنيه عن خوض الانتخابات، أو على الأقل "نزع أظفاره" وتحويله إلى منافس أليف لا يخشاه السيسي بل قد يسمح له بالمشاركة لتجميل المشهد الانتخابي وإضفاء روح تنافسية كاذبة على انتخابات ستكون محسومة عملياً.

فشعبية شفيق التي ظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي بعد بثه خطاب رغبته في الترشح، والتعامل معه من قبل بعض التيارات السياسية المعارضة باعتباره المنافس الأقوى للسيسي، أنتج في نهاية المطاف سخرية لاذعة من تردده وتراجعه بعد المداخلة الهاتفية مساء الأحد. أما الشعبية في الشارع فلن تتأثر بالمداخلة فقط بل أيضاً بالحملة الإعلامية الممنهجة التي شنّتها وسائل الإعلام الرسمية والخاصة المقربة من النظام على مدار 5 أيام، اتهمته فيها بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين ومحاولة ضرب العلاقات المصرية الإماراتية، تلك الوسائل المصرية التي تحتفل بالتزامن مع هذه الأزمة باليوم الوطني لدولة الإمارات.

وتشير كل الأحداث إلى أن شفيق لم يُصرَّح له بلقاء محاميته دينا عدلي حسين، التي اتهمتها وسائل الإعلام ذاتها بالتنسيق مع "الإخوان" وفلول "الحزب الوطني" لدعم شفيق، إلا بعد الاتفاق معه على أمور معينة، اتضحت في ما بعد في المداخلة الهاتفية. فالمحامية توجّهت خلال 24 ساعة سابقة على اللقاء إلى الفندق الذي يقيم فيه شفيق أكثر من مرة، وأصدرت بياناً ناشدت فيه السلطات السماح لها بمقابلته، إلا أن هذا لم يحدث قبل الثامنة من مساء أمس الأول، حيث تم استدعاؤها مع عدد من ذوي شفيق بواسطة السلطات (المرجح أن تكون الاستخبارات العامة)، وأخبرهم شفيق في المقابلة التي لم تتجاوز الساعة بأنه سيظهر على الشاشة، من دون تحديد كيفية الظهور.

مصدر سياسي ينتمي لحزب شفيق كان قد أخبر "العربي الجديد" قبل إتمام اللقاء بأن شفيق سيسصدر بياناً مكتوباً أو مسجلاً، لكن السلطات رفضت ذلك على ما يبدو واكتفت بإجراء مداخلة، وتركت لشفيق أمراً واحداً فقط يختاره، هو الإعلامي الذي سيجري معه المداخلة.
وتواصلت "العربي الجديد" مع أحد الموظفين في قناة "دريم" المملوكة لرجل الأعمال أحمد بهجت، والتي تردد أخيراً أن جزءاً منها سيباع لجهاز أمني ضمن حملة النظام للاستحواذ على وسائل الإعلام، فذكر أن الإعلامي وائل الإبراشي لم يكن يعلم بأمر المداخلة قبل بدء برنامجه، وأن فريق إعداده فوجئ باتصال من الفندق الذي يقيم فيه شفيق، وتم الاتفاق معهم بواسطة أحد مرافقيه على توجيه أسئلة معينة بترتيب معين، لتتاح لشفيق الفرصة للتمهيد لتراجعه كما حدث.

ورجّح المصدر من داخل القناة أن يكون شفيق قد اختار الإبراشي لعلاقته الجيدة معه، ولأنه لم يتورط في الهجوم عليه كباقي الإعلاميين، مشيراً إلى أن الإبراشي لم يشارك في الهجوم لسبب واحد، هو أن علاقاته بالأجهزة الأمنية تراجعت في الفترة الأخيرة بعد إفساحه المجال أكثر من مرة لمهاجمي سياسات النظام، وبالأخص خلال تغطيته لأزمة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.


