اغتيال ناهض حتر: نهاية دراماتيكية لمسيرة كاتب مثير للجدل

اغتيال ناهض حتر: نهاية دراماتيكية لمسيرة كاتب مثير للجدل

عمان

محمد الفضيلات

avata
محمد الفضيلات
26 سبتمبر 2016
+ الخط -
جريمة بست رصاصات، ثلاث منها استقرت بالرأس، وضعت حداً لحياة الكاتب الأردني ناهض حتر، والذي أقل ما يمكن أن يوصف بأنه "إشكالي". الرصاصات اغتالت حتر أمام قصر العدل في العاصمة الأردنية عمان، والذي تتزين واجهته بميزان العدل تعلوه الآية القرآنية "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، ولم يطلقها خصومه السياسيون الكثر، بل رجل متدين اعتقد غالباً وهو يسدد رصاصاته القاتلة أنه يدافع بفعلته تلك عن الله. صباح أمس الأحد كان حتر يصعد الأدراج المؤدية إلى قصر العدل في عمان لحضور أولى جلسات محاكمته في قضية إعادة نشره رسماً كاريكاتورياً على صفحته الشخصية على موقع "فيسبوك" اعتُبر أنّه يتضمن "إساءة للذات الإلهية"، عندما تقدّم رجل أربعيني ملتحٍ يرتدي دشداشة رمادية اللون وأطلق الرصاص بعد أن تمتم بكلام غير مفهوم. قتلت الرصاصات حتر (56 عاماً) على الفور، وبأسرع من الرصاصات انتشر خبر الجريمة التي صدمت خصومه بمقدار ما صدمت عائلته ومحبيه الذين تجمعوا داخل شقته ومحيط المستشفى الذي نقل إليه جثمانه.

كان بعضهم يواسي والدته التي جلست على مكتبه الشخصي وهي تعيد سؤالاً واحداً "هو صحيح؟" وتبكي بحرقة لأنها على غير العادة لم تودعه عند خروجه صباحاً، فيما راح آخرون يبكون الرجل ويتوعدون بالثأر من قاتله ومن يقفون خلفه. التعبير الغاضب عن الجريمة تُرجم بشكل أكبر في مدينة الفحيص (شرق العاصمة) ذات الأغلبية المسيحية، حيث تجمع أفراد من عشيرته يطالبون بالقصاص من القاتل ويُحمّلون رئيس الحكومة هاني الملقي ووزير الداخلية سلامة حماد المسؤولية المباشرة عن مقتل ابنهم الذي وصفوه بـ"الشهيد".

القضية التي راح حتر ضحيتها، بدأت فصولها في 13 أغسطس/آب الماضي، عندما أعاد الكاتب المعروف بانحيازه المطلق للنظام السوري، نشر رسم كاريكاتوري يتضمن "إساءة للذات الإلهية"، تحت عنوان "رب الدواعش"، وهو الرسم الذي أثار الرأي العام على نحو غير مسبوق، واستمر الغضب حتى بعد أن قدّم الكاتب اعتذاراً قال فيه إن "الكاريكاتير يسخر من الإرهابيين وتصوّرهم للرّب والجنة، ولا يمس الذات الإلهية من قريب أو بعيد، بل هو تنزيه لمفهوم الألوهة عما يروّجه الإرهابيون". لم تتوقف الحملة التي بدا أنها ممنهجة وتضمنت تحريضاً على قتل الكاتب حتى بعد أن اعتُقل، بعد أن حرك رئيس الوزراء شخصياً دعوى بالحق العام ضد حتر، والذي اعتقل وأسند إليه جرم "إثارة النعرات المذهبية والعنصرية". أفرج عن حتر بكفالة في 8 سبتمبر/أيلول الحالي، ليسقط ضحية لكاريكاتير ولحملة التحريض التي دفعت متديناً لقتل رجل ربما لم يسمع باسمه سابقاً ولم يطّلع على طروحاته أو يخبَر بمواقفه السياسية التي أثارت الكثير من الجدل.


درس حتر الفلسفة في الجامعة الاردنية. سجن عدة مرات في أعوام 1977 و1979 و 1996 وتعرض لمحاولة اغتيال في العام 1998. التحق حتر (مواليد 1960) منذ تفتق وعيه السياسي بالحزب الشيوعي الأردني، واعتُقل نهاية سبعينيات القرن الماضي على خلفية انتمائه للحزب الذي كان محظوراً، وتحت التعذيب في دائرة المخابرات العامة تبرأ الشاب آنذاك من الحزب، يقول رفاقه القدامى إنه "انهار" لكن مؤيدوه يعتبرون أنه قاسى أكثر من غيره. 

