اليمن: العالم يريد إنهاء "الحرب العبثية"

اليمن: العالم يريد إنهاء "الحرب العبثية"

29 ديسمبر 2017
نددت الأمم المتحدة بالمجازر المتلاحقة (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -
تزايدت الدعوات العالمية من الأمم المتحدة ومن الولايات المتحدة وفرنسا لوقف الحرب في اليمن، خصوصاً لجهة لومهم التحالف العربي بقيادة السعودية خصوصاً، وبقية الأطراف اليمنية عموماً، لدورهم في تسعير الحرب، وسقوط آلاف الضحايا، تحديداً المدنيين منهم، سواء بالقصف أو بالأوبئة والأمراض. وتكثفت الدعوات الأخيرة لوقف الحرب، من أجل إتاحة المجال أولاً لوصول المساعدات الضرورية الطائرة، الطبية منهم خصوصاً، وثانياً، لإتاحة الفرصة لمواصلة مساعي السلام وفرض الحلّ السياسي بقيادة المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد. وعلى الرغم من الدعوات الكثيفة، إلا أن الحرب، وغارات التحالف، أدت وتؤدي إلى سقوط مزيد من المدنيين في الآونة الأخيرة، خصوصاً يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، في مجازر نددت بها الأمم المتحدة، واعتبرتها بمثابة "الاستهتار الكامل للحياة البشرية"، واصفة الحرب بـ"العبثية".

ووصف منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، جيمي ماكغولدريك، في بيان مستند إلى تقارير مبدئية من مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أمس الخميس، الحرب بأنها "عبثية وغير عقلانية". وأشار إلى أن "التحالف الذي تقوده السعودية قتل 109 مدنيين في اليمن في غارات جوية على مدى الأيام العشرة الأخيرة، ومن بينهم 54 في سوق مزدحم و14 من عائلة واحدة في مزرعة".

وشرح مكغولدريك في البيان أن "غارات جوية قصفت سوقاً مزدحماً في قرية الحيمة بمديرية التعزية بمحافظة تعز يوم الثلاثاء الماضي، ما أسفر عن مقتل 54 شخصاً وإصابة 32 آخرين. ووفقاً للتقارير فإن ثمانية من القتلى وستة من المصابين أطفال. وفي نفس اليوم أسفرت غارة جوية على مزرعة في مديرية التحيتا بمحافظة الحديدة عن مقتل 14 شخصاً، وغارات جوية في مناطق أخرى عن مقتل 41 مدنياً آخرين وإصابة 43 على مدى الأيام العشرة الماضية". ورأى أن "هذه الحوادث تثبت الاستخفاف التام بالحياة الإنسانية الذي تواصل كل الأطراف بما في ذلك التحالف بقيادة السعودية إظهاره في هذه الحرب غير العقلانية التي لم تسفر إلا عن دمار البلد ومعاناة هائلة لشعبه الذي يعاقب في إطار حملة عسكرية لا طائل منها ينفذها الطرفان". وأضاف أن "على الأطراف المتحاربة تجنب استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية وفقاً للقانون الدولي". مع العلم أن الأمم المتحدة لا تملك تقديرات محدثة لعدد القتلى في اليمن، لكنها كشفت في أغسطس/ آب 2016، استناداً إلى مراكز طبية، أن "عشرة آلاف شخص على الأقل قتلوا". وشدّدت المنظمة على أن "اليمن يشهد أسوأ كارثة إنسانية في العالم، إذ يعيش نحو ثمانية ملايين شخص على شفا المجاعة، وأصيب مليون شخص بالكوليرا، فضلاً عن انهيار الاقتصاد في البلد الذي كان يوصف حتى قبل الحرب بأنه أحد أفقر البلدان العربية".

مع صباح يوم الاثنين الماضي، كانت أسرة اليمني محمد علي الريمي تمارس حياتها الطبيعية، وأطفاله يستعدون للتوجه إلى مدارسهم، قبل سقوط صواريخ مقاتلات التحالف العربي الذي تقوده السعودية وتقضي على حياة الأسرة، في ظل التصعيد العسكري، الذي يزداد في الأسابيع الأخيرة، مع مقتل العشرات من المدنيين اليمنيين، فيما تتحدث مصادر التحالف والحكومة الشرعية عن سقوط عدد أكبر من مقاتلي جماعة أنصار الله (الحوثيين)، ضمن موجة تصعيدية شرسة للحرب.

في هذا السياق، كشفت مصادر محلية في العاصمة اليمنية صنعاء لـ"العربي الجديد" أن "الريمي الذي قضت أسرته بالقصف الجوي، يوم الاثنين الماضي، كان يتولى حراسة (النصب التذكاري المصري)، الواقع في مرتفع، غرب العاصمة صنعاء، وتحديداً في منطقة عَصِر. وبدت ساحة التذكار، وهي عبارة عن حديقة أو منتزه، شبه مدمرة. وقضت أسرة الريمي المؤلفة من 11 فرداً بالقصف، بالإضافة إلى قتيلين آخرين".