أما المصدر السياسي المقرب من شفيق، والذي نشرت "العربي الجديد" تصريحاته أمس عن تحميل ابنته أميرة مسؤولية التصعيد والتسبب في تسريب تسجيل فيديو انتقاد الإمارات إلى قناة "الجزيرة"، وإشارته إلى أن "شفيق كان يرى ترشحه هو الفرصة الوحيدة ليتمكن من العودة لمصر"، فحلل المشهد الأخير قائلاً: "بدا شفيق جاهزاً للإجابة عن سؤال الترشح بأنه سيعيد التفكير، وهذا يدل على استجابته للضغوط التي مورست عليه، أو محاولة أخذ خطوة للوراء حتى يزن كل الاعتبارات على ضوء مصالحه الشخصية ومصلحة بناته أيضاً".

وأشار المصدر إلى أن شفيق "ليس من النوع الذي يقبل خوض المعارك ليخسرها، لكنه تحت الضغوط قد ينسحب منها قبل أن تبدأ"، مستطرداً: "يبدو أنه تعرض لضغط كبير جداً، أعتقد أنه يتصل بالقضايا المفتوحة له في النيابة العامة والنيابة العسكرية"، مضيفاً: "من جهة أخرى سيعتبر شفيق أن مجرد عودته إلى مصر هي مكسب في حد ذاتها، استطاع تحقيقه باستخدام ورقة الترشح، وبالتالي فمن الوارد أن يكون هذا التراجع استراتيجياً لتثبيت الوضع والتهدئة، ثم الدخول في مفاوضات جديدة مع النظام عبر الإمارات حول مستقبله السياسي ومستقبل حزبه أيضاً".

لكن المصدر لم يُخفِ قلقه على شفيق حتى في حالة عدم خوضه الانتخابات؛ قائلاً: "السيسي يجيد فن الانتقام من معارضيه أو من يتعمدون إحراجه، حتى إذا تراجعوا أو خسروا شعبيتهم، ولذلك لا أستبعد ألا يكتفي السيسي بإنهاء مستقبل شفيق السياسي، سواء بعد إحراجه أمام الرأي العام، أو إذا سمح له بخوض الانتخابات كمرشح ديكوري، فمن الممكن جداً أن يستمر في مطاردته بالقضايا خلال العام المقبل، خصوصاً إذا رصد أي تواصل مباشر بين شفيق وأجهزة استخباراتية أو عسكرية".

وأصرّ المصدر في محصلة تقييمه لما حدث، على أن شفيق قد تحرك منفرداً بضغوط من ابنته من دون الحصول على موافقة إماراتية أو مصرية، وأنه اضطر لذلك لرغبته في العودة لمصر، ولأنه منع بالفعل من مغادرة الإمارات، فلم يجد إلا هذه الطريقة للضغط على الطرفين والسماح له بالمغادرة، ريثما يستطيع مواءمة أوضاعه مع دولة أجنبية أخرى أو أجهزة مصرية كالجيش والاستخبارات.

من جهته، قال مصدر من حزب "الحركة الوطنية" التابع لشفيق، إن معلومات بلغت قيادات الحزب وبعض مموليه من قيادات "الحزب الوطني" المنحل عن طبيعة المفاوضات التي جرت بين شفيق وأجهزة السيسي بحضور بعض مرافقيه الإماراتيين داخل مقر إقامته، والتي تناولت ضرورة تخليه عن رغبته في الترشح للرئاسة، وعدم إصدار بيانات تنتقد سياسات النظام، مقابل وقف الحملة الإعلامية عليه، والسماح له برأب الصدع في حزبه من الداخل بعد الهجمة الأمنية التي هدفت لإخلائه من القيادات الفعالة بإعلان استقالاتهم احتجاجاً على علاقته المزعومة بـ"الإخوان"، فضلاً عن إرجاء تحريك القضايا والبلاغات المفتوحة ضده.

