مجزرة مسجد الصوفيّين: أكبر جريمة لمنظمة إرهابية بتاريخ مصر

مجزرة مسجد الصوفيّين: أكبر جريمة لمنظمة إرهابية بتاريخ مصر

العريش

محمود خليل

avata
محمود خليل
محمود خليل
25 نوفمبر 2017
+ الخط -
يضيق معجم اللغة العربية بالمفردات المناسبة لوصف الجرائم الإرهابية التي تضرب المنطقة العربية، وتحظى فيها مصر، بمختلف محافظاتها وفئات شعبها، بحصة الأسد في الفترة الأخيرة. فلا المجزرة ولا الاعتداء ولا المذبحة باتت مفردات تعبّر عن وحشية الجريمة التي صارت مرادفة لتنظيم "داعش" بكل مشتقاته، ولم يعد مفيداً حصر طرف ديني بعينه في خانة بنك أهداف التنظيم الإرهابي، على حسب ما أظهرته آخر جرائمه، أمس الجمعة، ضد مسجد الصوفيين في العريش، شمالي سيناء المصرية.

جريمة مكررة في الأساليب الهادفة إلى إيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى، لكنها غير مسبوقة في حصيلة ضحاياها التي تجاوزت الـ240 قتيلاً، من لم يمت منهم في التفجير قضى بالنيران التي تلت التفجير بشكل يقتل العدد الأكبر من المصلين. والصوفيون هدف قديم على لائحة ضحايا الإرهاب في مصر، في نسخته الأحدث، إلى جانب كل مكوّنات الشعب المصري، من مختلف الديانات والمذاهب، مسلمين ومسيحيين.

وتشكّل الجريمة التي استهدفت مسجد الروضة غربي العريش، والتي أوقعت أكثر من 240 قتيلاً وعشرات الجرحى، منعطفاً خطيراً في الوضع الأمني بسيناء، إذ إنه الاستهداف الأعنف من حيث عدد القتلى والمكان المستهدف، والتوقيت. وفي أول تعليق على الهجوم، توعّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمة بثّها التلفزيون المصري، بالرد "بالقوة الغاشمة" على مرتكبي الهجوم، قائلاً "ستقوم القوات المسلحة المصرية والشرطة بالثأر لشهدائنا خلال الفترة القليلة المقبلة".

وفي تفاصيل الاعتداء، قالت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، إن مسلحين فجّروا عبوة أمام مسجد الروضة الواقع ضمن مركز بئر العبد غرب مدينة العريش في الدقائق الأخيرة من صلاة الجمعة، ومن ثم اقتحموا المسجد وأطلقوا النار على عشرات المصلين، ثم أحرقوا بعض سياراتهم المتوقفة في محيط المسجد. وبهدف قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين والعسكريين، أحرق الإرهابيون سيارات المصلين وقطعوا الطريق المؤدية إلى المسجد. وأوضحت المصادر ذاتها أن المسجد يُعتبر مركزاً للطريقة الصوفية، وهي جماعة مستهدفة من قبل تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، ويصادف الهجوم مع الذكرى السنوية الأولى لإعدام التنظيم للشيخ سليمان أبو حراز شيخ الطريقة الصوفية، والذي اعتقل لفترة لدى التنظيم قبل نشر فيديو إعدامه وهو في التسعين من العمر. ونشر تنظيم "ولاية سيناء" في حينه صوراً لأحد عناصره يحمل سيفاً ويقطع رأس رجلين مسنين اتهمهما بأنهما "طاغوتان يدعيان علم الغيب". كذلك أشارت المصادر إلى أن المسجد من بناء مؤسس الطريقة الصوفية في سيناء، الشيخ عيد أبو جرير، مؤكدةً أن الصوفيين يأتون من كل المناطق القريبة للصلاة في المسجد، كما أن 90 في المائة من سكان قرية الروضة هم من أتباع الطريقة الصوفية.

