قلق فرنسي من إطلاق سراح مدانين بالإرهاب

قلق فرنسي من إطلاق سراح مدانين بالإرهاب

24 ديسمبر 2017
انتقاد فرنسي لـ"الأحكام المخففة" ضد المتشددين (فرانسوا غويو/فرانس برس)
+ الخط -
تؤكد صحيفة "لوجورنال دي ديمانش" الفرنسية، القريبة من دوائر الرئيس إيمانويل ماكرون، أن الإنذار تم إطلاقه عقب انتهاء من تصفهم بـ"جهاديين سابقين" لعقوبتهم السجنية. 

وتتساءل "لوجورنال دي ديمانش" عما ستفعله العدالة بشأن العشرات ممن دانتهم سنة 2012 في قضايا إرهاب وانتهت فترة عقوبتهم، لتستعين بآراء جان شارل بريزارد، رئيس مركز تحليل الإرهاب، الذي يرى أن "التهديد يلوح في الأفق، لأن درجة الخطورة لدى هؤلاء لا تزال مجهولة". 

ويهتم مركز تحليل الإرهاب بتتبع حالات "المتشددين" الراغبين في العودة إلى المناطق السورية والعراقية، رغم الهزائم التي عرفها تنظيم "داعش" الإرهابي في الشهور الأخيرة، وهي مجموعات أطلق عليها مجموعات ستراسبورغ وألبيرفيل ونيم وفال-دي مارن، سود-ويست، وأخيرا أورليان، وتمت محاكمتها.

وتورد الصحيفة إحصاءات عن هؤلاء، تظهر أن 126 منهم صدرت في حقهم أحكام تتراوح ما بين 6 سنوات و10 سنوات كحدّ أقصى ممكن. 

ويتساءل كثيرون، ومن بينهم بريزارد، عن هذه الأحكام التي يرونها "متسامحة في حقّ من قاتل في الجبهات"، ولكنّ قلقهم يتضاعف لأنّ "لا أحد يمكن أن يتوقع ما سيفعلونه بعد إطلاق سراحهم"، في ظل صعوبة التمييز بين "من قلَبَ صفحة الإرهاب، ومن لا يزال من أنصار "الإرهاب" بقناعة

وتضيف الإحصاءات الرسمية أن 60 في المائة من الذين صدرت في حقهم أحكامٌ سيكون بالإمكان إطلاق سراحهم من الآن إلى سنة 2020، قبل أن تستعرض الصحيفة قلقا إضافيا، يتمثل في تضخم عدد الحالات التي تجب معالجتها، إذ ما بين سنتي 2014 و2016 ارتفع عدد المحاكَمين بثلاثة أضعاف، أي انتقل الرقم من 78 إلى 240 شخصا. وفي 18 ديسمبر/ كانون الأول، كان لا يزال 473 ملفا، على الأقل، موضع دراسة، أي ما بين التحقيق والتحقيقات الأولية، وبين ملفات تم الانتهاء من دراستها.

ويمكن تفسير هذا البطء بأنه إلى غاية 18 ديسمبر/ كانون الأول، حُوكِمَ 225 شخصا، في حين وُجّه قرار الاتهام إلى  424 شخصا في قضايا متعلقة بالإرهاب، و810 أشخاص، مات بعضهم على الأرجح، صدرت في حقهم مذكّرات توقيف أو مذكّرات بحث، دون نسيان الإجراءات التي تستهدف نحو مائة من القاصرين. 

وفيما يخص مخاطر عودة المتشددين من العراق وسورية بعد تفكيك "داعش" واقتحام الموصل العراقية والرقة السورية، ترى الصحيفة الفرنسية، نقلا عن أخصائيين، أنه باستثناء النساء والأطفال، الذين يتوجب على السلطات الاهتمام بشؤونهم، فإن "فرنسا لن تشهد عودة كثيفة للجهاديين" بحسب وصف الصحيفة، لأن هؤلاء المتشددين الفرنسيين، وهم في حدود 700 شخص ممن أعلن عن تواجدهم في الجبهة السورية العراقية، يفضلون القتال حتى الموت في عين المكان، أو الانتقال إلى جهات أخرى، ومنها أفغانستان وليبيا، وغيرهما. 

ويبقى مصدر القلق على فرنسا، كما ترى الصحيفة، هو السجون الفرنسية، بحيث تنقل إحصاءات صدرت عن وزارة العدل، الأسبوع الماضي، أن هناك 509 أشخاص مدانين أو متهمين بقضايا إرهابية، إضافة إلى 1157 متطرفا. 