وأضاف المصدر الحزبي أن الرأي الغالب في أوساط الحزب في القاهرة والإسكندرية والمنوفية، وهي أكبر محافظات تضم قواعد منتظمة للحزب، يميل إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية وتأييد السيسي لفترة جديدة، خوفاً من تصعيد الحملة الإعلامية والأمنية على الحزب، وإيثاراً للسلامة، خصوصاً بعدما تبين لهم أن شفيق مغلوب على أمره، وأن الإمارات لن تدفع به، على الأقل حتى الآن، كبديل جاد للسيسي، كما أن إشراكه في الانتخابات كمنافس ديكوري سينهي عملياً مستقبل الحزب.

ورجح المصدر أن يكون ما حدث لشفيق هو نتيجة تفاهمات جرت بين الإمارات ومصر بعد إذاعة فيديو الرغبة في الترشح، وأن يكون شفيق ضحية لهذه التفاهمات بعدما كان قد حصل على مباركة أو تطمين من جهاز إماراتي قبل بث فيديو ترشحه، وتصور أن الطريق مفتوح أمامه لمغادرة أبوظبي إلى باريس ونيويورك ومباشرة نشاطه السياسي، فأثار هذا الأمر غضب شفيق واندفع للعمل منفرداً لإحراج الدولتين معاً، وهو ما حوّله إلى ضحية يقترب من القضاء على مستقبله السياسي.

ويدعم سيناريو ممارسة ضغوط على شفيق، ما يكشفه مصدر قضائي في النيابة العامة، عن أن "تعليمات شفهية وردت من النائب العام إلى كل النيابات العادية والنوعية وكذلك نيابة أمن الدولة العليا بإعداد حصر شامل لكل البلاغات المقدّمة ضد شفيق منذ 2011 وحتى الآن، وتقديم بيانات تفصيلية بما جرى فيها بالحفظ أو التحريك والبراءة أو الإحالة للنيابة العسكرية أو عدم فتح تحقيق حتى الآن، بما في ذلك البلاغات الأخيرة التي تتهمه بالتعاون مع الإخوان".

وأضاف المصدر أن "المؤشرات تؤكد أن النظام كان راغباً في تقنين وضع التحفظ على شفيق إذا استدعت الظروف استمراره، من خلال تحريك قضايا قديمة ضده"، مؤكداً أن اتخاذ شفيق خطوات للوراء لن ينعكس إلا بإرجاء فتح تلك القضايا، بل إن هذا يسمح بظهورها من حين لآخر كأوراق ضغط ناجعة لإجباره على التحرك في ظل النظام.

وهناك قضيتان أساسيتان متداولتان في مرحلة التحقيقات إلى جانب القضايا الأخرى الخاصة بالكسب غير المشروع والموجودة في النيابة العسكرية؛ الأولى هي القضية 260 لسنة 2014 حصر قضاة التحقيق، بشأن حصول شفيق وأفراد أسرته على الأراضي المبنية عليها مساكنهم الحالية في منطقة غرب الغولف بالتجمع الخامس بشكل مخالف للقانون، والتي طلب فيها قاضي التحقيق من جهاز مدينة القاهرة الجديدة بياناً بشأن إجراءات تخصيصها لشفيق وظروف تسجيلها بالشهر العقاري، ومدى ملاءمة السعر المدفوع للمنطقة. أما الثانية فهي القضية 753 لسنة 2012 حصر أموال عامة عليا بشأن عدم أحقية شفيق وأعضاء مجلس إدارة صندوق دعم وتطوير الطيران المدني في صرف مكافآت بما يتجاوز مليوني جنيه لكل منهم، حيث أقر الصندوق في ديسمبر/ كانون الأول 2015، ببطلان صرف هذه المبالغ، وتعهد للنيابة بإعادتها على دفعات من حسابه لدى البنك المركزي، ولم يتم حفظ القضية بالتصالح حتى الآن.