أسباب استعصاء معركة الباب أمام الجيشين التركي و"الحرّ"

أسباب استعصاء معركة الباب أمام الجيشين التركي و"الحرّ"

04 يناير 2017
عوامل سياسية تمنع حسم المعارك لمصلحة "الجيش الحر"(حسين ناصر/الأناضول)
+ الخط -
لم تستطع قوات المعارضة السورية، المدعومة من قبل الجيش التركي، إحداث اختراق يمكّنها من السيطرة على مدينة الباب، آخر معاقل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) شمال شرقي حلب، على الرغم من مرور أكثر من شهر على محاولات جدية لانتزاع السيطرة عليها. تؤكد مصادر في "الجيش السوري الحر"، أن التنظيم يستشرس في الدفاع عن المدينة، معتمداً على سلاحين مهمين، هما: مضادات الدروع، والانتحاريون. كما تلعب طبيعة المدينة الجغرافية، ووجود عشرات آلاف المدنيين فيها، دوراً في عدم تمكّن قوات المعارضة من اقتحامها منذ بدء عملية "درع الفرات" من قبل قوات المعارضة مدعومة من الجيش التركي في 24 أغسطس/ آب 2016. 

وكان التنظيم قد حرق جنديين تركيين أسيرين لديه وهما على قيد الحياة، في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما شكل صدمة للرأي العام التركي، الأمر الذي دفع أنقرة لتكثيف غارات الطائرات الحربية على مواقع التنظيم. وتزامن ذلك مع تصعيد تركي سياسي على أعلى المستويات ضد "التحالف الدولي"، بسبب عدم تقديمه عوناً للجيش التركي في عمليته العسكرية ضد "داعش" في الباب. وهذا التصعيد جاء على لسان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عندما قال، منذ أيام، إن "التحالف" لا يقدم أي دعم لبلاده في معركة الباب، مشيراً إلى أن "التحالف الدولي" الذي شُكّل من نحو عشرين دولة منتصف عام 2014 لمحاربة الإرهاب "يقف متفرجاً إزاء ما تتعرض له تركيا من تهديدات على طول حدودها مع سورية، والقذائف التي استهدفت الأراضي التركية".

وبدا أداء الجيش التركي، في معركة درع الفرات تحديداً، بعيداً عن الصورة المعروفة عنه. يرى البعض أن جزءاً من هذا الضعف النسبي، يعود إلى سببين رئيسيين: أولاً، الاستخفاف الناتج عن سرعة حسم معركة جرابلس، الصيف الماضي، في غضون ساعات، من دون خسائر بشرية تذكر لدى الطرف المهاجم (الجيش الحر والجيش التركي). ثانياً، وهو الأهم، النواقص الكبيرة التي ظهرت في أداء الجيش التركي في التواصل والتنسيق والتخطيط والإدارة، وهو ما يعود، على الأقل جزئياً، إلى الفراغ الذي تركه صرف آلاف الجنود وكبار الضباط في الجيش التركي من الخدمة، بشبهة الانتماء إلى حركة "الخدمة" وشبهة التورط بمحاولة الانقلاب في منتصف يوليو/تموز الماضي. وكان لافتاً أن عدداً كبيراً من كبار الضباط وأصحاب الرتب المتوسط ممن تم طردهم أو إحالتهم إلى المحاكمة، كانوا مسؤولين عن منطقة الحدود التركية ــ السورية منذ فترة طويلة، فأتى مكانهم ضباط يبدو أنهم يحتاجون فترات طويلة لإدراك خصوصيات المنطقة وأسرار المعركة التي يخوضها جيشهم ضد "داعش" والمليشيات الكردية المصنفة إرهابية في هذه الجبهة.
وبدأ الطيران الروسي مع مطلع العام الجديد بمساندة الطيران التركي في مدينة الباب، وشن غارات متلاحقة على مواقع للتنظيم داخل المدينة، في إطار شراكة استراتيجية بين أنقرة وموسكو، تتعزز في سورية. من جهته، أوضح الإعلامي عمر الشمالي، الذي يواكب عملية "درع الفرات"، أن قوات المعارضة السورية سيطرت يوم السبت على قرية دغل باش غربي الباب، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن قوات المعارضة باتت على أعتاب الباب من الجهة الغربية.

واستعصت مدينة الباب على "الجيش الحرّ" والجيش التركي، رغم الحصار المفروض عليها من الشمال والغرب والشرق، وعلى الرغم من مئات الغارات الجوية التي يشنها الطيران التركي بشكل شبه يومي على أغلب مواقع التنظيم في المدينة. وقد حاولت قوات المعارضة السورية وقوات تركية اقتحام المدينة مرات عدة. ونجحت في 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بالسيطرة على جبل الشيخ عقيل الاستراتيجي المطل عليها، وعلى المشفى الذي يعد أهم مقرات التنظيم في المدينة، وعلى السكن الشبابي، وطريق الباب-حلب في غربي المدينة إثر معارك وُصفت بـ"الضارية". لكن مقاتلي التنظيم استطاعوا في اليوم التالي، استعادة السيطرة على هذه المواقع، وأهمها الجبل المذكور، موقِعين خسائر فادحة بالقوات المهاجمة، إذ قتل نحو 14 جنديا تركياً وهو ما تم اعتباره الخسارة الأكبر للجيش التركي في يوم واحد، منذ بدء عملية "درع الفرات".


