سيناريوهات للانتخابات اللبنانية إن حصلت: ريفي يتوسّع خارج طرابلس

سيناريوهات للانتخابات اللبنانية إن حصلت: ريفي يتوسّع خارج طرابلس

30 اغسطس 2016
ريفي يرغب بخوض الانتخابات النيابية ضمن تحالف واسع(حسين بيضون)
+ الخط -
يزور كاظم الساهر مدينة طرابلس اللبنانية قريباً. سيغني ويُرقص الجمهور، ويُطلق صيحات الفرح. لن يكون الأمر جديداً على المدينة الشمالية، فالرقص غير ممنوع هنا، وإن حاول البعض منعه وتصوير المدينة المنفتحة على أنها "قندهار لبنانية". مفهومٌ هذا الإصرار على شيطنة طرابلس، إذ إن هذه المدينة تُمثل الكثير مما لا يرغب أحدٌ بتذكره: الثورة السورية حاضرةٌ هنا. هي ثورة أهل طرابلس أيضاً. تاريخ المدينة الحديث يؤكّد ذلك. فشل النظام السياسي في لبنان في إنماء كلّ ما هو خارج المركز (بيروت) يظهر بوضوح هنا. مثال بسيط: عند مدخل أي منطقة لبنانيّة، يوجد حاجز للجيش اللبناني. هنا الحاجز لقوى الأمن الداخلي (الشرطة). لا يكره أهل طرابلس الجيش، لكن النظام يُريد أن يوحي بذلك. وهنا مصفاة نفط متوقفة عن العمل، لكن عدد موظفيها يرتفع. هنا مرفأ محاصر، ومركز معارض دولي (رشيد كرامة) مهمّش، وقلعة سياحيّة وملعب أولمبي باتا ثُكنات للجيش اللبناني، وحي تراثي قديم كباب التبانة صار حزام بؤس، ونهر (أبو علي) تحوّل إلى مكب نفايات...

وهنا، انتفض أهل طرابلس على ساستها التقليديين في الانتخابات البلديّة الماضية، واختاروا دعم ضابط خارج من سلك قوى الأمن الداخلي. ضابط تُثار حوله الكثير من الأسئلة، وتتحوّل هذه الأسئلة إلى اتهامات لدى خصومه، لكنه بات ممثل أهل طرابلس الأول. هكذا دخل أشرف ريفي الحياة السياسيّة من باب الوظيفة العامة والعلاقة المباشرة مع الناس، وليس من وراثة سياسيّة أو حساب مصرفي وشركات ممتدة كحال خصومه الطرابلسيين من نجيب ميقاتي إلى محمد الصفدي وروبير فاضل.
لا يرغب أحدٌ بالعلاقة السياسية مع ريفي، لكنهم مضطرون إليها. هو النموذج الذي تهرب منه القوى السياسيّة التقليدية في لبنان.

فضّل رئيس الحكومة الأسبق، زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، التحالف مع ميقاتي، ألد خصومه الطرابلسيين، الذي تولى رئاسة مجلس الوزراء بعد إقالة حكومة الحريري عام 2011، على التحالف مع ريفي الذي يُفترض أنه أقرب إليه. بعد انتصار لائحة ريفي، كرر رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، مراراً أنه مع الحريري ظالماً أو مظلوماً. حزب الله لمّح على لسان الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، بإمكانية قبول الحريري رئيساً لمجلس الوزراء مجدداً. وسأل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط، بعد الانتخابات: "طرابلس إلى أين؟". كأن المدينة خُطفت.

صوّتت طرابلس لمرشحٍ من خارج النادي السياسي التقليدي. أدى هذا التصويت إلى خلق حيوية انتخابيّة داخل الطائفة السنيّة، تشبه إلى حد ما الحيوية الموجودة لدى المسيحيين منذ عام 2005. تُشير المعلومات إلى أن ريفي لا يلتزم بالحدود الجغرافية. هو يسعى لأن يخوض الانتخابات النيابية العام المقبل (في حال لم يتم تأجيلها مجدداً) بمرشحين خارج طرابلس أيضاً. وبحسب مصادر متقاطعة، فإن ريفي سيتجنّب خوض الانتخابات في الضنية، بل سيدعم النائب أحمد فتفت، الذي قد لا يحظى بدعم الحريري. ولهذا الأمر أسباب كثيرة، منها أن الموقف السياسي لفتفت قريب من موقف ريفي. لكن الأخير سيخوض الانتخابات في عكّار. وهذا سيكون المخاض الأول لريفي لجهة إظهار مدى قدرته على بناء علاقات سياسيّة. الحليف المفترض لريفي في عكّار سيكون النائب خالد الضاهر.

ماذا عن المسيحيين؟ تبدو علاقة ريفي بالقوات اللبنانيّة متينة. لم تتأثر بعد بترشيح القوات لرئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، لرئاسة الجمهوريّة. لكن الحساب الانتخابي مختلف. لا يُمكن لريفي التحالف مع حزب يتحالف مع التيار الوطني الحرّ، في حال تحالف القواتيون والعونيون انتخابياً. وإلى جانب العلاقة مع القوات اللبنانيّة، هناك علاقة ناشئة، مع حزب الكتائب. السؤال البارز الذي يجري تداوله طرابلسياً: "هل سيجرؤ حزب القوات اللبنانيّة أو حزب الكتائب على التحالف مع ريفي على حساب العلاقة مع تيار المستقبل؟".


