لا عزاء للغرقى

لا عزاء للغرقى

22 أكتوبر 2017
خرج الأهالي في جنازات رمزية (سفيان حمداوي/فرانس برس)
+ الخط -
أول من أمس، وقف لاعبون تونسيون في مباراة كرة قدم من الدرجة الثانية دقيقة صمت، ترحماً على روح والدة مسؤول سابق في أحد الفريقين. لقطة عادية، كثيراً ما تحدث في كل الملاعب، لكن سياقها كان غريباً هذه المرة، إذ لم يكلف اللاعبون، ولا المسؤولون عنهم، أنفسهم عناء الترحم على عشرات الغرقى من الشباب أكلهم البحر في الأيام الماضية. لكن هذا النسيان، أو التناسي، يشمل في ما يبدو أغلب النخبة السياسية التونسية ومؤسساتها، من رئاسة الجمهورية والبرلمان ووزراء وأحزاب، ولم يكلف أحد منهم خاطره ليذهب إلى حيث عويل النساء في المدن البعيدة ليقدم واجب العزاء. ولم يخرج الرئيس ليعزي الشعب ولا أعلن الحداد. بيانات باهتة من هنا وهناك دفعت الأهالي إلى الخروج في جنازات رمزية وإعلان الإضراب الأربعاء المقبل.

ويبدو أن السلطة في تونس لا تقيس كما ينبغي حجم هذا التناسي، الذي يعتبره الأهالي تعالياً عن مصابهم وتناسياً وإهمالاً لهم ولمشاعرهم، وستدفع ثمن ذلك باهظاً بالتأكيد. وسيسارع المسؤولون، بعد أن يكبر الغضب، إلى هذه المناطق سعياً لإخمادها كما في كل مرة. لكن يبدو أن الأمر أكبر من التعالي والنسيان وعدم الاكتراث، فهم يعرفون بالتأكيد أن المصاب جلل، وأن موت العشرات من جهات مختلفة، أغلبها فقيرة، مسألة خطيرة، وأن وجود المؤسسة العسكرية في هذه القضية لها انعكاساتها على صورتها الناصعة وثقة التونسيين المطلقة فيها.

ويبدو أن الحقيقة تدور حول الخوف! نعم الخوف من ردة فعل الحزانى في قراهم وقد أعياهم الانتظار والصبر، ودفعوا بفلذات أكبادهم إلى البحر، لعل الخلاص يكون من إيطاليا، ولكن حتى ذلك لم يتحقق. ويبدو أن خطورة الأمر تتعاظم يوماً بعد يوم، فقد كشف مسؤولون تونسيون أن 1400 تونسي وصلوا في سبتمبر/أيلول الماضي إلى السواحل الإيطالية، و1500 طيلة 18 يوماً فقط من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، ما يعني أن هناك مشكلة حقيقية ينبغي التفتيش عنها وفهمها سريعاً قبل فوات الأوان. هذا الخريف في تونس سيكون صعباً جداً وقاسياً، ولعل شتاءه سيكون بارداً وقارساً. وفي الانتظار… لا عزاء للغرقى.

المساهمون