بعد خروجه من السجن، تبرأ الحزب منه وابتعد رفاقه عنه، يقول رفيق قديم لحتر: "كانت تلك أكبر صدمة تعرض لها الرجل ورافقته مرارتها حتى اغتياله". ويرجع رفيقه الأفكار والمواقف السياسية الجدلية التي تبناها حتر إلى غضبه مما تعرض له على يد المخابرات وعلى يد رفاقه.
حمل حتر في تسعينيات القرن الماضي على عاتقه مهمة الدفاع عن "الهوية الوطنية الأردنية" حتى أصبح عراب ومنظّر "التيار الوطني الأردني"، لكن دفاعه عن "الهوية الوطنية" حملت عدائية مفرطة تجاه الأردنيين من أصول فلسطينية، وهو الدفاع الذي جعله يصنّف في خانة الإقليميين والانعزاليين، حتى إن خصومه نعتوه بـ"زعيم الإقليميين". استقر فترة طويلة في لبنان، وتنقل بينها وبين ايران. كان رئيس الوزراء الأردني وصفي التل الذي اغتيل في القاهرة عام 1971 مثالاً أعلى لحتر طوال حياته الجدلية، وهو علّق في مكتبه صورة للتل، والذي يعتبره الأردنيون رمزاً للهوية الوطنية الأردنية، حتى إن أفراد أسرته كانوا يهدئون روع والدته بعد أن وصلها خبر مقلته بقولهم "ناهض راح عند وصفي".

وكما جاء اغتيال حتر صادماً لكثيرين، فإن مواقفه السياسية لاقت انقساماً وجدلاً كبيراً حولها، فهو كان يجاهر بدعمه النظام السوري برئاسة بشار الأسد ضد المعارضة والثورة السورية، وكاد حافظ الأسد وبشار اليوم والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يكونون أمثلته العليا، حتى إنه أوحى في العديد من مقالاته بأن سورية لا يجب أن يبقى فيها إلا الموالون للأسد. ولم يتوانَ عن التلميح في كتابات له في صحف أردنية وعربية، إلى عدم أسفه على غرق اللاجئين الفارين من الحرب السورية في البحر. كتب حتر مرات عدة عما سماه "المشروع المشرقي"، وهو ما فسره كثيرون بأنه يضم المناطق التي تقطنها الأقليات في المنطقة، وهو الذي اشتهر أيضاً بنظرياته عن "الجيش الروسي الأحمر" الذي كان يقول إنه يعيد إحياء الاتحاد السوفياتي.

على وقع الفاجعة، تُرجمت بعض مشاعر الحزن بذعر طائفي، ورُدد أن حتر كان يُعرّف نفسه ملحداً قبل كونه مسيحياً، لكنه ذعر يبدده أن جميع تيارات الدين السياسي، والمؤسسات الدينية في المملكة، نددت بمقتله ووصفته بالجريمة النكراء. ونددت الحكومة الاردنية بـ"الجريمة النكراء" التي راح ضحيتها حتر. وقال وزير الدولة لشؤون الإعلام، المتحدث الرسمي باسم الحكومة، محمد المومني، في تصريحات أوردتها وكالة "بترا"، إن "الثقة بالقضاء الأردني وبأجهزتنا الأمنيّة عالية في متابعة ومحاسبة من اقترف هذه الجريمة النكراء". وأكد أن "القانون سيطبق بحزم على من قام بهذا العمل الآثم، وأن الحكومة ستضرب بيد من حديد كلّ من يستغلّ هذه الجريمة لبثّ خطاب الكراهية الطارئ على مجتمعنا".

كذلك استنكرت دائرة الإفتاء العام في بيان مقتل حتر، مؤكدة أن "الدين الإسلامي بريء من هذه الجريمة البشعة". ودعت "أبناء المجتمع الأردني جميعاً باختلاف أديانهم وأطيافهم إلى الوقوف صفاً واحداً خلف قيادتهم الهاشمية ضد الإرهاب ومثيري الفتنة". كذلك دانت جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن مقتل حتر. وحذر المتحدث باسم الجماعة بادي الرفايعة، في بيان، "من إثارة الفتنة".

ذات صلة

الصورة
محمد حبوب.. إعاقة ونزوح بسبب الحرب السورية (عامر السيد علي)

مجتمع

خلفت الحرب السورية مآسي مروعة بكل تفاصيلها، طاولت مدنا وبلدات وعائلات بأكملها، وشكلت تلك المآسي انقلابا في حياة الكثير من السوريين
الصورة
غسان النجار أمين سر نقابة المهندسين في حلب 1980 متحدثا للعربي الجديد (العربي الجديد)

سياسة

واجه نظام الرئيس حافظ الاسد عام 1980 انتفاضة شعبية في مدينة حلب سبقها صراع مسلح مع الطليعة المقاتلة واستغل النظام هذا الصراع للقضاء على اخر صوت للحرية في البلاد
الصورة
مئات يترقبون انتشال المساعدات على شاطئ بحر غزة (محمد الحجار)

مجتمع

يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة ملاحقة المساعدات القليلة التي تصل إلى القطاع، وبعد أن كانوا يلاحقون الشاحنات، أصبحوا أيضاً يترقبون ما يصل عبر الإنزال الجوي.
الصورة
شلباية: نادال قدوتي في التنس وتعلمت كثيراً من أنس جابر

رياضة

حلّ موهبة التنس الأردنية عبد الله شلباية ضيفاً، في حوار حصري مع "العربي الجديد"، من أجل الحديث عن قدوته في عالم الكرة الصفراء، وأهدافه المستقبلية.

المساهمون