لبنان: فشل الحرب والسلم

لبنان: فشل الحرب والسلم

23 أكتوبر 2017
عناصر من الجيش خلال تظاهرة للحزب القومي(أنور عمرو/فرانس برٍس)
+ الخط -
تبدّلت الصورة سريعاً في لبنان. وعاد بنا القضاء (المجلس العدلي تحديداً) إلى زمن الأبيض والأسود، الذي غلبه السواد خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990). تجاوز المجلس وخلفه السلطة السياسية واقع العجز الرسمي الضارب في أصل النظام اللبناني، وقرروا التصرّف كدولة حقيقية وقادرة. فنكشوا صفحة من أسود الصفحات في تاريخ الحرب الأهلية -وكل صفحاتها سوداء - وقرروا أنهم يُشكلون مرجعية صالحة للفصل في حدث تاريخي كبير كواقعة اغتيال بشير الجميل. تصرّفت الدولة في لبنان وكأنها سلطة قادرة على إصدار حكم قضائي بالإعدام على عضو "الحزب القومي السوري" حبيب الشرتوني، المسؤول مع آخرين عن تنفيذ عملية الاغتيال التي يضعها البعض في سياق الجريمة السياسية، وآخرون في سياق مقاومة المشروع الإسرائيلي في لبنان.

انتهت الحرب الأهلية نظرياً عام 1990، برعاية دولية وبصيغة اتفاق حمل اسم المدينة التي استضافته: الطائف. ولكنها مُستمرة فعليّاً باستمرار مآسيها. نص الطائف، فيما نص عليه، على إنهاء كافة أشكال الأعمال الحربية بين المليشيات اللبنانية، كتمهيد لولادة النظام الطائفي الهجين الذين غيّب المُحاسبة عن القتل المُباشر في الحرب، وعن القتل البطيء للمواطنين بسلاحي الهدر والفساد منذ 1990 وحتى اليوم. قدّمت القوى الإقليمية والدولية إعلان إنجاز انتهاء الحرب على حساب تحقيق نهاية فعلية وحقيقية لمعاناة ملايين المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين وحتى السوريين.

منذ توقيع الاتفاق وحتى اليوم، يتواصل تراكم الملفات الخلافية في لبنان، المؤهل دوماً وبمؤهلات محض ذاتية لإعادة إشعال حرب أهلية جديدة تنطلق من رماد الحرب السابقة، ناهينا عن الاشتباك المُستجد بين إيران والولايات المُتحدة، وموقع لبنان المثالي لتبادل اللكمات على أرضه وبين جمهور الطرفين. تطول قائمة الملفات من صفحات الحرب، ومنها: ملف المخفيين قسراً بين المعتقلات السورية والسجون الإسرائيلية والمقابر الجماعية للمليشيات، ومحاسبة مُرتكبي المجازر بحق المدنيين، والنهب المُمنهج لمؤسسات الدولة خلال الحرب، وغيرها. 

وفي مرحلة السلم المُفترض أيضاً حاولت "الدولة" القائمة على جمع سلطتي الدين ورأس المال أداء دور الوسيط في النزاعات المالية والاجتماعية بين المواطنين، ولطالما فشلت. والأمثلة عديدة من إقرار زيادة رواتب موظفي القطاع العام على حساب موظفي القطاع الخاص، أو نقل أزمة الإيجارات في لبنان من حضن المالكين إلى أحضان المُستأجرين، وغيرها. بعد الحكم على حبيب الشرتوني لن يرتاح آل الجميّل ما لم يُنفذ حكم الإعدام بحق الشرتوني، وهو أمر مُستبعد الحصول. كما لن يرتاح أنصار الشرتوني الذين زاد رفيقهم بطولة في عيونهم. وعليه تستمر الحرب.

دلالات

المساهمون