وبحسب مصادر رسمية، وأخرى طبية، في مستشفى بئر العبد، فإن عدد القتلى يتزايد باستمرار، إذ وصل إلى 240 قتيلاً، وعشرات المصابين غالبيتهم بجروح متوسطة إلى خطيرة، نتيجة تعرضهم لإطلاق نار مباشر من مسافة قريبة. ودعت وزارة الصحة إلى إرسال طواقم طبية على وجه السرعة، بينما أعلنت مديرية الصحة في سيناء حالة "الطوارئ القصوى" في كل المستشفيات الحكومية. كذلك بدأت الطواقم الطبية في نقل الإصابات الحرجة إلى مستشفيات الإسماعيلية بعد وصول عشر إسعافات منها.

وأوضحت مصادر لـ"العربي الجديد" أن الهجوم يُعتبر الأعنف في محافظة شمال سيناء منذ بدء الأحداث قبل أربع سنوات، من حيث عدد القتلى والجرحى في هجوم واحد ومكان واحد. وأشارت إلى أن ارتفاع عدد القتلى كان متسارعاً بسبب عدم توافر سيارات إسعاف لنقل الجرحى من مكان الاستهداف، وعدم توافر طواقم طبية كافية في مستشفى بئر العبد.
وعلى إثر ذلك، أعلنت وزارة الصحة المصرية حالة الطوارئ القصوى في كل مستشفيات سيناء، للسيطرة على الوضع الصحي، في ظل العدد الكبير من الجرحى والحالات الحرجة التي توفي عدد منها لعدم توافر الرعاية الصحية على الفور.


وأحدث الهجوم صدمةً لدى أهالي سيناء، باستهداف المسجد بهذا الشكل والطريقة، وقتل المصلين في يوم الجمعة، ما دفعهم إلى التساؤل عن منفذ الهجوم الإرهابي. كذلك هاجم المسلحون سيارات الإسعاف التي توجّهت إلى مكان الاستهداف بإطلاق الرصاص عليها بشكل مباشر، ما دفع قوات الجيش إلى إغلاق الطريق الدولي الرابط بين مدينتي العريش وبئر العبد، وكذلك إغلاق طريق القنطرة بئر العبد؛ لمنع تحرك أي عناصر إرهابية في تلك المنطقة. وقال شيخ قبلي، وهو أحد رموز سيناء لـ"العربي الجديد"، إن المسجد هو هدف لتنظيم "ولاية سيناء"، وحاول أكثر من مرة التعرض للصوفيين في منطقة بئر العبد، بعد أن لاحق غالبية كوادر الطريقة الصوفية في مدينتي رفح والشيخ زويد خلال الشهور الماضية.

وأوضح الشيخ القبلي أيضاً أن كثرة اللاعبين في سيناء تشتت تحديد المنفّذ، إلا أن العداء القائم بين التنظيم والطريقة الصوفية يشير إلى أن "داعش" هو المسؤول عن الهجوم، نظراً إلى أن الصوفيين كانوا على علاقات جيدة بالدولة المصرية طيلة العقود الماضية، ويرون في "داعش" عدواً للدولة والشعب المصريين. واعتبر أن التنظيم أراد إحداث ضربة أمنية بعد فشل الأمن المصري في ملاحقة المنفذين، أو منع وقوع الهجوم على المسجد الرئيسي للطريقة الصوفية والذي تُرك من دون حراسات أو كمائن أمنية، على الرغم من العلاقة الجيدة التي تجمع الأمن المصري بالصوفيين. وتوقع أن يعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجوم؛ نظراً إلى أنه يعتبر ما حصل "إنجازاً" له، بالقضاء على عدد كبير من الصوفيين، واستهدافهم في مركزهم، ومنطقتهم الجغرافية الأولى.