وتنقل "لوجورنال دي ديمانش" عن شرطي متخصص في قضايا الإرهاب قوله: "الرهانات كبيرة جدا، لأننا نعرف أنهم سيخرجون وهم أكثر تطرفا مما كانوا عليه قبل دخول السجن. لأنه تيسَّر لهم ربط علاقات مع سجناء الحق العام"، وهو ما يدل عليه اضطرار سلطات السجون إلى وضع 70 شخصا منهم في زنازين انفرادية.

والحقيقة أن كل حدث يكون أحد المعتقلين المتطرفين ضالعاً فيه يستنفر مختلف الفاعلين الفرنسيين، من قضاء وسجن وشرطة وأخصائيين. وأحد الأمثلة على هذا ما وقع في سبتمبر/أيلول 2016، حين هاجم معتقل شاب، بعنف حارسَيْن من حراس سجن أوسني (منطقة فال دواز)، فحرّك الأمر "وحدات الوقاية من التطرف"، التي أصبح اسمها، الآن، "أحياء تقويم الراديكالية"، وهي ثلاث، ومرشحة أن تصل إلى ستة في بداية السنة الجديدة. 

وزارة العدل الفرنسية، القلقة من هذه الظاهرة، تفكّر، كما تكتب الصحيفة، في "التصدّي لجذور الشرّ"، ولهذا السبب أعلنت عن "تعزيز العمل الاستخباراتي في السجون، من أجل اكتشاف ورصد السجناء الذين قد يُشكّلون خطرا". 

كما تنوي الوزارة افتتاح معسكرين جديدين لتجميع السجناء، أحدهما في مدينة ليل-أنولين، وهو ما سيتيح عزل السجناء العاديين عن السجناء الراديكاليين. 

وفيما يخص السجناء المتطرفين الذين سيفرج عنهم قريباً، فقد طمأنت وزارة العدل الرأي العام من خلال التأكيد، يوم 18 ديسمبر/ كانون الأول، على أن "كلّ المعتقلين المتطرفين الذين سيغادرون السجون ستتم مراقبتهم، بشكل منتظم، من قبل أجهزة الاستخبارات"، وهو ما تؤكده وزارة الداخلية الفرنسية، التي تشدد على أن "كل فرد، يتم إطلاق سراحه، توجد مصلحة تخصه". ومن مهامها "إزالة الشكوك"، أو تأكيد الخطورة قبل فعل ما يلزم فعله، أي المراقبة، و"قوائم إس" (الذين قد يشكّلون خطرا).

والمعنيون بهذا الاستنفار كثيرون، حيث إن الصحيفة تتحدث عن 12 ألف شخص من المسجلين في قوائم إشارات في "الوقاية من التطرف ذات الطابع الإرهابي"، والذين أصبحوا محلّ "متابعة نشطة" من قبل الأجهزة.

اليمين الفرنسي مستعد لدعم التشدد الحكومي

وعلى الرغم من تطمين وزارتي العدل والداخلية بخصوص هذه الخطورة، إلا أن إيريك سيوتي، النائب البرلماني عن حزب "الجمهوريون" والمقرب من رئيس الحزب، لوران فوكييز، يطالب بـ"إجراءات أكثر ردعا، حتى وإن كانت متعارضة مع القانون ومع الدستور".

وفي لقاء مع الصحيفة، يقول سيوتي: "إن واجبنا هو إرساء مبدأ الوقاية، والقطعُ مع شكل من السذاجة في الموضوع"، مضيفا: "بعض السجناء يظلون خطرين، بشكل استثنائي. وهم قنابل موقوتة"، ويقترح: "ألا يستقيد هؤلاء من أي تخفيف في العقوبة. وعلينا أن نتجه نحو نظام  يتيح لنا مراقبتهم، بل استبقاءهم في السجن بعد أن ينتهوا من قضاء عقوبتهم. وأنا ألحّ على هذا الاقتراح منذ خمس سنوات". 

وعلى الرغم من أن هذا المقترح يتعارض مع القانون ومع الدستور، إلا أن سيوتي يرى أن الأمر "يستدعي مراجعة الدستور"، ويعلن عن استعداده لجمع أغلبية كافية، مع الرئيس ماكرون، لتعديل الدستور.

وفي أوج اندفاعه، ينتقد النائب اليميني قرارين جديدين للمجلس الدستوري، يرى أولهما أن مشاهدة موقع إلكتروني جهادي ليس جنحة، والثاني أنه ليس من حق ولاة الأمن السماح، في إطار إداري، بالتحقق من الهويات وتفتيش السيارات والبضائع. ويعقب عليهما: "لا يمكن أن نحارب الإرهاب بمثل هذه الرؤية الساذجة. وعلى المشرِّع أن يتحمل مسؤولياته، لأنّ هذه الإجراءات ضرورية ومفيدة"، ولهذا السبب "أدعو رئيس الجمهورية إلى أن يُلحِق بالإصلاح الدستوري القادم عناصر مُكافحَة الإرهاب".