انتخابات سياسية لأكبر ناد مصري: معركة بين الأجهزة

انتخابات سياسية لأكبر ناد مصري: معركة بين الأجهزة

30 نوفمبر 2017
معركة انتخابية تجري بما يرضي النظام (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
تضع المعركة الانتخابية في النادي الأهلي المصري أوزارها، اليوم، على وقع صراعات واضحة بين أجهزة نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول مستقبل مجلس إدارة النادي الأنجح رياضياً في مصر وأفريقيا، "نادي القرن" بحسب الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، وانقسام وسائل الإعلام المقربة من النظام بين مؤيد ومعارض لكل من نجم الكرة ونائب رئيس النادي سابقاً محمود الخطيب، ورئيس النادي المنتهية ولايته محمود طاهر.

وكشفت الانتخابات الأخيرة في ناديي الزمالك ثم الأهلي، مدى الارتباط العضوي بين السياسة والرياضة، كرة القدم تحديداً، في التركيبة المصرية. وهو أمر يعيد التذكير بمشهد جمال مبارك، نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك، يوم حُمل على الأكتاف أواخر عام 2009، بعد مباراة الإياب بين منتخبي مصر والجزائر، في التصفيات الأفريقية المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2010.

ويصف مصدر حكومي في وزارة الشباب والرياضة لـ"العربي الجديد"، المعركة الانتخابية في النادي الأهلي اليوم بأنها "الأعنف في تاريخ الأندية الرياضية، ولكنها بالتأكيد تجري بما يرضي النظام، فكلا المرشحين طاهر والخطيب يدوران في فلك نظام السيسي ويسعيان بكل جهدهما لإرضاء الدائرة الخاصة المحيطة به وعلى رأسها مدير مكتبه عباس كامل"، وهو ما يعتبره المصدر "نجاحاً للنظام في تحويل انتخابات الأندية إلى صراعات بين شخصيات وأجنحة منتمية إليه، وتجنيب جميع المعارضين أو أصحاب الاتجاهات التحررية من سطوة السلطة التنفيذية".

ويقارن المصدر أيضاً - شأن معظم المراقبين - بين انتخابات الأهلي الحالية، والمعركة التي أدارتها الدولة عام 2014 بين طاهر ورجل الأعمال والناشر إبراهيم المعلم، والتي وقفت خلالها الدولة بكامل أجهزتها في وجه المعلم الذي كان أبناء النادي يعتبرونه الأوفر حظاً للظفر برئاسته على خلفية علاقته الوطيدة بالخطيب ورئيسي النادي السابقين صالح سليم وحسن حمدي. إلّا أنّ النظام بواسطة وسائل الإعلام المقربة منه استغلّ مواقف سابقة للمعلم وصحيفته "الشروق" في السنوات الأولى لثورة يناير 2011، واتهمته بالانتماء لجماعة "الإخوان" ودعمها، وإفساح المجال للتعبير عن آرائها بعد انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013 والإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي.

ويرى المصدر أن طاهر بعلاقته الوطيدة برجل الأعمال أحمد أبوهشيمة والإعلامي خالد صلاح، المسيطرين بالنيابة عن أجهزة أمنية واستخباراتية بعينها على مجموعة قنوات "أون" وصحيفة "اليوم السابع" وقناة "النهار" وشركتي "برزنتيشن" و"بي أو دي" للدعاية، حاول تكرار استنساخ تجربة الفتك بالمعلم بسلاح المكارثية، واتهام كل المعارضين بأنهم إخوان، وتطبيقها على الخطيب، الذي يؤيده المعلم ورجل الأعمال صفوان ثابت ونجم كرة القدم محمد أبوتريكة المدرجان على قائمة الإرهابيين، فضلاً عن ضم قائمته لوزير الرياضة في عهد مرسي رجل الأعمال العامري فاروق.

لكن المصدر يؤكد أن هذا الهجوم بسلاح "الأخونة" لا يحظى برضا دائرة السيسي، كاشفاً أن عباس كامل أصدر تعليمات لوسائل الإعلام المقربة منه بوقف استخدام هذا السلاح ضد الخطيب "تعبيراً عن تقدير النظام له، والتزام النظام الحياد في هذه المعركة". وبالفعل تراجعت هذه الحملة، لتتصاعد حملة أخرى ضد الخطيب، بمحاولة تصويره كمرشح مدعوم من أعداء الإخوان، فلول نظام مبارك، وخصوصاً الإعلاميين أحمد شوبير وأحمد موسى المعروفين بعلاقتهما الشخصية الوطيدة بالخطيب منذ زمن بعيد. فالأول كان زميله في الملعب، والثاني من أبرز مشجعي النادي وأعضائه. ويأتي ذلك في محاولة لتقليل شعبية الخطيب بين الشباب المنحازين إليه لاهتمامهم بكرة القدم التي تتمحور حولها برامج الخطيب، أكثر من الخدمات الترفيهية التي يعد بها طاهر.