الإجابة عن السؤال الأخير ليست سهلة. بعض المحيطين بريفي، يقولون إن للرجل امتدادات خارج طرابلس. ويُشيرون إلى نشاط بارز في البقاعين، الغربي والأوسط، وفي بيروت وإقليم الخروب، ما يعني أن المشهد الانتخابي سيكون أكثر تعقيداً. لكن ريفي، الذي لا يزال يعمل كعازف منفرد، يرغب في خوض الانتخابات ضمن تحالف واسع يضم شخصيات وقوى لا تزال متمسّكة بخطابها السيادي (يرمز بالخطاب السيادي في لبنان إلى معارضة سلاح حزب الله و"دولته" والنظام السوري). وقد بدأ تداول أسماء بعض الشخصيات البارزة في فريق 14 آذار، والتي اختارت الابتعاد عن المشهد السياسي اليومي لأسباب مختلفة، للتحالف الانتخابي مع ريفي. ولا بد من الإشارة إلى العلاقة الجيدة التي لا تزال تجمع ريفي برئيس الحكومة الأسبق، فؤاد السنيورة.
 
 في مؤتمره الصحافي الأخير في ذكرى تفجيري مسجدي التقوى والسلام في طرابلس (أغسطس/آب 2013 واتهم بهما الحزب العربي الديمقراطي ذو الغالبية العلوية والذي يتفاخر بأنه فصيل لدى النظام السوري) قال ريفي بوضوح: "لن يرهبنا سلاح أو تهديد، ما دمنا ندافع عن حق اللبنانيين بالحفاظ على دولتهم ومؤسساتهم، واللبنانيون قادرون على أن يواجهوا هذا التهديد". وأضاف: "كذلك لن ترهبنا عنتريات زمن الانتصارات الموهومة، المجبولة بالدم السوري، فهذه المغامرات المجنونة مصيرها أن تهزم وقد بدأت معالم الهزيمة بالظهور، وانتصاراتهم الموهومة هي كالعملة المزورة، لن نسمح أن تصرف غلبة واستعلاء في لبنان".

يبدو خطاب رئيس حزب الكتائب، النائب سامي الجميّل، مشابهاً. يخوض الجميّل اليوم معركةً مفتوحة مع شركائه في الحكومة، لرفض مطمر النفايات في برج حمّود (مدخل بيروت الشمالي). لا يبدو أن لديه شركاء في هذه المعركة، خصوصاً من القوى الفاعلة في المتن. لكن هذه المعركة ترسم حدود قدرته على مواجهة ما يقول إنه كان السبب المباشر في استقالة وزير حزب الكتائب، آلان حكيم، من الحكومة، وإقالة وزير العمل سجعان قزي من الحزب لأنه رفض الاستقالة من الحكومة.

إلى جانب رفض المطمر وكشف ملفات الفساد يُعلن الجميّل أنه "صامد" سياسياً. هو يرى أن البلد مخطوف من قبل حزب الله، وفي هذه الحالة "ما على الرهينة إلى الصمود ورفض الاستسلام". لا يرغب الجميّل في خوض الانتخابات النيابيّة وحيداً. يبحث عن حلفاء يُشبهونه. وضع معيارين لهؤلاء الحلفاء: أن يكونوا غير فاسدين ويمتلكوا موقفاً سياسياً "غير استسلامي". وكما يُواجه ريفي من خصومه باتهامات تطاول فترة عمله في قوى الأمن الداخلي، يواجه الجميّل بسلسلة من الاتهامات تتصل بقضايا فساد، يقول خصومه إن والده تورط فيها خلال توليه رئاسة الجمهورية بين عامي 1982-1988، إلى جانب اتهامه بالوراثة السياسيّة.

تبدو العلاقة بين ريفي والجميّل منطقية، بما أن المصالح متقاطعة بينهما. لكن هل ستُجرى الانتخابات النيابيّة العام المقبل أصلاً؟ لا يملك أحد جواباً نهائياً. لكن عدداً من النواب بدأ يتداول في جلساته الخاصة كلاماً عن عدم إمكانية إجراء انتخابات في ظل غياب رئيس للجمهوريّة لأن ذلك سيعني فراغاً شاملاً، في الرئاسات الثلاث، إذ قد يمتنع بعض النواب عن انتخاب رئيس لمجلس النواب قبل انتخاب رئيس للجمهوريّة. كما أنه لا يُمكن تكليف رئيس جديد للحكومة بغياب رئيس الجمهوريّة. وينص الدستور اللبناني على أن الحكومة تُعتبر مستقيلة عند انتخاب مجلس نيابي جديد. وحتى اليوم، لا أفق لانتخاب رئيس للجمهوريّة لحلّ هذه المعضلة، كما أنه لا أفق للاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية. لكن من يجرؤ من النواب والقوى السياسيّة على تبني تمديد ثالث لمجلس النواب؟

المساهمون