وتعليقاً على ذلك، قال خبير في شؤون الجماعات المسلحة لـ"العربي الجديد" إن كل الدلائل، وبالنظر إلى الطرف المستفيد مما حصل في المسجد، تشير إلى أن تنظيم "داعش" هو من قام به، ضمن حالة الاستهداف للطريقة الصوفية في سيناء التي بدأت منذ سنوات. وأوضح الخبير أن ما حصل قد يدعم الحديث عن تشكيل تحالفات جديدة تضم تنظيم "القاعدة" ومجموعات عسكرية من قبلية الترابين، ويضاف إليها اليوم بعد هذا الاستهداف العنيف مجموعات من الصوفيين التي قد تتجه للعمل العسكري للانتقام من التنظيم بعد استهدافه المسجد وقتله عدداً كبيراً من أتباع الطريقة الصوفية.

كما أن ما حصل يشكّل أول اختبار لرئيس الأركان المصري محمد فريد حجازي الذي زار سيناء بعد توليه رئاسة الأركان قبل بضعة أسابيع، خصوصاً أنه زار مناطق مركز بئر العبد والعريش التي وقع فيها هجوم المسجد، متوقعاً أن يفرض الجيش حالة أمنية في بئر العبد تشابه الحالة المطبقة حالياً في العريش ورفح والشيخ زويد. يشار إلى مدينة بئر العبد تعتبر آمنة نسبياً مقارنةً بحالة الفوضى الأمنية التي تسود بقية مدن محافظة شمال سيناء، وتُعتبر الاستهدافات الأمنية فيها قليلة، كان آخرها استهداف موكب أمني قبل أسابيع أدى إلى مقتل وإصابة 30 عسكرياً من أفراد الشرطة.

وأعلن السيسي الحداد لثلاثة أيام، وعقد اجتماعاً للجنة الأمنية بمشاركة وزيري الدفاع والداخلية ومديري الاستخبارات العامة والحربية (أعلى جهازين للاستخبارات بمصر)، من دون تفاصيل عن الاجتماع. وتعددت ردود الفعل العربية والدولية المنددة بمجزرة مسجد الصوفيين. وبعث أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح برقية تعزية إلى الرئيس المصري أعرب فيها عن "استنكار دولة الكويت وإدانتها الشديدة لهذه الأعمال الإجرامية الشنيعة"، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية. وأعلن الأمير تأييد الكويت "لكل الإجراءات" التي تتخذها مصر "للحفاظ على أمنها واستقرارها لمكافحة تلك الأعمال الإرهابية". كذلك استنكرت تركيا، على لسان وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو، الجريمة. وقال جاووش أوغلو: "أتقدم بالتعازي إلى الشعب المصري الشقيق في الضحايا، وأتمنّى الشفاء العاجل للجرحى". في المنامة، استنكرت وزارة الخارجة البحرينية الهجوم، وجددت موقف البحرين "الثابت الرافض لكافة أشكال العنف والإرهاب، والداعي إلى تضافر كافة الجهود الهادفة لاجتثاث الإرهاب وتجفيف منابع تمويله". كذلك أعربت سلطنة عُمان عن "إدانتها واستنكارها الشديدين" للهجوم، داعية "كافة دول العالم إلى بذل مزيد من الجهود لمحاربة الإرهاب". كذلك دان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والفصائل الفلسطينية، الهجوم الإرهابي. ولم تخل لائحة من قدّم التعازي من إسرائيل، على لسان وزير التربية نفتالي بينيت.

ذات صلة

الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
الصورة
مئات يترقبون انتشال المساعدات على شاطئ بحر غزة (محمد الحجار)

مجتمع

يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة ملاحقة المساعدات القليلة التي تصل إلى القطاع، وبعد أن كانوا يلاحقون الشاحنات، أصبحوا أيضاً يترقبون ما يصل عبر الإنزال الجوي.
الصورة

سياسة

نقلت وكالة "رويترز"، اليوم الجمعة، عن أربعة مصادر أن مصر بدأت تمهيد منطقة على الحدود مع قطاع غزة يمكن استخدامها لإيواء لاجئين فلسطينيين.
الصورة

منوعات

شهدت كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الأربعاء، موجة من السخط والدهشة، بعدما قارن حالة المصريين في ظل التردي الاقتصادي بحالة أهالي قطاع غزة.

المساهمون