وثائق أستانة تتجاهل الأسد... والمعارضة تتحسب لـ"مسرحية بلا متفرجين"

وثائق أستانة تتجاهل الأسد... والمعارضة تتحسب لـ"مسرحية بلا متفرجين"

12 يناير 2017
واصل النظام أمس قصف إدلب (عمر حج قدورة/فرانس برس)
+ الخط -
تتمسك روسيا بـ23 يناير/ كانون الثاني الحالي كموعد لانعقاد المحادثات السورية في أستانة (عاصمة كازاخستان)، متجاهلة تحذيرات المعارضة السورية من أن خروقات النظام السوري المتواصلة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع في أنقرة، وتنصل روسيا من تعهداتها كضامن للاتفاق إلى جانب تركيا، فضلاً عن محاولات موسكو تجاوز المرجعيات السياسية للثورة، باتت تهدد انعقاد المحادثات برمتها وليس فقط موعدها، لا سيما بعد تسريب وثائق لمؤتمر أستانة، أعدها الروس، تظهر تجاهل مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد. وأعلن مصدر دبلوماسي روسي، أمس الأربعاء، لوكالة "فرانس برس"، أنه "في الوقت الحالي ليس هناك معلومات حول ارجاء اللقاء، وعليه فإن موعد 23 يناير لا يزال سارياً"، لافتاً إلى أنه يجري إعداد قائمة بأسماء المشاركين في المحادثات. 

وتزامن الإعلان الروسي مع تواصل الاجتماعات في العاصمة التركية أنقرة بين مسؤولين أتراك وممثلين عن فصائل في المعارضة السورية المسلحة، وناشطين مدنيين، وشخصيات معارضة. ووصفت مصادر في المعارضة، في حديث مع "العربي الجديد"، اجتماعات أنقرة بـ"التشاورية"، مشيرة إلى أنه يتم التداول خلالها في العديد من القضايا الملحة، أبرزها اتفاق وقف إطلاق النار الذي يترنح بسبب خروقات جوهرية من قبل قوات النظام ومليشيات طائفية موالية لها، والتحضيرات لمؤتمر أستانة.

وأشارت المصادر إلى أن مسؤولين أتراك يشرحون وجهة نظر بلادهم حيال مجمل القضايا المهمة في الملف السوري، والرد على اتهامات من قبل ناشطين سوريين لتركيا بالتخلي عن مدينة حلب مقابل منطقة آمنة في ريفها الشمالي. وتحاول أنقرة، وفق المصادر، إقناع فصائل المعارضة المسلحة بالمشاركة في مؤتمر أستانة وتشكيل وفدها المفاوض. وبينما تردد المعارضة باستمرار استعدادها للتجاوب مع أي مبادرات سياسية جدية، إلا أنها تريد تثبيت وقف إطلاق النار قبل الموافقة على الذهاب إلى أستانة، في اختبار لجدية روسيا وقدرتها على إجبار النظام على الدخول في صلب العملية السياسية التي تنهض على قرارات دولية تدعو إلى انتقال سياسي ليس للأسد وجود فيه.


تجاهل مصير الأسد
وبدأ النظام بتسريب وثائق، معدة من قبل الروس، لمناقشتها في مؤتمر أستانة لا تتطرق إلى مصير بشار الأسد وتكاد تتطابق مع رؤية الأخير للحل في سورية وتلغي ست سنوات من ثورة قتل وهجّر فيها ملايين السوريين على يد قوات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين. وكشف القيادي في هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، منذر خدام، أن مؤتمر أستانة سيقتصر في مرحلته الأولى على العسكريين من المعارضة السورية والنظام.

وأشار، في منشور له على موقع فيسبوك، إلى أن المشاركين في المؤتمر سيناقشون "وثائق تم إعدادها مسبقاً"، تتعلق بـ"تدعيم وقف إطلاق النار، وكيفية المشاركة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وجبهة فتح الشام، إضافة الى وثيقة حول المبادئ الأساسية للنظام السياسي المستقبلي في سورية، وعقد مؤتمر وطني سوري عام للنظر في ذلك وإقراره". كما تطرق خدام الى وجود وثيقة ثالثة "تركز على المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية، وعلى مهام هذه الحكومة خلال المرحلة الانتقالية، أي حتى موعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية على أساس دستور جديد وتحت رعاية الأمم المتحدة"، على حد وصفه. كما تطرق إلى وجود وثيقة رابعة "تركز على المصالحات الوطنية، والبدء بعملية الإعمار انطلاقاً من المناطق المستقرة".

لكن مصادر في المعارضة السورية ترى أن ما ذكره خدام يمثّل "تسريبات متعمدة" من قبل النظام، غايتها إرباك مختلف قوى المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري ودفعها للتشكيك بالموقف التركي حيالها، واتخاذ إجراءات تظهرها بمظهر الساعي إلى تعطيل مساعٍ روسية تركية لبدء مفاوضات من شأنها التوصل لحل سياسي. وأشار رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني السوري، أحمد رمضان، إلى أن هذه التسريبات التي يقوم بها "مقربون من النظام" تهدف إلى دفع المعارضة لاتخاذ قرار برفض الذهاب إلى أستانة، وبالتالي إعفاء النظام من ذلك، وفق قوله. وقلل رمضان من أهمية مؤتمر أستانة، لافتاً إلى أن الاجتماع بحد ذاته ليس فيه جديد وينتابه الفشل. وأشار إلى أن مؤتمر أستانة يستند إلى اتفاق وقف إطلاق النار لمدة شهر، وهو ما لم يحصل، أي أن الذريعة التي أفشلت مفاوضات جنيف هي نفسها تستخدم الآن لإفشال الجهد الحالي.