ويستشرس تنظيم "داعش" في الدفاع عن الباب السورية، وهي مدينة مهمة تستطيع من خلالها قوات المعارضة السورية الدخول إلى منطقة نفوذه شرقي حلب، ومنها إلى محافظة الرقة، أهم معاقله في سورية. ويواجه "داعش" حملة عسكرية أخرى تقودها "قوات سورية الديمقراطية" وتحقق تقدماً ملحوظاً في ريف الرقة الغربي والشمالي الغربي. وأكدت مصادر في المعارضة السورية أن التنظيم "يبدي مقاومة غير مسبوقة" في الدفاع عن الباب، لم تكن متوقعة، مشيرة إلى أن وجود آلاف المدنيين في المدينة ساعد "داعش" على الصمود لأنه يعلم أن المعارضة تضع في حساباتها سلامة المدنيين، أثناء تقدم قواتها على الأرض، بحسب المصادر.

من جانبه، أشار القيادي في "الفرقة 13" التابعة لـ"الجيش السوري الحر" والمشاركة في عمليات "درع الفرات"، المقدم أبو حمود، أن مدينة الباب كبيرة جغرافياً، مؤكداً خلال حديث مع "العربي الجديد"، على أن طبيعة التضاريس وتوزع مناطق النفوذ والسيطرة كلها عوامل "تؤثر بشكل فعال على حسم المعركة لصالح قوات المعارضة". وعن استراتيجية القتال التي يتبعها "داعش" في الدفاع عن مدينة الباب، أوضح أن هذا التنظيم يمتلك مضادات دروع أكثر مما يمتلكه جيش النظام السوري، مشيراً إلى أن التنظيم يملك سلاحاً لا يقل خطورة وهو "سلاح الانتحاريين". وقد اعتمد التنظيم فعلاً على السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون، من أجل إفشال كل محاولات الاقتحام التي قامت بها قوات المعارضة وقوات تركية، وهو ما يشكّل عائقاً لم تستطع الأخيرة تجاوزه.

ولم يستبعد أبو حمود وجود عوامل سياسية تحول دون حسم المعارك في مدينة الباب لصالح "الجيش السوري الحر" والمدعوم بشكل مباشر من تركيا. وأعرب عن قناعته بأن تنظيم "داعش" هو "لعبة بيد الدول الكبرى، توجهه حسب مصالحها"، مشيراً إلى أن نظام بشار الأسد "مستودع ذخيرة التنظيم"، موضحاً أن الأخير اغتنم أسلحة نوعية جراء انسحاب قوات النظام، ومليشيات طائفية موالية لها، من مدينة تدمر في 12 ديسمبر/كانون الأول 2016، تاركةً خلفها مستودعات مليئة بالأسلحة وضع التنظيم يده عليها، واستعان بها في معركة الباب. وختم حديثه بالتأكيد على وجود استعدادات تجري لمحاولة اقتحام جديدة للمدينة من قبل قوات المعارضة، رافضاً الخوض في التفاصيل.

وأشار الصحافي، عدنان الحسين، المواكب لعملية "درع الفرات"، إلى وجود نحو 50 ألف مدني محاصرين داخل الباب، وقد قتل أواخر الشهر الماضي العشرات منهم، بينهم عائلات بأكملها، بغارات من الطيران التركي، أو بحقول الألغام التي أحاط التنظيم المدينة بها أثناء محاولات عدد من العائلات النجاة. وفي هذا الصدد، أوضح الناشط الإعلامي، عمر الشمالي، أن "تنظيم الدولة" قام بزرع الألغام على الطرق المؤدية إلى خارج مدينة الباب، مشيراً إلى أن عناصر التنظيم أطلقوا النار على مدنيين حاولوا الخروج من المدينة. ولفت إلى أن إفراغ المدينة من المدنيين يعد خطوة مهمة في طريق طرد "داعش" منها.

ولا يخفى أن من أهم عوامل استعصاء الباب، أمام القوات الساعية لاقتحامها، يأتي من تضارب مصالح إقليمية ودولية، حول وضع هذه المدينة، ومآلات الواقع الميداني شمال وشرق سورية بعيد تحريرها من "داعش". والباب تعتبر خط دفاع متقدم عن معاقل التنظيم في شرقي حلب، ومحافظة الرقة، ومن خلفها محافظة دير الزور في أقصى شرق سورية. ولم تبد أنقرة أي مرونة تجاه دعوات أميركية، لاشتراكها في عمليات "غضب الفرات" من خلال مليشيات "وحدات حماية الشعب" الكردية، التي تُعد في نظر الأتراك "منظمة إرهابية" مساندة لحزب العمال الكردستاني، وهو ما دفع واشنطن إلى عدم مساندة عملية "درع الفرات" في الباب. كما تبدو أنقرة حذرة في الزج بالمزيد من القوات التركية في معركة السيطرة على الباب، خشية الانزلاق أكثر في المستنقع الدموي السوري. وهذا ما يؤخر حسم معركة، سيكون لها تبعات كثيرة، لا سيما في ما يتعلق برسم معالم مستقبل ريف حلب الشمالي، الذي يشكّل العمق الأهم للأتراك، الساعين لسحق محاولات قيام كيان كردي على حدودهم الجنوبية، إذ يتوعدون مليشيات "الوحدات الكردية"، بزحف "الجيش الحر" نحو مدينة منبج بعد الباب.