وفي وقتٍ تحدثت التسريبات الأولية التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن أن "الغارات استهدفت قيادياً حوثياً يوجد في المكان"، ذكرت الحكومة الشرعية اليمنية، مساء الاثنين، أن "الحوثيين فشلوا في إطلاق صاروخ فسقط في صنعاء، قاضياً على أسرة مكوّنة من عشرة أفراد"، في محاولة لإلقاء جريمة قصف محيط ساحة التذكار على الحوثيين. ويوم الأربعاء الماضي، ظهر رئيس "اللجنة الثورية العليا"، محمد علي الحوثي، وإلى جانبه عبدالله يحيى الحاكم (أبو علي الحاكم)، وهما في زيارة للمنطقة التي تعرضت للقصف، في ظهور كان الهدف الأساسي منه نفي الأنباء التي تحدثت عن مقتل الرجلين بغارات جوية.


وأكد الحوثي والحاكم أنهما على قيد الحياة، لكن أسرة حارس النصب التذكاري قضت. وفي اليوم التالي، كان اليمن على موعد مع مجازر أخرى، مع استهداف مقاتلات التحالف سوقاً شعبياً صغيراً يُدعى المحصيص بمنطقة الحيمة، في مديرية التعزية، بمحافظة تعز. وكان اسم منطقة الحيمة قد قفز أخيراً إلى وسائل الإعلام، مع الحصار الذي فرض الحوثيون على المنطقة، وسط اتهامات لهم بالقيام بالقصف العشوائي، باتجاه مناطق سكنية، وبينما كانت مناشدات أهالي المنطقة تنطلق تنديداً بحصار وقصف الحوثيين، جاء التحالف "المنقذ"، ليقصف سوقاً في المنطقة، ذهب ضحيته العشرات من المدنيين بين قتيل وجريح. وقالت بعض المصادر القريبة من الشرعية إن "حوثيين كانوا يوجدون في منطقة القصف أو بالقرب منها على الأقل، إلا أنه، ومع فرض صحة ذلك، فإنه ليس مبرراً لاستهداف سوق شعبي مزدحم".


من جانبهم، أعلن الحوثيون يوم الأربعاء الماضي، أن "حصيلة القتلى والجرحى المدنيين بغارات التحالف خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي، بلغ نحو 600 ضحية بين قتيل وجرحي، وأنه تم توثيق مقتل وجرح 79 مواطناً، في سبع جرائم متوالية"، ولم يتسن التأكد من الحصيلة التي أعلنتها الجماعة من مصادر مستقلة.

وجاء الارتفاع اللافت في أعداد الضحايا المدنيين في الأسابيع الأخيرة، مع التصعيد الذي شهدته البلاد أخيراً، الذي ارتفعت خلاله وتيرة الضربات الجوية للتحالف بالتزامن مع التصعيد الميداني على أكثر من جبهة، بما في ذلك الساحل الغربي، باتجاه محافظة الحديدة، وفي الأطراف الغربية الشمالية لمحافظة شبوة (منطقة بيحان)، وصولاً إلى البيضاء المحاذية لها من جهة الشمال، بالإضافة مناطق محافظة صعدة الحدودية مع السعودية ومنطقة نِهم شرق العاصمة صنعاء. وأعلنت قوات الشرعية أن "80 قيادياً للحوثيين قتلوا خلال الأسابيع الأخيرة، بالإضافة إلى مئات بين قتيل وجريح من مسلحي الجماعة، ومع ذلك، لم يقدم التحالف ما يبرر لضرباته الجوية التي أسقطت ضحايا مدنيين، ولطالما تكررت الضربات الخاطئة التي استهدفت أسواقاً أو قضت نتيجتها أسرٌ بكاملها".

مع العلم أن المتحدث باسم التحالف، العقيد الركن تركي المالكي، ذكر مساء الأربعاء أن "خمس سفن وقود وصلت إلى ميناء الحديدة في اليمن هذا الأسبوع بعدما رفع التحالف في الآونة الأخيرة حصاراً فرضه منذ الشهر الماضي". وأضاف أنه في "الأسبوع الماضي تم الإعلان من قيادة القوات المشتركة للتحالف عن فتح ميناء الحديدة لإعطاء التصاريح الخاصة بتحرك السفن، خصوصاً في ما يخص الوقود. وفي هذا الأسبوع توجهت خمس سفن إلى ميناء الحديدة، تحوي تقريباً نحو 50 ألف متر طني من الوقود، وتم إنزالها من السفن المتوجهة إلى ميناء الحديدة". ولفت إلى أن "إحدى طائرات سي 1-30 بمرافقة الطائرات المقاتلة تقوم بإنزال مواد غذائية لازمة للمحتاجين إليها بالداخل اليمني".