وكانت المعارضة السورية علّقت مشاركتها في مفاوضات جنيف في إبريل/ نيسان من العام الفائت، بسبب عدم التزام النظام وحلفائه بالقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي أواخر عام 2015، والذي دعا في شقه الإنساني إلى فك الحصار عن المناطق المحاصرة، وتسهيل دخول مساعدات إنسانية، وإطلاق سراح المعتقلين. وأكد رمضان أن روسيا "تخلت" عن اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أنقرة. كما أشار رمضان لـ"العربي الجديد"، إلى أن المحاولات الروسية لتجاوز المرجعيات السياسية للثورة "ليست جديدة، لكنها باءت بالفشل، لأنها تمثل التفافاً على ثورة السوريين وتضحياتهم". وشدد على أن "روسيا لن تحصد من خلال التفاوض ما عجزت عنه عبر العدوان". وكانت روسيا بدأت تدخلاً عسكرياً مباشراً في سورية في الثلاثين من سبتمبر/ أيلول 2015، أدى الى مقتل وتهجير آلاف السوريين، لكنه فشل في وأد الثورة السورية في ظل عجز قوات النظام والمليشيات الطائفية عن تحقيق حسم عسكري سعت موسكو اليه. كما حاولت موسكو خلال أعوام الثورة تصنيع "معارضة" من شخصيات عدة مقربة منها، وتتماهى مع مشروعها في سورية. وجهدت موسكو كي تكون هذه الشخصيات جزءاً من وفد المعارضة المفاوض في جنيف، لكنها فشلت مرة جديدة أمام إصرار الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة على رفض وجود هذه الشخصيات ضمن الوفد كونها أقرب إلى النظام منها إلى المعارضة. ومن المتوقع أن تحاول موسكو إعادة هذه الشخصيات إلى واجهة مؤتمر أستانة الذي أكدت روسيا، أمس، أنه سيعقد في 23 يناير.

ضمن هذا السياق، يعتبر البعض أن مؤتمر أستانة يحمل بذور فشله في ظل محاولات روسية لرسم مسار جديد لمفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة في جولتها الجديدة المرتقبة في شهر فبراير/ شباط المقبل، من خلال "تثبيت عناوين تفاوض، ومفاوضين معينين"، وفق دبلوماسي سوري معارض. وأشار المصدر نفسه، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن روسيا "تسعى لرسم مستقبل مفاوضات جنيف، ووضع الحل على السكة التي تريدها قبل تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب السلطة". واعتبر أن الغموض "سيّد الموقف" حيال مؤتمر أستانة، لا سيما أنه لم تُعلن حتى الآن أسماء جهات أو شخصيات مشاركة فيه. وتحاول موسكو تهميش وتحييد عناوين ومرجعيات الثورة الرئيسية، كالائتلاف الوطني السوري، والهيئة العليا للمفاوضات، مقابل دفع عسكريين معارضين وقادة فصائل مسلحة إلى واجهة المشهد السياسي، في مسعى لتثبيت رؤيتها للحل السياسي، من خلال الرهان على انقسامات داخل قوى وتيارات المعارضة.

لكن الائتلاف الوطني السوري، وفقاً لتأكيدات عدد من أعضائه، بصدد اتخاذ "موقف رسمي" حيال محاولات موسكو إلغاء دوره في الحراك السياسي. وتصر المعارضة السورية على التمسك بمظلة الأمم المتحدة، وقرارات ذات صلة صدرت عن مؤسساتها تدعو إلى تشكيل هيئة حكم تشرف على مرحلة انتقالية. ومن المنتظر أن تعقد الهيئة العليا للمفاوضات، غداً الجمعة، اجتماعات في مقرها بالعاصمة السعودية الرياض. ومن المتوقع أن تؤكد الهيئة على أنها معنية بمفاوضات وفق بيان جنيف1، والقرار الأممي 2254، ورفضها خلق مسارات أخرى لا تساعد في التوصل لحلول ذات مصداقية لدى الشارع، وتملك القدرة على الصمود.

في موازاة ذلك، تشكك مصادر في المعارضة بإمكانية عقد المؤتمر في 23 يناير، في ظل عمليات عسكرية واسعة النطاق تقوم بها قوات النظام وحزب الله في منطقة وادي بردى. كما تشير إلى أن استبعاد الهيئة العليا للمفاوضات عنه "يجعل منه مسرحية من دون متفرجين". ويرى المحلل السياسي المتخصص بالشأن الروسي، محمود الحمزة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن روسيا "تريد خلق مسار جديد بأدوات جديدة لحل سياسي ما في سورية". ووفقاً للحمزة، فإن موسكو "تريد تجنب مشاركة الهيئة العليا للتفاوض، وتعظيم دور العسكر من كل الأطراف". ويعرب الحمزة عن اعتقاده بأن المساعي الروسية على هذا الصعيد "خطر على الثورة، لأن الثورة سياسية بامتياز". وأضاف "روسيا تسابق الوقت، وتريد الحصول على مكاسب بعد حلب، لا سيما أن كلفة الحرب في سورية كبيرة مادياً ومعنوياً". كما لفت إلى ما قال إنه "خشية الروس من ترامب وما يحمله من مفاجآت".

المساهمون