الطريف أن أحمد موسى حاول أيضاً استخدام سلاح السياسة لحساب الخطيب، فبعدما كان أحد أكبر المؤيدين لطاهر في 2014، بدأ يروّج لمستندات تثبت أن الأخير حاول دخول عالم السياسة عام 2011، في الوقت الذي شهد ازدهار نشأة الأحزاب في أعقاب الثورة، بالتحالف مع عدد من النشطاء السياسيين الذين تشيطنهم الدولة حالياً، وعلى رأسهم شادي الغزالي حرب.

كما كان لظهور رجل الأعمال نجيب ساويرس مؤيداً لطاهر وعضو قائمته هاني سري الدين -وهو المستشار القانوني لمجموعة ساويرس - آثار مختلطة، حاول الإعلام المساند للخطيب وكذلك معارضو التوجهات النيوليبرالية ترويج السلبي منها، محذراً من احتمالات إقامة شراكة بين النادي ومجموعة "أوراسكوم" قد تؤدي لبيع الأوّل أو إنشاء شركة لكرة القدم منفصلة عن النادي يديرها رجال الأعمال.

وفي المقابل، استطاع الخطيب بمساعدة الأجهزة المساندة له تثبيت أقدامه ورفع أسهمه في المنافسة، بعدما أعانته على تجاوز موقف انسحاب لاعب كرة اليد الشهير جوهر نبيل من قائمته الانتخابية قبل 4 أيام فقط من التصويت، ونجاحها في الضغط لإلغاء الاتفاق بين أبوهشيمة ونبيل لمصلحة طاهر، علماً أن أبوهشيمة كان قد اشترى (في يوليو/ تموز 2016) 70 في المائة من أسهم شركة الدعاية التي أسسها نبيل وضمّها لمجموعة "إعلام المصريين".

ويروي مصدر إداري في النادي الأهلي لـ"العربي الجديد"، كواليس تلك الأزمة قائلاً إن الخطيب وعضو قائمته رجل الأعمال محمد الجارحي – وهو قيادي في حزب مستقبل وطن الداعم للسيسي – طلبا من وزير الرياضة خالد عبدالعزيز التدخل لإعادة نبيل للقائمة بأسرع وقت، وإلّا فسيكون النظام قد تخلى عن حياده المعلن، فأحال الوزير المشكلة إلى جهاز الاستخبارات الحربية المشارك لأبوهشيمة في إدارة مشاريعه. كما تدخّل عباس كامل من جانب آخر، ليلغي الاتفاق، ويظهر الخطيب بصورة المرشح القادر على الاحتفاظ بقائمته متماسكة "رغم كل ما يجري في الكواليس"، على حد وصف تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة الرياضية بالسعودية.

فالخطيب يتلقى دعماً إضافياً وواضحاً من السعودية والإمارات، لا يتوقّف، بحسب المصدر الإداري، عند حدّ الدعم الأدبي بإعلان المساندة، كما يفعل السفير السعودي بالقاهرة أحمد قطان أو آل الشيخ أو يوسف السركال رئيس الهيئة الرياضية الإماراتية، بل أيضاً يمتدّ إلى "منع الأذرع الإعلامية التابعة لهما من مهاجمة الخطيب، ومنع الدولة من اتخاذ إجراءات تفضيلية لصالح طاهر، علماً أن الأخير يحظى أيضاً بعلاقات جيدة برجال أعمال ومسؤولين حكوميين في كلا البلدين على خلفية أعماله الخاصة والتعاقدات التي أبرمها للنادي مع شركات سعودية وإماراتية للمرة الأولى في تاريخه.

وهنا تتكامل رواية المصدرين عن الأسباب التي تدفع دائرة السيسي للحياد، وترك الأجنحة الأمنية والاقتصادية المختلفة في "مصارعة حرة" مع إمكانية التدخّل لوضع حدود لها بناء على العلاقات الشخصية بين كل مرشح ودوائره في الداخل والخارج، وهو ما يكسب الانتخابات، المقررة اليوم في أروقة الجهات الحكومية وأجهزة النظام، زخماً ربما يفوق الاهتمام الإعلامي والجماهيري الكبير.

وتأتي انتخابات النادي الأهلي بعد أيام من انتخابات نادي الزمالك التي احتفظ البرلماني المثير للجدل مرتضى منصور بموجبها بمنصب الرئيس للأعوام الأربعة المقبلة، في حين فشل نجله أحمد مرتضى بالفوز بمنصب نائب رئيس النادي لصالح هاني العتال وأحمد جلال إبراهيم.

المساهمون